بيان ختامي “باهت” لقمة البحرين الخليجية..
وجولة العاهل السعودي سرقت الأضواء منها ورسمت ملامح “الهوية” الخليجية الجديدة.. وتيريزا ماي استخدمت “الفزاعة” الإيرانية للعودة الى المنطقة بقوة ومن أوسع أبوابها
لا نعتقد ان البيان الختامي الذي صدر في ختام اعمال قمة مجلس التعاون الخليجي التي انعقدت في البحرين خلال اليومين الماضيين، يعكس ما تم مناقشته في اللقاءات الثنائية، او الجماعية المغلقة، من قضايا جوهرية تعكس قلق دول المنطقة واهتمامها.
صحيح ان هذا البيان، والذي جاء باهتا ومغرق في العموميات، شدد على ضرورة ان تغير ايران من سياساتها في المنطقة، واستنكر تدخلاتها في شؤونها الداخلية، ولكنه لم يتطرق بشكل تفصيلي الى الحروب التي تخوضها الدول الأعضاء في اليمن وسورية والعراق، وخياراتها الاستراتيجية المقبلة في ظل خسارتها المتوقعة، جزئيا او كليا، لهذه الحروب.
جميع دول مجلس التعاون، وباستثناء سلطنة عمان تشارك في حرب اليمن عسكريا وسياسيا منذ عشرين شهرا، ولم تنجح حتى هذه اللحظة في حسمها لصالحها وحلفائها، كما انها دعمت المعارضة السورية المسلحة بالمال والسلاح، وجعلت اسقاط النظام السوري على قمة أولوياتها، واليوم بالذات باتت عملية استعادت الجيش السوري لمدينة حلب كاملة مسألة أيام معدودة، ولوحظ ان البيان الختامي حول هاتين المسألتين كان انشائيا، ولم يتضمن أي مواقف محددة، او أي نقد ذاتي، او خريطة طريق سياسية للمستقبل.
قضيتان رئيسيتان كانتا في رأي هذه الصحيفة “راي اليوم” اكثر أهمية من قمة المنامة، وسرقا الأضواء كليا من مداولاتها:
الأولى: جولة العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز الخليجية التي شملت اربع دول واستثنت سلطنة عمان، وحددت الهوية الجديدة لمجلس التعاون، والمستقبلية، للاتحاد الخليجي المتوقع.
الثانية: حضور السيدة تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا كضيفة شرف على القمة الخليجية، والمباحثات الثنائية التي أجرتها مع قادة الوفود، والاصطفاف خلفهم “في التصدي لعدوانية ايران”، مثلما جاء في كلمتها التي القتها صباح اليوم في الجلسة الختامية للقمة.
جولة العاهل السعودي التي رتبت أولويات أهمية الدول الخليجية على سلم الصداقة السعودية، كانت حاسمة في تأكيدها على ابعاد، او تجميد، مكانة سلطنة عمان في المنظومة الخليجية الحالية، او المستقبلية، لانها رفضت الدخول في حرب اليمن والانضمام للتحالف العربي، وحرصت على إقامة علاقات جيدة مع ايران وسورية، ومصر، وابقت على سفارتها مفتوحة في دمشق وطهران، واوفدت وزير خارجيتها في زيارة رسمية الى العاصمة الأولى، أي دمشق.
وأكدت جولة العاهل السعودي أيضا على قرار سعودي بإغلاق باب المصالحة مع مصر كليا، في الوقت الراهن على الاقل، حيث أفادت تقارير مصرية شبه رسمية، ان الملك سلمان هو الذي اجهض وساطة إماراتية عندما تجنب لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في ابو ظبي جرى ترتيبه من اجل هذا الغرض، عندما وصل بعد ساعتين الى مطار ابو ظبي، وبعد التأكيد من مغادرة الرئيس السيسي له.
ولا نستبعد ان تؤدي جولة العاهل السعودي هذه، وما كشفته من ثوابت جديدة للسياسة السعودية، الى قيام تحالفات جديدة، من بينها توثيق العلاقات المصرية السورية، والمصرية الإيرانية، وتسارع تبلور هوية إقليمية وسياسية وعُمانية مستقلة بعيدا عن الهوية الخليجية بصيغتها الحالية.
اما اذا تحدثنا عن النقطة الثانية المتعلقة بزيارة السيدة تيريزا ماي، رئيسة وزراء بريطانيا، والحفاوة التي حظيت بها من جميع المشاركين والموقف الصريح الذي عبرت عنه تجاه ايران، فان هذا يعني ان بريطانيا عائدة بقوة الى محمياتها السابقة في الخليج، وان رئيسة وزرائها عرفت كيف تلمس العصب الرئيسي (ايران) الذي سيعيد فتح بواباتها على مصراعيها امامها.
بريطانيا على وشك الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتبحث عن أسواق وحلفاء تجاريين جدد، وليس هناك افضل واكثر ثراء من دول مجلس التعاون الخليجي التي تشكل سوقا مغرية لصناعاتها الحربية خصوصا، وعلينا ان نذّكر بأن زيارة السيدة مارغريت تاتشر الى السعودية في أوائل الثمانينات أدت الى توقيع صفقة اليمامة او صفقة القرن، مثلما وُصفت في حينها، وبلغت قيمتها حوالي 70 مليار دولار، تضمنت طائرات هوك وتورنيدو البريطانية.
الدول الخليجية تواجه تحديات ضخمة سياسية وعسكرية واقتصادية، بشقيها الداخلي والخارجي، ولا نعتقد ان هذه القمة، عكست خطط لمواجهتها بشكل حاسم، وبما يطمئن مواطنيها على حاضرهم ومستقبلهم.
“راي اليوم”