عورات آل سعود المستورة .. الجزء الأول

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2398
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

بقلم:باسل نوفل
أتذكر جيدًا حينما كنت طالبًا صغيرًا في إحدى المدارس السعودية. لم أكن أملك – بحكم سني الصغيرة – القدرات التي أمتلكها اليوم من القدرة على التحليل والتمييز، ولكنني ما زلت أتذكر عندما كنت في الصف السادس الابتدائي كتابَ التاريخ الذي يدرس للطلبة تاريخ المملكة العربية السعودية الحديث منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى والثانية مرورًا بتأسيس الدولة الثالثة على يد الملك عبد العزيز آل سعود إلى يومنا هذا، لقد كان كتابًا مشوهًا إلى أبعد حد أقل ما يوصف به أنه كتاب مزور يحكي أساطيرَ خيالية وأحداثًا حقيقية تم تشويهها بصورة كبيرة حتى باتت أقرب ما يكون للأساطير، ناهيك عن عشرات المعلومات الهامة التي حذفت عمدًا لتغيير الحقيقة وتزويرها.
من بين المواقف التي لن أنساها صور ملوك السعودية التي أُفردت لكل واحد منهم صفحة بأكملها، كانت البداية مع الملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية الثالثة وهو أب لكل الملوك الذين تبعوه إلى يومنا هذا، حاول الكتاب تصويره بصورة أسطورية مطلقة ومحاولة تعديل صوره بشتى السبل الممكنة، مع تذييلها بلقب “صقر الجزيرة” لكن كل محاولات التجميل تلك لم تنجح في إنكار أن صقر الجزيرة في الحقيقة أعور العين! نعم لقد كان الملك عبد العزيز أعور العين، وبالرغم من أن العائلة المالكة تزعم أن العين قد فقدت بسبب مرض الرمد إلا أن هناك الكثير من الأقاويل تحكي أن العين فقدت من خلال إحدى المعارك وقيل أيضًا أنها فقدت بفعل امرأة شمرية “من قبيلة شمر” سبيت فقامت بفقء عينه انتقامًا لما فعله عبد العزيز برجال قبيلتها أثناء إحدى الغزوات وأنه شعر بالعار ولم يفعل شيئًا تجاهها.
تاريخ مشوه وقصص مليئة بالمبالغة والكذب تسمعها كل يوم في وسائل الإعلام المختلفة، على سبيل المثال قصة سمعتها في الإذاعة السعودية تتحدث أن الملك عبد العزيز رفض تناول الخمر قبل إجراء أحد الجراحين الأجانب عملية له، ولم يشعر بالألم لأنه ببساطة كان أقوى من الألم؟!
بالتأكيد لم تكن هذه القصص الأسطورية هي الأهم، فهناك الكثير منها مثل محاولات تصوير غزواته بالمعارك الأسطورية مع أنها لم تكن سوى أعمال سبي وقتل بين القبائل وبعضها البعض، فيكفيك مثلًا أن تعلم أن فصلًا كاملًا في كتاب التاريخ مسطر تحت عنوان “فتح الدرعية” والدرعية لمن لا يعلم هي المدينة القديمة التي يتوسطها قصر المصمك، وبالطبع فالقصر لم يكن سوى قصر من الطين والمدينة هي مدينة من البيوت الطينية في قلب الصحراء، أما الدرعية فهي المدينة القديمة التي تقع بجوارها على بعد بضعة كيلومترات الآن من العاصمة الرياض، أما المعركة الأسطورية التي أطلق عليها فتح الدرعية فلم تكن سوى غزوة لبضع رجال لا يتجاوز عددهم 40 شخصًا ومعهم الملك عبد العزيز الذين أغاروا ليلًا على آل رشيد للاستيلاء على مركز الحكم وقتها.
القصة الثانية التي ما زلت أتذكرها هي تولي الملك سعود ابن الملك عبد العزيز قيادة الدولة بعد وفاة والده، الغريب أن الكتاب لم يحكِ أي تفاصيل عن سعود، بل اكتفى بصورة له كباقي ملوك المملكة، وبالرغم من أنه حكم السعودية في إحدى أهم مراحلها التاريخية ما بين عامي 1953 – 1964 بعد وفاة الأب المؤسس إلا أنه لم يتم سرد اسم الملك إلا بصورة مقتضبة انتهت بذكر تنحيه عن الحكم لشقيقه الملك فيصل؟! أتذكر جيدًا عندما استفسرت من مدرسي عن سبب تنحيه عن الحكم، مما أصابه بالتوتر وأجابني باقتضاب مصحوب بالارتباك: كان ذلك بسبب تراجع سعر الريال أمام الدولار؟!
حقيقة لم أجد التفسير منطقيًا وقتها، ولا حتى بعدها. لكنني عرفت فيما بعد الكثير؛ فمن خلال متابعتي للصحف الأجنبية، وقراءاتي على مواقع الإنترنت المختلفة، وكذلك لعدد من الأوراق البحثية من أهمها البحث الذي نشره الباحث السعودي محمد فهد القحطاني والذي درس الاقتصاد في الولايات المتحدة وعمل مذيعًا تلفزيونيًا وكذلك حقوقيًا اعترض على العديد من الممارسات والانتهاكات التي يقوم بها النظام السعودي لتختاره مجلة فورين بوليسي من بين أكثر 100 مفكر على مستوى العالم، ومن الطبيعي أن تنتهي قصة معارضته لآل سعود بتقديمه للقضاء والحكم عليه بالسجن لعشر سنوات ومنعه من السفر أخرى مثلها.
استند القحطاني في بحثه على العديد من الكتب والمراجع أهمها كتاب “المملكة” للكاتب لروين لوسي المقرب من العائلة الحاكمة، والذي حاولت المملكة التأثير عليه بشتى السبل وشراء كتابه أو حذف وإضافة بعض العبارات منه لكنه رفض كل هذه الإغراءات ، كما أنه واجه صعوبة كبيرة في الوصول لبعض المعلومات في ظل حالة التعتيم الشديدة التي تقوم بها السعودية للتغطية على عوراتها وفضائحها؟
بذلت المملكة على مدار سنوات طويلة مليارات الدولارات لتلميع وتحسين صورتها أمام مواطنيها والعالم على حد سواء، استخدمت أساليب القمع ضد معارضيها، والترغيب والترهيب في التعامل مع الخارج، وذلك لمنع تسريب هذه الفضائح للرأي العام، وبالرغم من نجاحها في حماية سمعتها بصورة كبيرة أمام العموم، إلا أن هذا لم يمنع تسرب بعض الفضائح من وقت لآخر للرأي العام، ولا يمثل كل ما تم تسريبه سوى رأس الجبل الجليدي الذي يقع معظمه تحت الماء!
في هذه السلسلة من المقالات سأحاول بقدر المستطاع أن ألخص وأجمع أبرز هذه العورات وعمليات التزوير التاريخية، وبالرغم من أنني كشخص أرفض فكرة اللعب على صحافة الفضائح، إلا أنني أجد أنه في حالة آل سعود يبدو الأمر أخلاقيًا إلى حد بعيد لسببين:
– الأول: هو أن آل سعود يحيطون أنفسهم بقدسية دينية تبيح لهم فعل الكثير من الجرائم والمنكرات بحق الإنسانية، سواء على المستوى الحقوقي أو السياسي أو الإنساني، مما جعل كسر هذه القدسية أمرًا أخلاقيًا إلى أبعد حد ممكن من وجهة نظري.
– الثاني: هو أن دول العالم تعلم أكثر منا بحجم جرائم هذا النظام وتغض الطرف عنها خوفًا من رد فعل السعودية والذي غالبًا ما يكون من خلال عقوبات اقتصادية أو فسخ تعاقدات مع هذه الدولة، وغالبًا ما يأتي مصحوبًا بموقف مماثل من دول خليجية أخرى من باب ما يسمى بدعم المصالح المشتركة بين دول التعاون الخليجي، مثلما حدث مع السويد مؤخرًا عندما ألغت السعودية صفقات عديدة معها وتطور الأمر لسحب السفراء وبالطبع كان موقف الدول الخليجية في صالح السعودية، ربما خوفًا من نشر فضائحهم أيضًا.
– الخلاصة هي أننا نجد أنفسنا في النهاية أمام حالة من التعتيم لا يحظى بها أي نظام في العالم، فإذا ما نظرنا للولايات المتحدة أو إسرائيل أو أقوى دول العالم، نجد الكثير من فضائح ساستها متداولة عبر وسائل الإعلام، ولكن أموال النفط نجحت في خلق حالة مختلفة تمامًا مع المملكة، فيما يقبع المعارضون السعوديون في السجون ولا يعلم أحد بمصيرهم إلى يوم الدين للأسف الشديد.
دعونا لا نكثر من الحديث، كي أبدأ في تقديم مختصر سريع لأهم القضايا التي أخفاها آل سعود منذ التأسيس وحتى اليوم، فقط من باب كسر حظر النشر الذي فرضته على الجميع:
قبل أن نبدأ حديثنا يجب علينا أولًا أن نذكر أن المملكة العربية السعودية التي نشاهدها الآن هي الدولة السعودية الثالثة، والتي تأتي بعد دولتين تم تدميرهما فيما مضى، لن أطيل في الحديث عن الدولتين الأولى والثانية ولكنني سأمر على بعض النقاط بهما سريعًا نظرًا لأن المملكة العربية السعودية في الوقت الحالي ما هي إلا امتداد للدولتين السابقتين اللتين تم تدميرهما.
ويكفينا أن نعلم أنه في الدولة السعودية الأولى التي تأسست عام 1744م بعد وفاة سعود بن محمد تم التنازع على الحكم بين إخوته وأبناء عمومته وانتهى الصراع بقتل مقرن بن محمد على يد أبناء أخيه ونصّبوا زيدًا بن فرحان مكانه، ولكنه كان ضعيف الرأي والشخصية وانتهى الأمر بقتله هو الآخر، اتسمت هذه الفترة بعمليات التصفية داخل الأسرة الحاكمة، والنزاع على السلطة وكان ذلك سببًا رئيسًا في تدميرها، وبالطبع قامت السعودية بإخفاء جميع عمليات التصفية التي حدثت داخل العائلة المالكة.
كانت الدولة السعودية منذ نشأتها صداعًا في رأس الدولة العثمانية، استغلت الدولة الوليدة الحركة الوهابية، واستخدمت دعوة محمد بن عبد الوهاب في فرض سيطرتها على القبائل العربية التي تسكن الجزيرة العربية باللين والسيف، وإن غلب السيف على اللين في أغلب الأحيان، رأت بعض القبائل في الوهابية تشددًا غير مسبوق، واستنكرت قبائل أخرى الضرائب التي فرضت عليهم لصالح آل سعود، لكن آل سعود نجح في توحيد الكثير من القبائل تحت لوائه والبطش بكل معارضيه.
لم يكن الأمر صراعًا داخليًا فلم تعرف هذه المنطقة مفهوم الدولة على مر التاريخ، فلم تكن سوى مجموعة من القبائل تدير كل قبيلة نفسها بعيدًا عن القبيلة الأخرى، فكان ما يفعله آل سعود غزوًا وتعديًا على القبائل الأخرى في حقيقة الأمر، لكن قوة آل سعود كانت في تنامٍ مستمر مقارنة بالقبائل الأخرى، وكثيرًا ما سبى آل سعود نساء وزوجات القبائل الأخرى واتخذوهن جاريات لديهم، مما دفع بعض القبائل باللجوء إلى والي البصرة والشكوى للوالي العثماني، وبدأ الأمر في التطور إلى مناوشات ومعارك بين العراق التابعة للخلافة العثمانية والدولة السعودية، فشلت معظم حملات العراق على الدولة السعودية، بل إن الأمر وصل إلى أن بدأت قوات آل سعود في غزو أراضي العراق، وكذلك نجحت في كسر شوكة العثمانيين، بل إن الأمر قد تطور ليستولي آل سعود على مكة والمدينة التي كانت خاضعة لحكم الأشراف التابعين للخلافة العثمانية.
كان استيلاء آل سعود ممثلة التيار الوهابي على الحجاز بمثابة جرس إنذار تحول بعدها الصراع بين الدوليتن إلى صراع بقاء لما تمثله الحجاز من قدسية يستطيع حاكمها الفوز بمكانة ضخمة في العالم الإسلامي، فما كان من الخليفة العثماني سليم الثالث إلا أن أوعز إلى محمد علي للقضاء على هذه الدولة، فأرسل عدة حملات أبرزها حملة ابنه طوسون ومن بعده إبراهيم باشا إلى الدرعية ما بين عامي 1811 – 1818 والتي قوبلت بمقاومة عنيفة من قبل آل سعود وحلفائهم.
بعد معارك شرسة نجح إبراهيم باشا في دخول الدرعية، قام بتدمير قلاعها وقطع نخيلها منكلًا بآل سعود ومن تحالف معهم، أعدم المئات منهم ومن القبائل الأخرى في الدرعية وأرسل عبد الله بن سعود ملك السعودية إلى إسطنبول، تم التنكيل به وطاف الأتراك به الشوارع 3 أيام متتالية، قطع بعدها رأسه ووضع في فوهة مدفع ثم تم قذفه وعلق جسده في ساحة آيا صوفيا وذلك وفق ما ذكره الكولونيل روتير في كتابه “رحلة من تفليس إلى إسطنبول”.
لم يكن الحديث عن تاريخ الدولة السعودية الأولى من باب التسلية أو الشماتة، ولكن سقوط الدولة السعودية الأولى جعل حكام السعودية الحاليين يتعلمون الكثير من الدروس المستفادة، والتي من الممكن أن نلخصها في التالي:
1- قامت الدولة السعودية منذ اللحظة الأولى على أساس ديني متمثل في الحركة الوهابية وكانت تحاول باستمرار بسط سيطرتها على الأماكن المقدسة في الحجاز من أجل تقديم نفسها على أنها حامية المقدسات والكيان الديني الحامي للمسلمين كافة، لذلك فإن التفريط في السيادة على الأماكن المقدسة يعني زوال حكمهم مرة أخرى.
2- التاريخ الذي تقدمه السعودية إلى أبنائها في المدارس تاريخ مشوه بعيد كل البعد عن الواقع، فقد تعمدت وزارة المعارف في السعودية حجب الكثير من المعلومات عن الطلبة مثل الاقتتال الداخلي، وكذلك تحالفات آل سعود مع دول غربية مثل بريطانيا ضد الدولة العثمانية، نظرًا لأنها تعلم الأطفال في المدارس أن موالاة غير المسلم ضد المسلم كفر، فكيف ستفسر ذلك إلى طلبتها الذين ملأت رؤوسهم بالفكر الوهابي المتشدد؟!
3- من بين المعلومات التي حجبتها السعودية في مناهجها الدراسية أنها قامت بالاستيلاء على أراضٍ عديدة كانت تخضع لقبائل أخرى، وصورت الأمر على أن القبائل انضمت لآل سعود من أجل نشر الدعوة الوهابية.
4- الدولة السعودية كانت منذ اللحظة الأولى دولة استعمارية توسعية، بغت على القبائل الأخرى واحتلت أراضيَ لم تخضع يومًا لآل سعود، ويكفينا أن نذكر أن الدولة السعودية الأولى كانت أكبر من الدولة الحالية، فقد استولى آل سعود فيها على العديد من الأراضي التي تخضع لحكم قبائل أخرى، منها أراضٍ تخضع لقبائل تحكم الآن دولًا أخرى مثل الإمارات وقطر والبحرين وعمان واليمن والأردن وسيطرت عليها بقوة السيف.
ومن يظن أن العلاقات الخليجية تقوم على مبدأ الوحدة الخليجية والتكافؤ فهو واهم، فما زال آل سعود يتحكمون في قرارات وسياسات الدول الخليجية الأخرى بالقوة وإن تغيرت لغة السيف إلى لغة الضغوط السياسية وبأساليب تلائم العصر الحالي، ولعل أقرب مثال ما مارسه الملك الراحل عبد الله ضد قطر لإجبارها على التهدئة مع النظام المصري، والذي ردت الأخيرة عليه بتوقيع اتفاق عسكري للدفاع المشترك مع تركيا.
5- علّم التاريخ آل سعود أن الخطر الحقيقي عليهم لن يأتي من الدول الغربية طالما استمرت في حماية مصالحهم في المنطقة، ولكن الخطر الأكبر يأتي من الدول العربية والإسلامية الكبرى التي تحيط بها مثل مصر والعراق وتركيا والشام وإيران، فقد لعبت تركيا ومصر والعراق دورًا هامًا في إسقاط الدولة السعودية الأولى، لذلك تحاول السعودية جاهدة السيطرة على هذه الدول بشتى السبل الممكنة، وتتخوف من أن تفوقها تلك الدول قوة، وهو ما سيبرز في الأجزاء القادمة من مقال “عورات آل سعود المستورة”.