رهانات السعودية الخاسرة في شرق الفرات السوري
أيهم الطه
لا شك أن من حق كل دولة البحث عن توسعة نفوذها ومد تأثيرها إلى ابعد مدى ممكن اقليميا ودوليا , بما يضمن لها مصالحها و يزيد في قوتها ,و يحفظ أمنها الحيوي والأستراتيجي , لكن المُخَطِط الحكيم هو الذي يبحث عن حوامل حقيقية ومستدامة لهذا النفوذ حتى لايكون أني وينعكس سلبا فتأتي النتائج مغايرة لما هو مطلوب .
إن غياب الرؤية الإستراتيجية الحكيمة و الإنشغال بالالعاب صبيانية المتهورة البعيدة عن التفكير السليم و المنطقي , و التي تجلب الخراب والفوضى أكثر مما تأتي بالأرباح والاستقرار , ولذا فالمغامرات غير المحسوبة القائمة على الهوى والضلال الإستراتيجي و الجهل التاريخي والسياسي و الجغرافي , لن تأتي سوى بالمشاكل والخسائر و تراكم المزيد من الظلمات ولنا في حرب اليمن مثل قريب و واضح , و تجربة لاتزال ماثلة أمامنا بقضها وقضيضها , فلماذا الإصرار على إعادة إنتاج التجارب الفاشلة ولماذا الإصغاء الى التضليل الأمريكي والإسرائيلي ؟!
أمريكا و اسرائيل تبتز حلفائها وتستهلكم ’’قوة , و قدرات , و موارد وحتى (سمعة ) و إرث , و تاريخ ’’ حتى إذا بدأ الإنهيار تركوهم يغرقون وحدهم وابتعدوا عنهم , و ما شاه ايران وما حدث معه منا ببعيد إذ لم يحميه حلفه الأمريكي و لا الحرس والحماية الاسرائيلية المباشرة.
فلماذا تصر قيادة المملكة العربية السعودية على اتباع طرق مسدودة معروف النهايات ؟!
لا نريد هنا أن نصحح أخطاء أحد أو نقيل عثرات الأخرين لكن التدخل السلبي الخليجي منذ بداية الأزمات السورية لم ينتج سوى المزيد من المأسي و الكوارث و ما اتمناه الا نكون امام تصنيع المزيد منها .
لا يستطيع عاقل التشكيك في الترابط الذي يجمع المملكة العربية السعودية بسورية ,و لا نستطيع هنا سوى الترحم على ايام محور ال س-س وما ضمنه من مصالح حيوية للدولتين ,حيث مثل أحد المحاور الفاعلة و الناجحة في المنطقة ,كما أنه شكل طوق نجاة للمنطقة و حاجز حماية صانها لعدة سنوات .
المملكة وخلال السنوات القليلة الماضية اختارت التدخل في سورية عبر مجموعة من الوكلاء المحليين الفاشلين الذين اثبتت السنوات الماضية انعدام واقعيتهم و قلة خبراتهم وتجاربهم وتأثير انتماءاتهم الأيديولوجية ومصالحهم الشخصية على تصرفاتهم ويبدوا أنها هذه الفترة تحاول تصنيع مجموعة جديدة من الوكلاء .
وحتى لا نتشعب كثيرا فما يعنينا هنا هم الوكلاء الجدد في شرق الفرات وحيث اعتمدت المملكة في السابق على مجموعة من شخصيات المنطقة بخلفيات دينية وسياسية معينة الا انها ومنذ عام 2017 تحاول ان تضع موطئ قدم عبر وكلاء جدد عبر توطيد علاقاتها مع قسد بشقيها العربي والكردي مدفوعة بعدائها لتركيا من جهة و مجبرة على مساعدة حليفها الأمريكي من جهة أخرى و راغبة بالعثور على يعزز نفوذها أمام المد الأيراني الذي طوقها من جميع الجهات و هو مالم يكن في حساب المملكة عندما كانت تقف في صف داعمي الحرب على سورية و عندما دعمت ومولت وسلحت الفصائل الجهادية فيها .
ولاشك أن خسارة سورية خاصة وبلاد الشام عامة تعتبر موجعة للملكة التي لم تضع في حساباتها أن دمشق ستخرج من النيران التي أحاطت بها ولكن لابد أن تراجع المملكة حساباتها جيدا وتعيد النظر في الخارطة اليوم وفي ميزان القوى الموجودة على الأرض لتبني سياسة أكثر اتساقا مع عروبتها و انتمائها التاريخي و أكثر وعيا , و نضجا , و حكمة واتزان و تجد الطريق الأسلم للوصول إلى دمشق بعيدا عن المناكفات و العنتريات و الأوهام التي سادت خلال السنوات الماضية .
تبحث السعودية عن موطئ قدم في سوريا لمنافسة الوجود الايراني وهذا أمر يبدو شبه مستحيل في الوقت الحالي مهما انفقت المملكة من أموال أو أرسلت من وفود أمنية وعسكرية الى المنطقة أقله ليس عبر الطرق و القنوات التي تسلكها المملكة اليوم والتي تصلها مع تل ابيب أكثر ما تصلها مع العالم العربي وسورية , ليس لأنها (المملكة ) لا تمتلك القدرة الفنية والإمكانات اللوجستية و العناصر البشرية القادرة الكفوءة لذلك فحسب بل ان الحساب المنطقي يكشف أن السعودية قادرة فقط على ضخ المال- كما قال الرئيس الأمريكي – وهذه وحده غير كافي في معركة كبيرة ومتشعبة وتحتاج الى تخطيط واستراتيجية و خبرة تفوق خبرة إدارة جعلت من إعدام أحد مواطنيها فضيحة عالمية.
فالمعركة في سورية هي معركة معلومات و خبرات وتقنيات وجيوش بأحدث المهارات والتسليح , لكنها في المقام الأول معركة هوية و وعي وإنتماء إلى ثوابت المنطقة و تاريخها وسياقها الحضاري و البشري.
السعودية فشلت في قراءة المعطيات الموجودة على الأرض حين اختارت شرق الفرات مدفوعة بالتضليل الامريكي -الاسرائيلي فمن الواضح أن الجميع في المنطقة يتجه نحو المحور الروسي -السوري -الايراني -العراقي وهذا بدا جليا في اجتماع شيوخ عشائر الجزيرة في ايران وميلهم نحو دمشق , كما بدا ان قسد تسير بهذا الإتجاه وإن كان بخطى متثاقلة.
فلا قوات قسد التي تدعمها الولايات المتحدة و السعودية قادرة على الصمود لفترة طويلة مع كل المشاكل التي تواجهها على الأرض ولا قوات الحلفاء الغربيين قادرة على حماية المصالح السعودية في سورية و هي ستبقى مكشوفة إن تمكنت من البقاء اصلا , وهذا ما اثبته تعرض حقل العمر النفطي -الذي يضم جنود وخبراء امريكيين وسعوديين – لقصف بصواريخ الكاتيوشا قبل ايا .
كما ان تشكيل قوات عربية ذات قوة حقيقية في شرق الفرات هو شبه مستحيل أقله في الوقت الحالي لان القيادة الكردية ترفض ذلك من جهة ولان التحالف الغربي لا يثق بمثل هذه القوات من جهة أخرى كما أن التحالف الغربي نفسه فشل وخلال ومنذ عام 2011 في تشكيل قوة عربية ممكن التعويل عليها في المنطقة .
فضلا عن عدم قدرة المكونات المحلية اقلها في الوقت الحالي على تشكيل اي جسم حقيقي واعي , و قادر على الصمود وقابل للحياة بسبب التفتت الداخلي والصراعات العميقة بين مكونات المنطقة و هذه الصراعات تمتد الى داخل الهياكل القديمة في المنطقة كالعشائر او التشكيلات العسكرية التي كانت موجودة مابين 2011 و2014 وما على القيادة السعودية ان تعيه ان شرق الفرات يعاني من حالة فراغ فوضى وتشظي يسترها ثوب رقيق من الوجود الغربي و الدعم المالي .
فالقوة العشائرية المتبقية هي غير مسيطرة و متعددة الولاءات ولا تجمع بينها رؤية او منظور واحد او تحمل مشروع معين وهي تعاني من الضعف و غياب التنسيق وتعرضت لكثير من الأزمات والصراعات التي اضعفتها كما ان اتجاهاتها السياسية متعددة وغير قادرة على إنتاج رؤية موحدة.
فضلا عن وجود خلايا فاعلة من تنظيم الدولة الذي لايزال يمتلك الكثير من اوراق القوة في المنطقة و هي موجودة وفاعلة ومؤثرة ولاتزال ترهب خصومها ويخضع لها الكثير من ابناء المنطقة , و حتى قسد تعي ذلك وتأخذه بعين الاعتبار أثناء تحركاتها.
كما ان قوات قسد ذاتها وك جسم سياسي تعاني من أزمات داخلية متعددة فالقوى الموجودة ليست واحدة او متجانسة و أغلب منتسبيها هم من الذين دفعتهم الحاجة المادية و أغلب الفئات الشعبية العربية في مناطق قسد غاضبة من التسلط الكردي فضلا عن المشروع واهن ودون حوامل مادية او معنوية , وسيسقط مع توقف الضخ المالي و خروج القوات الأجنبية .
السعودية التي أرسلت السبهان أكثر من مرة الى شرق الفرات وأعلنت دعم قسد ب100 مليون دولار و ارسلت العديد من الوفود الأمنية والعسكرية الى المنطقة فضلا عن خبرائها ومقاتليها المتواجدين حاليا في عدة مناطق من شرق الفرات كما انها استقبلت اخيرا السيد غسان اليوسف رئيس مجلس ديرالزور المدني الذي زارها في أواخر نوفمبر / تشرين الثاني تحاول جاهدة تمكين تواجدها و مد نفوذها للاستمرار كطرف مؤثر في المعادلة السورية تتجاهل عن عمد انها تسير فوق رمال متحركة .
فحتى الامريكيين او السيد غسان اليوسف يعجزون عن السير ليلا في المنطقة التي يدعون حكمها متناسين أنها تحولت الى أراضي رافضة لهم وأهالي يتربصون بهم فضلا عن المشاهد المذلة التي تعرض لها الجنود والأليات الأمريكية وهم يرشقون بالحجارة و يواجهون اهانات الأهالي اضافة الى الاستهداف شبه اليومي الذي يطال كل من يتعامل معهم .
لكن يبدو ان القيادة السعودية لم تعي درس اليمن جيدا ولا تزال مصرة على إضاعة أموالها في رهانات خاسرة.
كاتب سوري