اليمن: الحرب التي لم تترك من فتات البسمة شيئاً!

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2200
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +
منذ سنتين، إلا قليلاً، اشتعلت الحرب في اليمن، كل اليمن، وأخذ الوضع الإنساني والصحي للشعب اليمني بالتراجع، حتى قيل أن "الحرب لم تترك من فتات البسمة شيئاً". منظمة أطباء بلا حدود تنشر تقريراً عن الرعاية الطبية في زمن الحرب، يصبّ تركيزه على التأثير الذي يحدثه النزاع على ثالث أكبر مدينة في اليمن، مدينة تعز.
يعكس الوضع اليائس في تعز الصورة الإجمالية لما يحصل في اليمن بأكمله
يعكس الوضع اليائس في تعز الصورة الإجمالية لما يحصل في اليمن بأكمله
نشرت منظمة أطباء بلا حدود الطبية الدولية تقريرًا عن الرعاية الطبية في زمن الحرب، يصبّ تركيزه على التأثير الذي يحدثه النزاع على ثالث أكبر مدينة في اليمن، مدينة تعز. ويركّز تقرير منظمة أطباء بلا حدود على كل من التأثير المباشر والقاتل للحرب على المدنيين في تعز، وعلى انهيار الخدمات الصحية في المدينة المقسّمة إلى أجزاء، كما لاحظت فرق المنظمة المتواجدة هناك.

 

وفي هذا السياق تقول مديرة الطوارئ في المنظمة في اليمن كارلين كليجر: "يعكس الوضع اليائس في تعز الصورة الإجمالية لما يحصل في اليمن بأكمله". وتُردف قائلةً: "تُظهر الأطراف المتنازعة في تعز عدم احترام لمبدأ حماية المدنيين، والمرافق الصحية، والمرضى والعاملين في المجال الصحي. ويبلّغ المرضى على كلا جانبَي خطوط الجبهات عن التعرّض للإصابة جرّاء القصف في الوقت الذي يحضِّرون فيه الغداء في مطابخهم، ويخبرون عن تعرّضهم للإصابة جرّاء الغارات الجوية بينما يتوجهون إلى حقولهم، وعن تشوههم بسبب الألغام الأرضية بينما يرعون مواشيهم، وعن تعرضهم لإطلاق النار في الشوارع خارج منازلهم".

 

وسبق وشهدت محافظة تعز التي تقع في الجزء الجنوبي الغربي من اليمن، على بعض من أكثر الاشتباكات العنيفة والمتواصلة منذ تصاعد حدّة النزاع في مارس آذار 2015. وتُقسّم خطوط الجبهات مدينة تعز ويعيش سكان المدينة منذ حوالى سنتَين في جو من الرعب المتواصل ومعاناةٍ طال أمدها. تجسّد المدينة إذًا خير برهان على الحاجة الملحة إلى المزيد من المساعدة الطبية، وبالأخص الرعاية الصحية الأساسية.

 

وتأثرت الخدمات الطبية في تعز بشكل مباشر من العنف، وتعرضت المستشفيات بشكل متكرر للقصف وإطلاق النار، وأصابت غارة جوية عيادة متنقلة تابعة لمنظمة أطباء بلا حدود، وأطلق رجال مسلحون النار على سيارات الإسعاف وقاموا بمصادرتها أو دخلوها عنوةً. كما وتم إطلاق النار على أفراد الطاقم الطبي بينما كانوا يتوجهون إلى عملهم، وتعرضوا للمضايقة والاعتقال والتهديد وحتى أنهم أُجبروا على العمل تحت تهديد السلاح. يعرّض الكثير من أفراد الطاقم الطبي حياتهم للخطر بالعمل في تعز، ويخشى كثيرون فقدان حياتهم في أثناء العمل.

 

وفي هذا الصدد، يقول مشرف على غرفة الطوارئ في مستشفى في تعز: "هل أشعر بالأمان بالعمل في المستشفى؟ في الواقع هو شعور لا أختبره على الإطلاق". ويضيف قائلًا: "ما من احترام للمرافق الصحية. استُهدف المستشفى الذي أعمل فيه وقُصف مرات متعددة؛ يتسبّب القصف بالكثير من الألم والحزن، سواء بين أوساط الموظفين أو المرضى". ونجم عن تضرر المستشفيات والنقص في الموظفين والإمدادات الأساسية انهيار فعلي للخدمات الصحية في تعز، ما تسبّب بتقصير حادّ في توفير الرعاية الطبية المنقذة للحياة.

 

ودفع النظام الصحي المُعطّل المدمج مع أوضاع معيشية تزداد صعوبتها يومًا بعد يوم إلى انخفاضٍ في مستوى صحة الناس، وترتب عن ذلك بالأخص عواقب حادة على المجموعات الأكثر حاجة ذات المناعة المنخفضة مثل النساء الحوامل، والأطفال حديثي الولادة، والأطفال الصغار. تعيش معظم العائلات الآن مع القليل من الكهرباء أو من دونها بتاتًا، ومع كميات غير كافية من الغذاء والمياه. وأُجبر كثيرون على الفرار من منازلهم هربًا من القتال ويعيشون الآن في مستوطنات مؤقتة أو مباني مكتظة بالسكان، وغالبًا من دون مرافق الصرف الصحي المناسبة والحاجات الأساسية مثل الفرش والبطانيات وأدوات الطبخ. والرعاية الصحية المجانية محدودة للغاية والرعاية الخاصة باهظة التكاليف، فيلجأ إليها الناس كملاذ أخير عندما تكون حالتهم المرضية شديدة للغاية وقد يكون الأوان أحيانًا قد سبق وفات.

 

في العام 2016، شاركت الفرق في مسشتفى الأم والطفل التابع لمنظمة أطباء بلا حدود وفي أقسام الأمومة المدعومة من المنظمة في تعز في إنجاز 5,300 حالة ولادة، وقدّمت ما يزيد عن 31,900 استشارة ما قبل الولادة، وأجرت 2,600 استشارة ما بعد الولادة، وأدخلت ما يزيد عن 2,500 طفل مصاب بسوء تغذية حاد في برنامج التغذية العلاجية. ومنذ اندلاع أعمال العنف، ساعدت منظمة أطباء بلا حدود في معالجة ما يزيد عن 10,700 جريح حرب في تعز.

 

تكرّر منظمة أطباء بلا حدود في تقريرها الجديد نداءها إلى الأطراف المتنازعة لضمان حماية المدنيين والعاملين في المجال الصحي والسماح للجرحى والمرضى بالحصول على الرعاية الصحية. وتدعو منظمة أطباء بلا حدود أيضًا منظمات الإغاثة الدولية والحكومات المانحة إلى زيادة استجابتها الإنسانية في اليمن وضمان وصول هذه المساعدة إلى جميع من هم بحاجة إليها.

 

ومما لا شك فيه أن الظروف المسلّط الضوء عليها في هذه التقارير لا تنفرد بها تعز فقط. فتشهد فرقنا في أرجاء عشر محافظات في اليمن تعمل فيها منظمة أطباء بلا حدود على القضايا نفسها: اليمنيون ضحايا الآثار المباشرة وغير المباشرة لهذه الحرب القاتلة والمدمرة؛ والحصول على الرعاية الصحية الجيدة الميسورة الكلفة عُرضة للخطر الشديد؛ وبعد انقضاء سنتَين على بدء الحرب، ما زالت المساعدات الإنسانية والطبية تفشل في تلبية أبسط احتياجات الناس الأساسية.


منظمة أطباء بلا حدود في اليمن

تدير منظمة أطباء با حدود الأنشطة الطبية المنقذة للحياة على كلا خطي الجبهات في تعز
تدير منظمة أطباء با حدود الأنشطة الطبية المنقذة للحياة على كلا خطي الجبهات في تعز
منظمة أطباء بلا حدود هي منظمة طبية إنسانية دولية تقدم رعاية طبية عالية الجودة إلى الشعوب المتضررة من الأزمات بغض النظر عن العرق أو الدين أو الانتماء السياسي. كل يوم، يوفر أكثر من 27،000 موظف ميداني لأطباء بلا حدود في جميع أنحاء العالم المساعدة إلى الشعوب المتضررة من العنف أو الإهمال أو الأزمات، ويعود ذلك أساساً إلى النزاعات المسلحة أو الأوبئة أو سوء التغذية أو الحرمان من الرعاية الصحية أو الكوارث الطبيعية. 

في اليمن تحديداً، تقوم منظمة أطباء بلا حدود بأنشطة إضافية في شتى أنحاء البلاد، وتعمل في عشرة محافظات، وتستجيب  للنزاع القائم والاحتياجات الإنسانية المترتبة عنه. كما تدير المنظمة وتدعم مستشفيات حول البلاد على كافة جوانب خطوط الجبهات. تستجيب "من أجل إنقاذ حياة الناس"، وتقوم بالعمليات الجراحية، لاحتياجات النساء الحوامل ورعاية النساء والأطفال وحالات الطوارئ، إضافة إلى مجموعة واسعة من الأنشطة في اليمن وتعز تحديداً.

وقالت المنظمة في التقرير الخاص الذي أصدرته بخصوص الوضع في اليمن إن عملية إيصال الإمدادات إلى اليمن ليست دائماً بالأمر السهل، ولكنه ممكن و "نتدبر بالفعل أن ندخل مئات الأطنان من الإمدادات كل عام إلى اليمن". وأكدّت المنظمة في تقريرها أنه يمكن للإمدادات أن تحصل جواً أو بحراً وغالباً ما يتطلب الأمر إجراءات طويلة مع السلطات، والحصول على تصريحات لتتمكن هذه الإمدادات من الدخول إلى البلاد، مشيرة إلى أن اليمن منطقة حرب، ولذلك فأن الأمر ليس سهلاً، والحصول على التصريحات يستغرق وقتاً طويلاً ويتطلب القيام بمفاوضات ولكنه قابل للتحقيق.

وقال طبيب يعمل في منظمة أطباء بلا حدود إن "الواقع المؤسف اليوم يجعلنا نشهد كل يوم قصة مأساوية في مكتب تعز". وأضاف الطبيب أنه "إذا صفق باب في المكتب، يعتقد الناس أنها غارة جوية ويقفزون، مؤكداًً أن عدد المستشفيات في تعز وعملية توفير الرعاية الصحية في وضع صعب للغاية.

 


ما الذي يحتاجه سكان تعز بالفعل؟

ينبغي زيادة حجم المساعدات الإنسانية في اليمن والوصول إلى الأشخاص المحتاجين
ينبغي زيادة حجم المساعدات الإنسانية في اليمن والوصول إلى الأشخاص المحتاجين
ويقول طبيب آخر أن المشكلة هي أن سكان تعز يحتاجون كل شيء، لأن "هناك نقصاً كبيراً في الدعم القادم إلى هناك وذلك بسبب الوضع الأمني، وبسبب صعوبة إدخال الأشياء إليها".

وأضاف الطبيب أن إمدادات المياه انقطعت عن المدينة، لأن القصف المدفعي المكثّف دمر بعض البنى التحتية، مشيراً إلى أنه كان في تعز في شهر نوفمبر الذي شهد تصاعداً كبيراً في عمليات القتال، حيث أصيب 76 شخصاً وقُتل 21 آخرون، مؤكداً أنها من "الأيام التي لن ينساها في حياته".

"انتشر الخبر بأني طبيبة أطفال، وبدأ الناس يقصدونني لأساعدهم في كل الأوقات"

"على كافة الأطراف احترام القانون الدولي الإنساني، وضمان حصول المرضى والجرحى على الرعاية الصحية"
"على كافة الأطراف احترام القانون الدولي الإنساني، وضمان حصول المرضى والجرحى على الرعاية الصحية"
حين تصعّدت الحرب في اليمن، كانت سناء خارج البلاد، تنهي دراستها كطبيبة. عندما سمعت الخبر، شعرت بأنها ملزمة بالعودة إلى تعز، إحدى أكثر مناطق النزاع ضراوة. اليوم تعمل سناء في قسم علاج سوء التغذية في مستشفى منظمة أطباء بلا حدود للأم والطفل الموجود في المنطقة المنقسمة.

"كنت قد انتهيت للتو من دراسة الطب في القاهرة حين تصعّدت الحرب في اليمن، بلدي الأم. قالت لي عائلتي أنه لا يجدر بي مغادرة مصر، لأبقى بأمان، لكني رغبت في الرجوع إلى وطني. عدت في 25 أيار/مايو 2015. 

وأشارت سناء إلى أحد الأيام التي"ضربت قذيفة إطاراً معدنياً خارج نافذتنا فيما جلست وأختي في الداخل نتناقش حول كتاب ما. نجينا بفعل الحظ حقاً".

وأضافت، لقد رأيت العديد من الناس المصابين بأمراض جلدية وحالات طفح جلدي لأنهم غادروا منازلهم وباتوا يعيشون وسط ظروف مزرية في مبانٍ قديمة وسيئة الحال. كما أنهم لم يتمكنوا من شراء الأدوية. وفي بعض الأحيان تحمّلت عائلتي تكاليف نقلهم إلى المستشفى في صنعاء، التي تبعد مسافة 6 أو 7 ساعات في السيارة.