هل لدى دول الجزيرة العربية والسعودية تحديداً ما يمكنها من قلب الموازين
الجواب نعم.. ولكن هل تستطيع القيام بذلك في معادلة مبادلة النفط وبترودولاراته مقابل حماية الانظمة؟ وهل المتغيرات التكنولوجية (الزيت الصخري) تخفف من اعتماد الولايات المتحدة على النفط العربي؟ إن قلت نعم فقد أخطأت!
د. عبد الحي زلوم
ما يُدمي القلب هو أن عالم النفط العربي يملك مفتاح الحضارة الغربية التي تعتمد كلياً على النفط، وكان يمكن استعماله كسلاح تدمير شامل لاي عدو أو
إعمار لاي صديق.
تمّ السيطرة على تلك القوة من آخرين لتنقلب من نعمةٍ الى نقمة علينا فأصبحت قوة تدمير للعالم العربي وتعمير لاعداءه . ولكي لا يظن البعض أن في ذلك مبالغة نستذكر قول وزير الطاقة الامريكي ريتشاردسون سنة 1999 بأن النفط كان اساس السياسة الامنية والخارجية للولايات المتحدة طوال القرن العشرين بل وأن جيولوجيا النفط كانت اساساً لتقسيمات دول العالم العربي بعد الحرب العالمية الاولى . ولابين كيف أن نعمة النفط قد تم قلبها الى نقمة فلقد صرفت قطر ما يزيد عن 150 مليار دولار لتدمير سوريا وصرفت السعودية اكثر من هذا المبلغ على تدمير هذا البلد المركزي . لكني لو اردت أن اقتصر ما صُرِف على تدمير اليمن بحدود 400 مليار دولار حتى اليوم مضافاً اليها على الاقل 400 مليار دولار أخرى أخذها الامبراطور ترامب من السعودية في شهور ولايته الاولى لاصبح مجموع هاتين العمليتين فقط 800 مليار دولار . فلو تم استعمالها بطريقة رشيدة لقلنا أن السعودية كان بإمكانها أن تشتري بهذا المبلغ اكبر شركة نفط امريكية (Exxon Mobil)قيمتها السوقية حين كتابة هذه السطور 350 مليار دولار ، وشراء اكبر شركة طائرات امريكية (Boeing) وقيمتها السوقية 221 مليار دولار واكبر شركة لصناعات السيارات General Motors وقيمتها السوقية 138 مليار دولار. وبذلك يكون مجموع شراء هذه الشركات 719 مليار دولار اي أقل ب81 مليار دولار من 800 مليار المذكورة أعلاه. وهذا الجزء المتبقي يزيد عن 5% المقترح بيعها من شركة النفط السعودية أرامكو . فهل السعودية بحاجة أن تبيع جزء من ارامكو ؟ الجواب لا وألف لا … اذا كان هذا ما يمكن شراؤه ب 719 مليار دولار وهو دخل 3 سنوات لارامكو بمعدل الاسعار الحالية فما بالكم لو تم استخدام رشيد لدخل 80 سنة منذ بداية انتاج النفط السعودي؟
المآساة هنا ان دول النفط العربية لا تستطيع أن تتحكم لا في نفطها ولا في بترودولاراتها . ذلك لأن معادلة حماية الأنظمة مقابل النفط وبترودولاراته هي من تتحكم في العلاقة ما بين دول النفط والامبراطورية الحامية لانظمتها . ولنتذكر القول الوقح لدونالد ترامب حين خاطب ملكاً عربياً طالباً ابتزازه اكثر واكثر بقوله (انت لا تستطيع ان تبقى ملكاً اكثر من اسبوعين دون حمايتنا) .
أما ان دول النفط العربية عاجزة عن استعمال بترودولاراتها كما تريد فأكبر مثال على ذلك هو طلب الحكومة البريطانية من الكويت بتخفيض حصتها من اسهم شركة البترول البريطانية BP من حوالي 20% الى اقل من 10% لدواعي الامن القومي البريطاني ! اذن يسمح لدول النفط العربي شراء الشركات المفلسة كيورو ديزني او الشركات المتعثرة الامريكية كما ساهم الوليد بن طلال في ضخ السيولة الى Bank of America او حتى شركات دونالد ترامب المتعثرة كما صرح الوليد اثناء حملة ترامب الانتخابية .
إن الاكيد أن من أقترح على السعودية بيع جزء من ارامكو كان من القتلة الاقتصادين (Economic Hit Men ) . وهنا نستذكر أنه حتى حين كانت الولايات المتحدة صاحبة اكبر منتج للنفط في العالم بل وصاحبة اكبر الاحتياطات النفطية فقد حاولت الحكومة الامريكية الاستيلاء على احتياطات النفط السعودي بواسطة تملك الحكومة الامريكية لشركة ارامكو .
في حزيران 1943 اصبح لدى المفوض عن تأمين النفط للمجهود الحربي الامريكي في الحرب العالمية الثانية وزير الداخلية هارولد ايكس قناعة بضرورة ان تستملك حكومة الولايات المتحدة مخزون النفط السعودي عبر شركة حكومية يتم تأسيسها لهذا الغرض ، على أن يتمّ ابرام اتفاقية ما بين الحكومة الامريكية وشركة ارامكو لتقوم ارامكو كمشغل وليس مالكاً لمنشآت الشركة الحكومية الامريكية الجديدة. وبعد اجتماعات للإدارة الامريكية المتكررة وأخذ موافقة الرئيس روزفلت تمّ اشهار شركة الاحتياطات النفطية Petroleum Reserves Corporation في 30/6/1943 لاستملاك احتياطات النفط السعودي . تمّ تعيين هارولد ايكس رئيساً للشركة كما تمّ تعيين وزراء الخارجية والحربية ورئيس الاركان المشتركة اعضاء في مجلس ادارتها . وتمّ تعيين Abe Fortas سكرتيراً للشركة ( وهو يهودي).
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية قامت الشركات المالكة لارامكو باستعمال نفوذها بحجة ان التأميم والاستملاك للشركات الامريكية يتناقض مع النظام الرأسمالي الاقتصادي الامريكي . وتم التفاهم ان تصبح أرامكو الممثلة الحقيقية للمصالح الحكومية الامريكية وبالتنسيق الكامل معها. و عوضاً عن الاستملاك الامريكي الحكومي المباشر ولكن لتحقيق الغرض نفسه تم اجتماع الرئيس الامريكي روزفلت بملك السعودية عبد العزير ال سعود في البحر الاحمر على متن الطراد الحربي كوينسيQuincy لابرام إتفاقية تم تسميتها باسم الطراد في14 فبراير 1945 . جوهر الاتفاق كان هو لتحقيق أهداف (شركة الاحتياطات النفطية) الحكومية بطريقة اخرى تسيطر فيها الولايات المتحدة على سياسات كميات الانتاج وعائدات النفط مقابل ضمان حكم ال سعود في الجزيرة العربية وبقي هذا الاتفاق سارياً حتى اليوم.
مقابل حماية أنظمة النفط العربية حددت الولايات المتحدة لتلك الدول وظائفها وهي اساساً تتكون من ثلاث عناصر أحدها التحكم بكميات النفط المنتجة وبالتالي اسعار النفط بما يتوافق مع مقتضيات الاقتصاد الامريكي وذلك لتكون تلك الدول حصان طرواد داخل منظمة اوبك ولتكون هي الدول المرجحة لكميات الانتاج صعوداً وهبوطاً . كانت الولايات المتحدة تقوم بهذا الدور عندما كان لديها احتياط نفطي وقدرة انتاج تزيد عن استهلاكها المحلي . الا أن هذه القدرة والدور المرجح لكميات الانتاج قد فقدته الولايات المتحدة سنة 1970 حين وصل الانتاج ليتعادل مع كمية الاستهلاك المحلي اي عشرة ملايين برميل باليوم لكل منهما فأخذت السعودية دور المرجح (بالتنسيق) مع الولايات المتحدة حتى ولو كان ذلك خسارة فادحة عندما يتطلب الامر خفض الاسعار .
أما الدور الوظيفي الثاني فتمثل في استبدال الذهب الاصفر بالذهب الاسود (النفط) كغطاء للدولار مما مكنه ان يبقى عملة الاحتياط العالمية وهي احدى الضرورات لاي امبراطورية عالمية. بعد أن اصبحت الولايات المتحدة مستوردة للنفط بعد 1970 اضطرت أن تلغي التزامها حسب اتفاقية بريتن وودز سنة 1944 بالمحافظة على سعر الصرف الثابت (سعر ثابت للعملات مقابل دولار) كما يتوجب على الولايات المتحدة الالتزام بطباعة دولارات بما يعادل ما لديها من احتياط الذهب وبسعر 35 دولار للاونصة . وتم الغاء هذا الالتزام ب15 اغسطس 1971. عندها تلاشى ضرورة شراء البنوك المركزية العالمية للدولار الامريكي لكن تم فَرض شراء النفط بالدولار فقط مما اجبر العالم على الاستمرار بشراء الدولار ومما مكن مطابع الخزينة الامريكية من طباعة فئات المئة دولار مثلاً بكلفة 5 سنتات لاضطرار العالم لشراء الدولارات لدفع ثمن مستورداته من النفط. كانت الدول المستهلكة هي الخاسر الاكبر . اما الدول العربية المنتجة فقد فرض عليها اعادة تدوير بترودولاراتها الى البنوك الغربية وشراء ديون الولايات المتحدة عبر سندات خزينتها.
أما الوظيفة الثالثة لتلك الانظمة مقابل الحماية فكانت تمويل سياسات الولايات المتحدة الخارجية والامنية ولو كان ذلك على حساب تدمير الدول المركزية العربية . ولاثبت أن صرف البترودولارات العربية تتمُ بواسطة فرامانات أمريكية لتمرير السياسة الخارجية والامنية الامريكية
يستحضرني هنا مثال ذكره المرحوم الملك حسين الى احد اقطاب النظام الاردني والذي اخبرني بدوره عن ذلك . في ثمانيات القرن الماضي يبدو أن خلافاً بين الولايات المتحدة والملك حسين قد جعلتها تضغط عليه بواسطة تجفيف المساعدات المباشرة منها ومن دول الخليج . ذهب الملك الى الدولة النفطية (أ) وسرعان ما قال له حاكمها أن اسعار النفط المنخفضة قد أثرت على دخل الدولة . فقفل الملك راجعاً .ثم ذهب الى الدولة النفطية(ب) وتكرر الامر نفسه ثم ذهب الى الدولة النفطية(ج) وتكرر الامر نفسه . عندها ذهب الملك الى واشنطن وسوى الخلاف . وقالوا له الدولة النفطية (ج) سترسل لك مبلغ 150 مليون دولار خلال اسبوع .عند رجوع الملك الى عمان اراد أن يداعب حاكم الدولة (ج) وقال له علمنا انكم سترسلوا لنا 200 مليون دولار فأجابه الحاكم مسرعاً: لا لا لا .. طلبو ارسال 150 مليون دولار فقط !
بقيت الولايات المتحدة مستوردةً للنفط منذ 1970 وحتى يومنا هذا وبقي انتاجها يهبط الى أن وصل الى ما يقل عن 6 مليون برميل في اليوم منتصف العقد الاول من القرن الواحد والعشرين حيث تم اختراق تكنولوجي كبير مكن الولايات المتحدة من استخراج الزيت الصخري بحيث وصل انتاجها من النفط اليوم الى حوالي 12 مليون برميل باليوم وبذلك اصبحت المنتج الاول للنفط في العالم يليها روسيا فالسعودية. ومن الاخطاء الشائعة بل والتي تحاول الولايات المتحدة الترويج لها أن اهمية البترول العربي قد انتهت لكن الامر ليس كذلك . استهلاك الولايات المتحدة من النفط يزيد عن 20 مليون برميل في اليوم . لذلك فهناك عجز كبير ما بين الاستهلاك والانتاج . تستهلك الولايات المتحدة سبع مليارات برميل في السنة في حين أن احتياطاتها من النفط اقل من 40 مليار فما هي الا سنوات قليلة وينضب مخزونها النفطي . في المقابل تمتلك السعودية مثلاً حوالي 260 مليار اي ما يزيد عن 650% من احتياطات الولايات المتحدة التى ستبقى بحاجة الى النفط للاسباب المذكورة اعلاه وبالاضافة للهيمنة على مصادر النفط وكمياته واسعاره وطرق امداداته كإحدى ضروريات العولمة والهيمنة الامريكية والاستحواذ على فوائض البترودولارات .
من الواضح ان الجزيرة العربية تمتلك اسلحة دمار أو إعمار شامل ذاتها أو لجوارها وللعالم ومع الاسف الشديد يتم تسخير هذه الطاقة والبترودولارات لما ليس لمصلحة تلك الدول شعوباً وحتى أنظمة فليس للامبراطوريات اصدقاء واسالوا حسني مبارك وبن علي وماركوس وسهارتو والقائمة تطول .
نعم. تستطيع السعودية وحدها ان تغير مجرى التاريخ لو حددت بنفسها ولنفسها من هم اعداؤها الحقيقيون. إنهم ليسوا المسلمين الشيعة وهم من مكونات الجزيرة العربية يقطنون فوق مكامن نفطها. الكفرة الفجرة هم من يغتصبوا اراضي المسلمين وثرواتهم وهؤلاء هم الاعداء في فلسطين ومن يساندهم . ليس هناك مصلحة لاهل الجزيره العربية حاكمين و محكومين ان يجعلوا من بلادهم مسرحا لحرب لا تبقي ولا تذر يكون القاتل والمقتول مسلما، ويكونا بالنار كما جاء في الحديث الشريف “إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار” فقلت: يا رسول الله هذا القاتل؛ فما بال المقتول؟ قال: “إنه كان حريصاً على قتل صاحبه”.
نأمل من الله أن يجنبنا واخواننا في الجزيرة العربية شرور أنفسنا وشرور اعداءنا الحقيقيين.
مستشار ومؤلف وباحث