حلب انتكاسة جديدة للسعودية وقطر الداعمتين للمعارضة المسلحة في سوريا وضربة قوية لسعيهما الحثيث للاطاحة بالرئيس الاسد
دبي ـ (أ ف ب) – تشكل خسارة الفصائل السورية لمدينة حلب التي استعادتها قوات الجيش السوري المدعوم من طهران بالكامل، انتكاسة جديدة للسعودية وقطر الداعمتين للمعارضة المسلحة في سوريا وضربة قوية لسعيهما الحثيث للاطاحة بالرئيس بشار الاسد.
واعلن الجيش السوري مساء الخميس استعادته كامل مدينة حلب، ثاني اهم المدن السورية، في انتصار يعد الاكبر للنظام السوري على فصائل المعارضة منذ اندلاع النزاع في 2011.
ومنذ العام 2012، شهدت حلب التي كانت تعد العاصمة الاقتصادية للبلاد، معارك بين قوات النظام التي تسيطر على الاحياء الغربية حيث يعيش 1,2 مليون شخص، والفصائل التي كانت تسيطر على الاحياء الشرقية حيث كان يعيش اكثر من 250 الف شخص.
وجاء اعلان الجيش السوري بعد انتهاء عملية اجلاء عشرات الآلاف من المدنيين والمقاتلين من آخر جيب كان تحت سيطرة الفصائل المعارضة نحو مناطق تقع خارج سيطرة النظام، في عملية تمت بموجب اتفاق روسي ايراني تركي بعد نحو شهر من هجوم عنيف شنه الجيش السوري على الاحياء الشرقية.
وتحظى قوات النظام السوري بدعم عسكري روسي وايراني وبمساندة جماعات مسلحة بينها حزب الله اللبناني، بينما تلقى الفصائل المعارضة التي تقدم على انها جماعات “معتدلة” دعم الولايات المتحدة وتركيا ودول خليجية على راسها السعودية وقطر.
ويقول الاستاذ المتخصص في الشؤون الجيوسياسية في الشرق الاوسط في جامعة تولوز ماثيو غيدار لوكالة فرانس برس ان “مصير سوريا لم يعد في ايدي الدول الخليجية”.
– موازين القوى تنقلب –
مع عودة حلب الى كنف النظام، سيقتصر وجود فصائل المعارضة الى جانب محافظة ادلب (شمال غرب)، على بعض المناطق في درعا (جنوب) التي كانت مهد الانتفاضة ضد النظام وفي ريف دمشق حيث تراجعت الفصائل ايضا مع خسارة اثنين من معاقلها، داريا ومعضمية الشام.
وتخضع ادلب لسيطرة “جيش الفتح”، وهو تحالف فصائل اسلامية بينها جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا)، بينما يسيطر تنظيم الدولة الاسلامية على مدينة الرقة.
واصبح بامكان النظام التباهي بسيطرته على المدن الثلاث الرئيسية دمشق وحمص وحلب فضلا عن الجزء الاكبر من “سوريا المفيدة”، اي غرب البلاد. اما الجزء الاكبر مما تبقى فهو عبارة عن مناطق صحراوية.
كما سيكون النظام السوري قد امسك بمفاتيح مفاوضات السلام المحتملة بعد فشل ثلاث جولات حوار هذه السنة باشراف الامم المتحدة.
ويقول ابراهيم فريحات استاذ تسوية النزاعات في معهد الدوحة للدراسات العليا ان “سقوط حلب يضعف موقف المعارضة السورية وحلفائها في المفاوضات” مع النظام.
ويرى ان على “الدول الخليجية الداعمة (للمعارضة) ان تنخرط في مسار يقود نحو تسوية سياسية للنزاع بما ان الحل العسكري بات اقل احتمالا من اي وقت مضى”.
لكنه يضيف ان على هذه الدول في الوقت ذاته دعم المعارضة باسلحة اضافية وبينها الصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على الكتف “لتجنب تدهور اضافي في موازين القوى” يصعب حتى من الحل السياسي.
– من الاطاحة الى البقاء –
يرى غيدار من جهته انه “بعد سقوط حلب، لن يعود الاسد التحدي الرئيسي لدول الخليج، بل التحالف الجديد بين روسيا وتركيا وايران”.
ففي ظل التطورات الاخيرة، كشفت روسيا وايران وتركيا عن تقارب جديد حيال الملف السوري، معلنة الاتفاق على اهمية “توسيع″ وقف اطلاق النار والاستعداد للعب دور الضامن في محادثات سلام، وذلك بعد اجتماع لوزراء خارجية الدول الثلاث في موسكو.
ويقول استاذ العلوم السياسية الاماراتي عبدالخالق عبدالله ان تركيا التي تقاتل قواتها الجهاديين في سوريا بدأت تعيد حساباتها السياسية لتنتقل من الحلف الذي سعى الى الاطاحة بالاسد منذ بداية النزاع، الى الحلف المقابل الذي يعمل على ابقائه في الحكم.
وقال في تغريدة على تويتر “ودعت تركيا جبهة المطالبين بالاطاحة بالاسد مع امريكا والسعودية وانتقلت لجبهة بقاء الاسد مع روسيا وايران. خسر من راهن على حلف تركي سعودي قطري”.
ويؤكد تعاون تركيا مع روسيا موقع موسكو كلاعب رئيسي لا يمكن تخطيه في سوريا، وهو دور مرشح لان يتعزز في ظل ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي ينظر اليه على انه يحمل توجهات سياسية قريبة من روسيا.
ويرى المحلل والخبير في شؤون الخليج نيل بارتريك ان “السعودية ومعها الدول الاخرى يدركون انه في ظل ولاية ترامب سيتسارع التقارب الغربي تجاه الاسد”، مضيفا “هذا الامر يعني فشل مشروع اقامة دولة سنية بديلة في سوريا تتنافس فيها على الريادة السعودية، والاتراك، والقطريون بشكل اقل”.
ويشير بارتريك الى ان الدول الخليجية خلصت الى ان روسيا هي اللاعب الرئيسي في سوريا، وان واشنطن قد تحاول التوصل الى اتفاق مع موسكو حيال المرحلة المقبلة.
ويقول “على السعودية ان تتحلى بالذكاء وان ترسل اشارات الى الاسد الان، كما بدأت تفعل تركيا ومصر”.