ففي اجتماع عقده مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة الأمير محمد بن سلمان تم فيه مناقشة حزمة من الأمور المالية والاقتصادية واتخاذ جملة من القرارات كان أبرزها إيقاف التعاقد بتنفيذ عدد كبير من المشاريع التي لا تساهم بفعالية في دعم النمو الاقتصادي أو تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين وتستهدف إنهاء التزامات لدفع مبالغ مستحقة للقطاع الخاص على الخزينة العامة للدولة والتي كانت ستصل قيمة الالتزام بها لترليون ريال.
خفض العجز لا يعد بالضرورة نجاحًا للسياسة الاقتصادية بقدر ما يعكس عمق الأزمة التمويلية التي تمر بها السعودية.
إلغاء المشاريع لدفع ديون الشركات
إلغاء التعاقد مع المشاريع الآنفة الذكر في هذا الوقت يأتي لدفع عجلة الشركات المحلية الكبرى التي تعد محرك الاقتصاد السعودي، إذ تدين للحكومة بمئات ملايين الدولارات المستحقة والتي تباطأت الحكومة عن دفعها بسبب تداعيات انخفاض أسعار النفط.
فتراجع الاقتصاد السعودي منذ أزمة انهيار أسعار النفط في يوليو/ تموز 2014 أدى لتداعيات على الاقتصاد والمجتمع خلال العام الماضي 2015 والشهور الماضية من العام الحالي من خلال تخفيض مخصصات الدعم ورفع الأسعار وإلغاء البدلات والعلاوات وتخفيضات في الرواتب وفرض ضرائب جديدة، والتداعي الأبرز كان في وقف تنفيذ العديد من المشروعات العامة والتي كانت بمثابة شريان الحياة للقطاع الخاص السعودي، وقد أدت تلك الإجراءات لتجاوز معدل التضخم نسبة الـ4% ومن المتوقع أن يصل إلى 4.2% بنهاية العام الحالي 2016.
التداعي الأبرز على الاقتصاد السعودي كان في وقف تنفيذ العديد من المشروعات العامة والتي كانت بمثابة شريان الحياة للقطاع الخاص السعودي
وبسبب الإجراءات الحكومية المتخذة فيما يخص الإنفاق على المشروعات، تضرر القطاع الخاص بشكل كبير ما انعكس على أوضاع مئات الآلاف من العمالة الأجنبية والوطنية، وقد شهدت العديد من شركات المقاولات الكبرى اضطرابات عمالية ومالية لتأخر رواتب الموظفين لعدة أشهر كما حصل مع شركتي بن لادن وسعودي أوجيه.
وعلى الرغم من كل تلك الإجراءات فإن الأسوأ لم يأت بعد على الاقتصاد السعودي ولا بد من سياسات مالية واقتصادية تُشرع لتلافي الوقوع في مشاكل مالية، إذ توقع خبراء صندوق النقد في تقارير صدرت خلال الأشهر الماضية أن تتراجع الصادرات السعودية لتصل إلى 183 مليار دولار في 2016 مقارنة بـ202 مليار دولار في 2015 وكذلك الواردات يتوقع لها أن تتراجع إلى 149 مليار دولار مقارنة بـ155 مليار دولار العام الماضي.
علمًا أن الصادرات السعودية وصلت إلى 388 مليار دولار في 2012 ولدى مقارنتها بما هو متوقع في العام 2016 يظهر أنها فقدت حوالي 205 مليارات دولار أي بانخفاض نسبته 52.8%.
وانخفاض الصاردات سينعكس على احتياطيات النقد الأجنبي حيث يتوقع أن تتراجع الاحتياطيات إلى 542 مليار دولار بنهاية لعام الحالي مقابل 724 مليار دولار في 2014 أي أن قيمة التراجع تصل إلى 182 مليار دولار وبنسبة 25.1%.
والملاحظ أن صانع السياسة الاقتصادية في السعودية يسير وفق أجندة صندوق النقد الدولي، فتم استهداف عجز الموازنة بنسبة 13% في 2016 منخفضًا بذلك عما تحقق في 2015 وهو نسبة 16%، إلا أن خفض العجز لا يعد بالضرورة نجاحًا للسياسة الاقتصادية بقدر ما يعكس عمق الأزمة التمويلية التي تمر بها السعودية.
وفي ظل اعتماد الموازنة المالية في السعودية على النفط فإنه من المتوقع أن أسواق النفط العالمية لن تشهد انفراجة إلا مع حلول عام 2021 وحتى ذلك الوقت يُتوقع أن تكون السعودية قد اسنتفدت جزءًا كبيرًا من مدخراتها ودخلت دوامة من الديون المحلية والأجنبية حسب تقارير لصندوق النقد الدولي.
وهذه الإجراءات المتبعة والمخطط لها في المرحلة المقبلة تفتقد إلى السياسات الإنتاجية وتتبنى التعويل على قطاع الخدمات بشكل كبير الذي يعتمد على الخارج ولا تمتلك فيه السعودية مزايا تنافسية.
انخفضت الصادرات السعودية بنسبة 52% عن مستواها في العام 2012
فرؤية المملكة 2030 كما يشير عبد الحافظ الصاوي بنيت على تخلي الدولة عن دورها الاقتصادي والاجتماعي لصالح القطاع الخاص، بينما يعد الاقتصاد السعودي غير مؤهل بعد لهذه المهمة، لذا سيتم الاستعانة بالقطاع الخاص الأجنبي والذي سيعمد إلى اتباع سياسة تمويل مشاريعه بالأموال المحلية ومن ثم تحويل العائد على الاستثمار للخارج وهذا سيرسخ التبعية للدول الأجنية.
قصة لترليون ريال أخرى!
كتب الخبير الاقتصادي السعودي حمزة السالم في دراسة طويلة نشرت على موقع الرياض بوست بيّن فيها بطرق حسابية ومنهجية أن هناك ترليون وتسعمئة مليار ريال (1.9 ترليون ريال) دخلت خزينة الدولة في عام 2015 والأشهر التسعة الأولى من العام الحالي 2016 ولم يتم معرفة أوجه صرف تلك المبالغ. وهذا المبلغ يمثل ريع النفط والسحب من الاحتياطيات النقدية والمبالغ المالية المستدانة، وبعد خصم متوسط المصروفات الحكومية وكلفة الحرب في اليمن والتي ذكر عن مصادر أجنبية أنها استهلكت 18 مليار ريال خلال 15 شهرًا منذ بدايتها إلى أيلول الماضي، يتبقى 1.1 ترليون ريال، متسائلًا أين ذهبت تلك الأموال؟
ويقول إن الجهل والفساد أهدرا تلك الاموال التي تقدر بنصف الدخل؛ فاختفاء ما يقرب من ترليون ومئة مليون ريال هو أكثر من نصف مجموع ما دخل على الدولة، و 3 أضعاف ريع النفط لعام 2015 وأكثر من نصف مجموع ما دخل الخزينة من ريع النفط ومن سحب للاحتياطيات ومن الاستدانة.
ترليون ومئة مليار ريال حجم الهدر في السعودية في 18 شهرًا
ويدلل السالم أن هذا المبلغ يساوي 15 عامًا من قيمة إلغاء البدلات جميعها دون استثناء ومدة دخول الطفل السعودي الابتدائية إلى تخرجه من الجامعة، ويشتري أكثر من 36 ألف طائرة حربية من طراز إف 15 ويبني عشرة سدود كسد جورج في الصين (أعظم سد إنتاج طاقة في العالم) ويبني مليوني منزل للسعوديين.
وأتي السالم بأعوام شهد فيها سعر النفط انهيارًا إلى 20 دولارًا للبرميل في الثمانينات والتسعينات لم تشهد فيها الاحتياطيات هبوطًا كما يذكر الوزير المستشار محمد آل الشيخ السابق في مقابلة له على بلومبيرغ في أبريل/ نيسان 2016، ولم تخسر السعودية في ذلك الوقت مع التقشف وهدر الفساد إلا 400 مليار ريال ومع ذلك كانت المشاريع مستمرة والجامعات تبنى ولم يتعرض أحد لجيوب المواطنين كما يشير السالم، بينما سبب انهيار سعر النفط في الـ 18 شهرًا خسارة 25 ضعفًا من خسارة عقدي الانهيار النفطي الأول، تناقص فيها الاحتياطي بمعدل 37 مليارًا شهريًا رغم أن المشاريع متوقفة والضرائب مفروضة على المواطن.
ومن ثم يقول السالم في مقالته إن الصندوق السيادي خسر 37% خلال عام، فإذا بيعت أرامكو ودخلت الصندوق السيادي وجرى التعامل معها من نفس المسؤول فستضيع الشركة خلال 3 أعوام.
وقد رد على مقال السالم المحلل المالي خالد العتيبي نافيًا حصول هدر في الإنفاق الحكومي وقال أن هناك خطأ شائعًا بين الناس وهو الخلط بين الاحتياطي المالي للدولة وهو المعلن بشكل شهري في تقرير مؤسسة النقد والأصول الاحتياطية لمؤسسة النقد وهي تعلن في نفس التقرير، وذكر أن صندوق النقد الدولي بناء على معلومات من وزارة المالية السعودية توقع أن يصل الإنفاق الحكومي إلى حوالي ترليون ومئتي مليار خلال 2015 أي أن الإنفاق الشهري للحكومة حوالي 100 مليار شهريًا ما يعني عدم وجود هدر في الإنفاق.
وقد يواجه الدكتور حمزة السالم الآن عقوبة السجن بسبب مقاله إذ يجري إعداد لائحة ادعاء بالتشهير لإحالته للقضاء بعد رفع دعوى من قبل وزير الدولة محمد آل الشيخ ضده.
وقد اختلف المواطنون السعودين في مقال السالم فمنهم من رآه مؤامره تستهدف وحدة الشعب السعودي وأنه كلام بلا دليل بينما عبر عنه آخرون أنه أكبر اختلاس في التاريخ.