عورات آل سعود المستورة ج6 “الرجل الثاني يحكم”
باسل نوفل
قتل الملك فيصل على يد ابن أخيه كما ذكرنا في الجزء السابق وازدادت الصورة الجميلة التي يحاول آل سعود تقديمها للعالم قتامة، وبدأت الصراعات تتزايد داخل الأسرة الحاكمة على الحكم وعلى المناصب الهامة داخل الدولة الوليدة.
كنا قد تحدثنا في الجزء الماضي كيف سيطر الجناج السديري على مفاصل الدولة، نظرًا لما يتمتع به السديريون من ميزة تميزهم عن باقي إخوتهم، وهو وجود سبعة أشقاء من أم واحدة وهو ما عرف تحت مصطلح الجناح السديري، بعكس باقي أبناء الملك عبد العزيز الـ 36 الذكور الذين لا يتجاوز عدد الأشقاء من أم واحدة سوى 3 فقط باستثناء الجناح السديري الذي يتشارك فيه 7 من الأشقاء نفس الأم، ليكون بذلك عدد الأشقاء وقوة قبيلة الأم هما العنصران المميزان لأي من أبناء عبد العزيز عن باقي إخوته.
ذكرنا أيضًا كيف تخلى محمد بن عبد العزيز عن ولاية العهد لشقيقه خالد، وكيف ساهم ذلك في إرضاء جميع الأطراف خاصة الجناح السديري نظرًا لأن خالد ضعيف الشخصية ولا يمتلك أية طموحات سياسية، وكنا قد تحدثنا أيضًا كيف حاول السديريون السيطرة على مفاصل الدولة، وكيف استغلت علاقة الصداقة بين والدة الملك فيصل “عفت” وبين “حصة” والدة السديريين السبعة في تبوئهم مناصب حساسة في الدولة، وكيف سعوا إلى إسقاط أخيهم “الملك” عبد الله من الحرس الوطني ولكن الملك فيصل فطن إلى نواياهم ورفض طلبهم، فقد منحهم الكثير من المناصب ولكنه لم يمنحهم الدولة، ولكن وبعد أن قتل فيصل أصبح خالد فجأة ملكًا، وبات من الضروري تصعيد ولي للعهد، وسعى الجناح السديري إلى دفع شقيقهم الأكبر فهد إلى هذا المنصب، لكن كان يحول بين فهد “أكبر السديريين السبعة” وبين الحكم عددًا من الأخوة الأكبر سنًا منه وهم:
1- ناصر بن عبد العزيز:
أقصي عن الحكم نظرًا لأنه كان من الرافضين لخلع سعود، فتم تهميشه، كان من أبرز مواقفه قراره كوزير للبترول في عهد سعود قطع البترول عن بريطانيا وفرنسا إثر العدوان الثلاثي، عين بعدها أميرًا لنجران، ثم أحيل للتقاعد، عرف عنه حياة السكر والعربدة في لندن.
2- سعد بن عبد العزيز:
بالرغم من أنه من أصول سديرية من ناحية الأم، إلا أن والدته “الجوهرة بنت سعد السديري” تختلف عن والدة السديريين السبعة “حصة”، له شقيقان آخران، وتم استبعاده من الحكم أيضًا بغير وجه حق، ولعل السبب الرئيسي في ذلك هو مساندته لحركة الأمراء الأحرار التي قادها طلال والتي تحدثنا عنها من قبل.
3- بندر بن عبد العزيز:
أبعد عن الحكم أيضًا رغم أنه يكبر فهدًا بثلاث سنوات، ولعل السبب الرئيسي في ذلك أن والدتهم لا يعود نسبها لقبيلة قوية تقوي من نفوذ أبنائها الثلاثة، فتم استبعاده من الحكم ولم يسترض بأي منصب على الإطلاق، واتجه للأعمال التجارية.
بهذا يكون الملك فهد قد اغتصب ولاية العهد والحكم من ثلاثة من إخوته، طبعًا هذا إذا ما استبعدنا محمد “أبو الشرين” الذي تخلى عن الحكم طواعية واختار أن يحافظ على التوازن بين أبناء عبد العزيز، ليعلم الجميع أن ما يزعمه آل سعود بالاستقرار والتوافق داخل العائلة هو أمر لا صحة له على الإطلاق، ولا يوجد قانون يحكم داخل العائلة إلا قانون القوة فقط.
خلال فترة حكم الملك خالد التي امتدت ما بين عامي 1975 و1982، كان خالد بمثابة الملك الصوري للبلاد نظرًا لسذاجته وعدم درايته بأمور السياسة، حتى إن طموح الحكم لم يكن يخطر بباله يومًا ما، وهو ما جعل الملك فهد “ولي العهد وقتها” إلى تولي شؤون المملكة، لذلك يمكننا أن نعتبر أن فهد تولى الحكم منذ اللحظة التي تولى فيها أخوه خالد الملك عام 1975م، وليس من فترة توليه الحكم عام 1982م.
حافظ فهد على نفوذ إخوته، فاستمر سلطان وزيرًا للدفاع والطيران، بينما استمر سلمان أميرًا للرياض والتي حكمها لمدة تزيد عن 60 عامًا، ومنح شقيقه نايف وزارة الداخلية التي تربع على عرشها لقرابة الـ 40 عامًا، ويحكمها الآن ابنه محمد بالوراثة، أحمد بن عبد العزيز نائبًا لوزير الداخلية. وعبد الرحمن بن عبد العزيز نائبًا لوزير الدفاع منذ عام 1983 – 2011 عندما تم إقالته على يد الملك عبد الله وهو ما سنشرحه لاحقًا.
كانت تلك أبرز المناصب التي انتزعها فهد لأشقائه دونًا عن باقي إخوته، ولكنه لم يكتف بذلك، فقد قام بتوزيع باقي المناصب على أبنائه، فمنح ابنه فيصل رعاية الشباب والرياضة، وعين ابنه سعود نائبًا لرئيس الاستخبارات العامة، وابنه محمد مساعد وكيل لوزارة الداخلية وأميرًا للشرقية، فيما منح أبناء أشقائه السديريين مناصب حساسة في الدولة، كان من أبرزها تعيين بندر بن سلطان سفيرًا للسعودية في الولايات المتحدة مع منحه صلاحيات واسعة وذلك لمنع سعود ابن الملك فيصل الرجل القوي الداهية ووزير خارجية المملكة منذ عام 1975 وحتى 2015 عن إنشاء علاقات خاصة بالولايات المتحدة دون علمه، فقد كان سعود يمتلك مقومات وطموحات قوية للوصول إلى السلطة، وكانت هذه الطموحات وقدرة وذكاء سعود الفيصل سببًا في محاولات فهد المستمرة في إضعاف نفوذ سعود الفيصل، فقام في عام 1982م بدمج لجنة الإعلام الخارجي التابعة لوزارة الخارجية التي يرأسها سعود داخل المجلس الأعلى للإعلام، ليقلص نفوذه ويصبح صوته صوتًا واحدًا وسط العديد من الأصوات الأخرى بدلًا من أن كانت لجنة الإعلام تحت سيطرته المطلقة.
شهدت فترة حكم الملك خالد وفهد الكثير من الأحداث الداخلية، فبخلاف سيطرة السديريين على الحكم بصورة أوسع، أحدث حادث احتلال الحرم المكي عام 1979م حالة من الارتباك في الداخل السعودي خوفًا من تلاعب عناصر أخرى بالدين كما فعل آل سعود لنيل تأييد الكثير من المغيبين، ففي نوفمبر عام 1979 ادعى أحد عناصر الحرس الوطني سابقًا “جهيمان العتيبي” أن صهره محمد بن عبد الله هو المهدي المنتظر، احتل الحرم مع مجموعة يقدر عددها بالعشرات ومسلحة بأسلحة خفيفة ساحة الحرم، احتجز عدد كبير من الحجاج رهائن لديه، كما هاجم آل سعود واتهمهم بالفساد واتباع الغرب وهاجم فواز بن عبد العزيز آل سعود أمير مكة بسبب ما اشتهر عنه من شرب للخمور، واستمر احتلال الحرم من قبل جهيمان وحصاره من قبل قوات الأمن لأكثر من أسبوعين حتى انتهى الأمر بمجزرة راح ضحيتها 28 قتيلًا من عناصر جهيمان و12 جريحًا من قوات الأمن والرهائن، فيما تم إعدام الباقين، وألقيت التهمة على إيران كالعادة!
لم تتوقف الأزمات عند هذا الحد، فقد كانت فضائح الأسرة الحاكمة كثيرة ولكنها داخل الغرف المغلقة، ولكن الفضائح ازدادت يومًا بعد يوم وباتت السيطرة عليها أمرًا مستحيلًا، وكان أبرز هذه الفضائح ما عرف بقتل الأميرة مشاعل بنت فهد بن محمد آل سعود بعد ارتباطها بعلاقة عاطفية مع أحد السعوديين العامة عام 1978، رفضت الأسرة زواجهما فحاولت الهرب معه ولكن تم كشف أمرها وإلقاء القبض عليها في المطار وتمت محاكمتها صوريًا بإطلاق النار على رأسها، فيما قطعت رأس الشاب، وبغض النظر عن زعم اعترافها في قاعة المحكمة بواقعة الزنا لتبرير قتلها خاصة وأن الشرع يأمر بوجود أربع شهود.
وكذلك تشكيك البعض في هذه الرواية، إلا أن إعدام الأميرة عكس حجم التناقض في المعاملة بين النساء والذكور من آل سعود، فبالرغم من ارتباط العشرات من أبناء آل سعود بفضائح جنسية لا حصر لها تصل إلى حد الشذوذ الجنسي، إلا أن القتل كان ينتظر فقط مشاعل دونًا عن باقي أفراد العائلة، وما زاد من اشتعال الفضيحة هو قيام شركة بريطانية بإنتاج فيلم باسم “موت أميرة” عام 1980م يجسد الواقعة وكان من بين الممثلين سوسن بدر وسمير صبري وغيرهم من الفنانين المصريين، مما تسبب في أزمة كبيرة خوفًا من انتشار الفيلم في الداخل السعودي بين العامة، منع الفيلم ومنع الممثلون لفترة طويلة من زيارة السعودية ودول عربية أخرى.
وفي عام 1982 توفي الملك خالد، فلم يتغير الأمر كثيرًا على مستوى الحكم فقد تولى الحاكم الفعلي “ولي العهد” فهد بن عبد العزيز الملك تلقائيًا ولكن الأزمة كانت في اختيار ولي العهد، وكان من المفترض أن يعين أخاه مساعد بن عبد العزيز وليًا للعهد ولكن لم يحدث ذلك بالطبع لعدة أسباب فإضافة إلى اتهامه بالجنون من قبل إخوته، فإنه كان فاقدًا للبصر وكان داعمًا للملك سعود ورافضًا لعزله، كما أن أبناءه قد تورطوا في أعمال مشبوهة، فقام أحدهم “خالد” بمحاولة احتلال مبنى التلفزيون وقتل على إثر الحادث، وشقيقه الآخر “فيصل” قام باغتيال الملك فيصل وتم إعدامه بقطع الرأس، فتم تجاوزه في اختيار ولي العهد ليكون عبد الله بن عبد العزيز الابن الثاني عشر هو التالي في ترتيب الحكام.
كان عبد الله شوكة في حلق الجناح السديري، حيث أنه أثبت قوته ونجا من من محاولات إخوته الإطاحة به من قيادة الحرس الوطني القوى الموازية للجيش في السعودية كما ذكرنا من قبل، كما أن والدته “الفهدة بن العاصي بن شريم” من قبيلة شمر المعادية لآل سعود، حيث كانت متزوجة من سعود بن عبد العزيز آل رشيد القبيلة التي حاربت آل سعود لسنوات طويلة، ولكن عقب وفاة زوجها تزوجها الملك عبد العزيز بموافقة والدها الذي لم يجد سبيلا سوى التحالف مع عبد العزيز الذي سيطر على القبائل بشكل كبير، وهو ما جعل التنافس واضحا وقويا بين السديريين وعبد الله، ولعل أخوهم محمد بن عبد العزيز “أبو الشرين” قد لعب دورًا كبيرًا في حفظ التوازن داخل البيت السعودي، وضغط بقوة من أجل تعيين عبد الله وليا للعهد خوفا من أن تنقسم البلاد في صراع بين الحرس الوطني والجيش السعودي وكذلك من تفكك الأمراء حسب تفاوت مصالحهم بين فهد وعبد الله فتم تعيينه وليا للعهد قبولا بالأمر الواقع.
وخلال فترة حكم الملك فهد سواء كولي للعهد أو ملك، شهدت المملكة الكثير من الأحداث الفارقة، مثل الحرب اللإيرانية العراقية، وغزو صدام للكويت ومساندة السعودية لآل صباح ردا لجميل آل صباح لعبد العزيز آل سعود المؤسس “يمكنك قراءة الجزء الثاني من المقال”، وكذلك قبولهم بدخول قوات أمريكية لمنطقة الخليج وإنشاء قواعد عسكرية في جميع دول الخليج منحت الولايات المتحدة القدرة على التدخل السريع في حالة تعرض أمن إسرائيل للخطر، كما دعمت المملكة سرا احتلال العراق عام 2003 م.
لكن من بين هذه الأحداث أعتقد أن هناك 4 أحداث أخرى هي الأسوأ في تاريخ المملكة إذا ما استثنينا احتلال العراق وما تبع حرب الخليج من أحداث نظرا لأن فهد أصيب بالزهايمر وكان عبد الله هو الحاكم الفعلي للبلاد خلال هذه الفترة، والأحداث الأربعة هي:
1- توسعة الحرم المكي:
فبالرغم من أنه مشروع رائع ويضيف الكثير للمسلمين عامة، إلا أن التوسعة الضخمة التي قام بها فهد ومن بعده عبد الله وتستمر إلى يومنا هذا طمست الكثير من المعالم الأثرية كمنازل الصحابة ومقابرهم وغيرها وحولت المدينة الدينية التاريخية إلى مدينة حديثة أشبه ما تكون بـ لاس فيجاس، ولم تراعِ التوسعة الحفاظ على المعالم الأثرية في المدينة المقدسة، وبالرغم من أن الكثير من الصحابة وخلفاء المسلمين وحتى الملك عبد العزيز وابنه سعود قد قاموا بعمليات توسعة للحرم المكي، إلا أن الملك فهد أطلق على نفسه لقب خادم الحرمين الشريفين وأصبح اللقب متوارثا من بعده في ملوك آل سعود، ليستمر تستر آل سعود وراء شعار الدين ويصدقه الكثيرون للأسف الشديد.
2- انتفاضة محرم عام :
1979 التي بدأت بمسيرات للشيعة في المنطقة الشرقية لإحياء ذكرى عاشوراء وتم التعامل معها بكل عنف لتتحول إلى تظاهرات ضخمة قتل على إثرها العشرات بعد أن أطلقت أجهزة الأمن الرصاص الحي على المتظاهرين مباشرة بالرغم من أن الشعارات المرفوعة كانت على غرار “لا سنية ولا شيعية .. وحدة وحدة إسلامية” لكن هذه الشعارات لم ترض بالطبع التيار السلفي المتشدد، ويمكننا الجزم أن الشيعة يتعرضون للتهميش بصورة واسعة وأن هناك تعدٍ على حقوقهم من حيث المساواة بالسنة في الوظائف والمراكز الحساسة وحرية ممارسة شعائرهم الدينية وخلافه.
3- إشعال الصراع المذهبي في المنطقة:
بين السنة والشيعة وهو ما انعكس بالسلب على دول المنطقة وما زلنا نعيش توابعه حتى يومنا هذا في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين… إلخ، وإحقاقا للحق فإن المسؤولية يتحملها الطرفان السعودي والإيراني بسبب تعصب النظامين الأحمقين وتلاعبهما بالدين.
4- عندما درست في المملكة العربية السعودية:
كان المعلمون بتعليمات من وزارة المعارف السعودية يعدون أجيالا وأجيالا من التنظيمات الإرهابية من القاعدة وداعش، لقد كانت أغاني الجهاد تنشد في طابور الصباح بدلا من النشيد الوطني نظرا لأن الموسيقى حرام، وعندما يتغيب أحد المعلمين يتم الترفيه عن الطلبة بمشاهدة فيديوهات للقاعدة والتنظيمات الإرهابية في أفغانستان والشيشان وغيرها، أما الجوائز والهدايا التي تمنح للطلبة المتفوقين فقد كانت عبارة عن شرائط كاسيت تحرض على قتل الكفار، إضافة إلى جمع التبرعات من الطلبة للحرب في أفغانستان والشيشان.
وبالطبع كانت خطوط الطيران مفتوحة للشباب السعودي والعربي للذهاب إلى باكستان ومنها إلى أفغانستان لقتال أعداء الله السوفييت، كان الهدف من كل ذلك إنهاك الاتحاد السوفيتي الذي كان عدوا للولايات المتحدة، لقد تلاعب آل سعود بالدين لخدمة أسيادهم حتى انقلب السحر على الساحر، وانقلب بن لادن والقاعدة على آل سعود والولايات المتحدة، ولكن القصة لم تنته إلى يومنا هذا في سوريا والعراق واليمن وغيرها، وما زالت التفجيرات تحدث في كل بقاع العالم، ومن التنظيمات المتطرفة نشأت تنظيمات أكثر تطرفا مثل داعش وغيرها، وما زال الأبرياء ينزفون ثمن اللعبة القذرة التي خدع بها آل سعود البسطاء لإرضاء سادتهم في أمريكا.
كان كل ما ذكرنا في هذا المقال عرضا وجيزا لعورات آل سعود في عهد الملك فهد.. ظل فهد والجناح السديري يحكمان المملكة طوال فترة حكم خالد وحكم فهد حتى بدأ المرض والزهايمر يسيطران عليه، ليتحول إلى ملك صوري ويصبح عبد الله ملكا متوجا يسابق الزمن لانتزاع الملك من الجناح السديري وهو ما سنحكيه في الجزء القادم من سلسلة عورات آل سعود المستورة … فتابعونا.