لماذا أبدت السعودية اهتماما بمنظومة الدفاع الجوي الروسية “إس-400” ؟
أحمد سامي – التقرير
قال السفير الروسي لدى المملكة العربية السعودية، أوليغ أوزيروف، إن المملكة أبدت اهتمامها بمنظومة الدفاع الجوي الروسية الحديثة “إس-400″، كما تساءلت وكالة “سبوتنيك” الروسية للأنباء، في تقرير نشرته الخميس، عما يدفع السعودية للرغبة في امتلاك أقوى الأسلحة الروسية، مشيرة إلى أن صواريخ الدفاع الجوي الروسية “إس-400″، لفتت أنظار العالم كله عندما قررت وزارة الدفاع نقلها إلى سوريا.
مواصفاتها
طورت منظومة “إس -400 ترايمف”، التابعة لدفاع جوي روسية طورت في أواخر عقد التسعينيات ودخلت الخدمة في الجيش الروسي عام 2001، المنظومة من تطوير شركة ألماز، والتي طورته عن منظومة الدفاع الجوي الأقدم “إس – 300″، وعرف النظام سابقا بس-300 بي إم يو-3 “S-300PMU-3” بمدى أكثر بمرتين من مدى إم آي إم – 104، الباتريوت فقد ألقى “س – 400” بضلاله على إمكانات إس- 300.
وذكرت المصادر الروسية، أن “إس – 400” قادرة على رصد وتدمير الأهداف من على بعد 400 كلم، وتشمل تلك الأهداف الطائرات والصواريخ الباليستية وصواريخ كروز، ويصل مدى المنظومة إلى 3.500 كلم وبسرعة 3 أميال في الثانية، فضلا عن تمكنها من كشف الطائرات الشبحية، وتعد منظومة “إس – 400″، أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطورا حتى اليوم.
وبحسب ما ذكره موقع “روسيا اليوم”، تزود المنظومة “إس – 400 تريومف” بنحو 5 صواريخ مختلفة المهام والأهداف، وفي العام السابق تم تصنيع صاروخ جديد بعيد المدى لهذه المنظومة، أطلق عليه الصاروخ “40Н 6 Е” يمكن استخدامه في تدمير أهداف مهمة ومعقدة، من بينها طائرات الكشف الراداري البعيد، وطائرات الشبح الأمريكية.
ويمكن لمنظومة “إس – 400 تريومف” تدمير الأهداف الديناميكية الهوائية، مثل طائرات سلاح الجو التكتيكية والاستراتيجية، إضافة إلى مصادر التشويش من طراز “أواكس” والصواريخ المجنحة، حيث إنها تتصف بقدرتها التدميرية الكافية لجميع أنواع الأهداف الجوية، كما أنها تضم عدة مواصفات فنية تكتيكية، منها على سبيل المثال مدى قدرتها في اكتشاف أهداف على بعد 600 كم، واستطاعتها تدمير أهداف جوية على بعد 400 كلم، كما أن الارتفاع الأقصى لإصابة الهدف يكون على بعد 27 كم، وتصل السرعة القصوى للهدف المدمر 4800 كم في الساعة.
العلاقات السعودية-الروسية
ظلت العلاقات الدبلوماسية منقطعة بين روسيا والسعودية حتى عادت في العام 1990، ولكن ذلك لم يؤثر على سعي السعودية إلى التأثير في الجمهوريات السوفيتية المسلمة، وانطلقت المواجهة الثانية بشكل غير مباشر بين موسكو والرياض عندما قامت الحرب الروسية الشيشانية الأولى (1994 – 1996)، فتدفق المقاتلون العرب الأفغان بقيادة أشهر القادة السعوديين مثل خطاب وأبي الوليد، ووجد تنظيم القاعدة المناخ المناسب لممارسة نشاطه بتوجيهات من أسامة بن لادن، وانعكس الوجود السعودي في الحرب على إطلاق الأجهزة الأمنية الروسية وصف “وهابي” على كل متطرف إسلامي.
ولم يتوقف الخلاف بين البلدين عند الحرب الروسية الشيشانية، حيث وقعت في 16 مايو 2001، حادثة اختطاف لطائرة ركاب روسية في أثناء توجهها من إسطنبول إلى موسكو نفذها شيشانيون، قاموا بتغيير مسار الطائرة إلى المدينة المنورة، وهناك تدخلت القوات الخاصة السعودية بعملية لتحرير الطائرة، وقُتل على أثرها أحد الخاطفين وراكب تركي ومضيفة روسية، وتقدمت النيابة العامة الروسية بطلب رسمي إلى السلطات السعودية لتسليم الخاطفين، وهو ما رفض وتم الرد عليه بأنهم سيتم محاكمتهم وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية، ما ساهم في تأزم العلاقات السعودية الروسية.
صفقات السلاح
وفي العام 2009، ذكرت وكالة “نوفوستي”، أن صحيفة كوميرسانت الموسكوفية نقلت عن تقرير سنوي أعدته إدارة شركة ألماز أنتاي (Almaz-Antey) للمساهمين، تفيد بأن الشركة يمكن أن تواصل تقدمها بفضل التعامل مع أهم مستورد للأسلحة على الصعيد العالمي- المملكة العربية السعودية.
وجاء في هذا التقرير، إن الشركة (ألماز-أنتاي) وضعت خطة لإنشاء مركز صيانة لمنظومات الدفاع الجوي “إس-400″ و”أنتاي-2500” في بلد “الزبون 682” (أي المملكة العربية السعودية) وأحالتها إلى مؤسسة “روس أوبورون أكسبورت” (وكيل الدولة الروسية لتصدير الأسلحة إلى الخارج).
وقد يكون معنى ما جاء في التقرير بحسب رأي “كوميرسانت”، أن شركة “ألماز-أنتاي” وردت منظومات من طراز “إس-400” إلى السعودية أو تستعد لتوريدها في أقرب وقت، وهناك معلومات تفيد بأن وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، بحث مع الرئيس الروسي آنذاك فلاديمير بوتين في فبراير 2008 إمكانية تعاقد بلاده على شراء معدات عسكرية في روسيا بما فيها منظومات الدفاع الجوي “إس-400”. ولم تؤكد المصادر الرسمية هذه المعلومات.
وتبين الآن من التقرير الذي أعدته إدارة شركة “ألماز-أنتاي”، أنها تتباحث مع السعوديين بشأن بيع منظومات من طراز “أنتاي-2500” أيضا، علما بأن روسيا لم تورد منظومات “أنتاي-2500” إلى أي بلد خارج الساحة السوفيتية سابقا حتى الآن.
ولم يصدر تعليق على هذا الموضوع من قبل شركة “ألماز أنتاي”، كما رفض المتحدث الرسمي باسم “روس أوبورون أكسبورت”، التعليق بينما رجح مصدر قريب الصلة من قطاع الصناعات العسكرية في روسيا أن يكون قد بدأ العمل لإعداد عقد توريد منظومات “إس-400″ و”أنتاي 2500” إلى السعودية.
ومن جانبه، قال الخبير مكسيم بيادوشيكن لـ”كوميرسانت”، إن الأحاديث حول التعاون العسكري الفني بين موسكو والرياض تنطلق عندما يواجه السعوديون مشكلة ما مع حليفهم الولايات المتحدة الأمريكية، ويرى الخبير أن تنفيذ ما يعلن عنه من خطط سعودية لإبرام عقود عسكرية جديدة أمر صعب؛ لأن هذه الخطط مرتبطة بالتطورات السياسية.
وحيث إن سوق السلاح السعودي مصدره غربي إجمالاً وخصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا، فقد يكون هذا الخيار السعودي المستغرب مرتبطا بمحاولة منع هذه الأسلحة المتطورة عن إيران، فبحسب التقارير غير المعلنة السابقة، أن روسيا أبدت استعدادها لمنع بيع منظومة صواريخ إس-300 عن إيران وسوريا مقابل شرائها طائرات دون طيار إسرائيلية وتعزيز قدراتها التكنولوجية في هذا المجال من جهة، ومقابل تأمين زبون آخر لهذا النوع من الصواريخ التي تدر أرباحا طائلة على روسيا، وإن كان هذا الافتراض صحيحا يمكن الاستنتاج هنا أن الولايات المتحدة قد تكون سعت لتتميم هذه الصفقة.
“إس 300″ لـ”إيران” و”إس 400″ لـ”السعودية”
حاولت إيران منذ فترة طويلة الحصول على صواريخ “إس-300″ لتعزيز دفاعاتها الجوية وحماية بنيتها التحتية النووية، ووقّعت مع موسكو في الأصل عقدا قيمته 800 مليون دولار لشراء الـ”إس- 300” في كانون الأول 2007 بعد مفاوضات مشحونة وطويلة دامت 8 سنوات، وبعد قرار مجلس الأمن الرقم 1929 في حزيران 2010 – الذي حظّر نقل معظم الأسلحة إلى إيران من دون أن يشمل صواريخ “سام”، أعلنت روسيا بعد ذلك بثلاثة أشهر أنّها لن تنفّذ العقد، وأعادت إلى إيران دفعتها الأولى التي بلغت 166.8 مليون دولار.
وردا على هذه الخطوة، سعت طهران إلى طلب تعويضات عقابية بسبب إلغاء عملية البيع، ورفعت دعوى بقيمة 4 مليارات دولار ضدّ الشركة الروسية لتصدير الأسلحة “روسوبورون إكسبورت” التي تملكها الدولة، أمام “هيئة التحكيم والمصالحة”، التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا التي مقرها في جنيف.
ويفيد تقرير لـ”معهد واشنطن”، بأن المنظومات الأرضية الإيرانية تتكون بشكل أساسي من سلاح مدفعية مضاد للطائرات أكثر قدما وصواريخ “سام” متقادمة سبق (من طراز “إس آي 2” و “إس آي 4″ و”إتش كيو-7/ كروتال” و “رابير” و “آي-هوك”، فضلا عن أعدادٍ صغيرة من الصواريخ الروسية الحديثة من طراز “تور- إم 1/ إس أي- إس15″ و”بانتسير – إس 1/ إس آي – 22”. وربما تمتلك طهران كذلك 250 طائرة مقاتلة عملياتية (من طراز “إف-4″، و “إف-5″، و “إف-7” الصينية، و “ميغ 29”.
وأكد سيرغي تشيميزوف، رئيس مؤسسة روستيخ المعنية بتصنيع وتصدير التقنيات ذات الاستخدامين المدني والعسكري، أنّ موسكو تتحدث مع السعوديين في شأن صفقة محتملة تتعلق ب”إس – 400″، نظام الدفاعي الصاروخي الأكثر تطورا من “إس- 300”.
وقال “ثمة انتعاش في علاقاتنا مع هذه الدولة. آمل في أن تؤدي المحادثات إلى توقيع عقود”. وكشف عن أنه سبق لروسيا أن أجرت منذ 5 سنوات مفاوضات مع السعودية لتصدير منظومات للدفاع الجوي إذ تم التوقيع على عقد بقيمة 20 مليار دولار، لكن لم يتم تنفيذ الصفقة “لأسباب سياسية مختلفة”.
وبدأ تسليح الجيش الروسي بمنظومات “إس-400” وهي منظومات مضادة للجو بعيدة ومتوسطة المدى، عام 2007. إلا أن الحكومة الروسية لم تسمح إلا مؤخرا بتصدير هذه المنظومات القادرة على صد جميع وسائل الهجوم الجوي المعاصرة، وعام 2014 وافق بوتين من حيث المبدأ على بيع الصين منظومات “إس-400” شرط أن لا تتم عملية تسليم المنظومات قبل 2016، أي بعد إتمام عملية تجهيز القوات المسلحة الروسية بهذه المنظومات الحديثة، وحسب مصادر إعلامية، وقع الطرفان في خريف 2014 عقدا لتصدير 6 مجموعات “إس-400”.