محمد بن سلمان يتخذ من الحريري شاهداً: السعودية بريئة من دماء جمال خاشقجي!
طلال سلمان
تروى حكايات كثيرة عن دهاء الملك عبد العزيز آل سعود، مؤسس المملكة التي تم تطويبها باسم العائلة: المملكة العربية السعودية.
من تلك الحكايات أن “الامير” عبد العزيز أصيب بجرح عظيم في بطنه، نتيجة ضربة سيف من بعض خصومه آل الرشيد الذين كانوا ينافسونه على الحكم في شبه الجزيرة العربية.. ونقل إلى خيمته على عجل وهو ينزف، فأمر على الفور بأن “يعرسوه” أي أن يزفوه إلى عروس جديدة، وان يدقوا الطبول والدفوف وان ينزلوا بالأحصنة إلى الميدان لإحداث اكبر جلبة، يسمعها “الاعداء” فيخيب ظنهم بان عبد العزيز قد قضى نحبه، او انه بات عاجزاً عن الدخول في مواجهة أخرى..
وهكذا توقف احتفالات آل الرشيد، واخذوا يستعدون للمعركة التالية.
*****
استذكر بعض هواة الحكايات التاريخية، هذه “النادرة” وهم يتابعون “الانجاز التاريخي” الذي ارتكبه الهواة من القتلة ـ المحترفين ـ رجال المخابرات الذين اوفدتهم الرياض بأمر من ولي العهد الامير محمد بن سلمان إلى اسطنبول للقضاء على الكاتب المعروف جمال خاشقجي فور دخوله إلى قنصلية المملكة المذهبة فيها، والذين ثبت أن عددهم يصل إلى 18 ضابطاً من اجهزة المخابرات المختلفة في الرياض، والذين قصدوا إلى القنصلية فكمنوا فيها للكاتب الاعزل، الذي ترك لخطيبته ساعته التي تصور المشاهد وتسجل كل نأمة وكل صوت يرتفع في المحيط المجاور.
وها قد مر ما يقارب الشهر على اغتيال هذا الكاتب السعودي الذي استضافته جريدة “واشنطن بوست” فنشرت له مقالات عدة لم يتعرض فيها مباشرة للأسرة المالكة في السعودية ولكن النفس كان معارضاً يدعو إلى اصلاح النظام العتيق بأفضل مما انجز ولي العهد الامير محمد بن سلمان الذي خلع ابن عمه الشقيق محمد بن نايف وهو راكع على قدميه (معتذراً!!).
انكشف المستور.. وتمكن الاتراك من كشف الخديعة: وصول خمسة عشر رجلاً من المخابرات الملكية إلى اسطنبول، فجأة، وبتوقيت وصول الخاشقجي إلى القنصلية، فانتظروه داخلها حتى دخلها آمناً وانقضوا عليه فقطعوه ارباً، ونقلوه في سيارات القنصلية إلى غابة قريبة، في ما يقال، او إلى بيت القنصل، في ما يشاع، ثم خرجوا ليعودوا من حيث اتوا، وقد أدوا مهمتهم النبيلة على أكمل وجه.
كان طبيعيا أن يثور غضب الاتراك، دولة وشعباً، وان تستفز هذه الجريمة الشنيعة دول العالم اجمع، وان تستذكر الشعوب العربية خاصة حكايات غدر حكام المملكة المذهبة بأهلها، وبجيرانها، ومن ضمنها المؤامرة التي دمرتها بعيد الوحدة لاغتيال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والتي فضحها الراحل عبد الحميد السراج، وسلم المبلغ الذي دفعته المملكة من اجل التنفيذ.
كذلك فمن ضمنها جريمة اختطاف الكاتب السعودي ناصر السعيد في بيروت، عن طريق بعض الاجهزة الامنية الفلسطينية (ابو الزعيم) لإرساله بطائرة خاصة كانت تنتظر في مطار بيروت وقيل آنذاك، أن الاوامر قضت برميه ـ حيا ـ من الطائرة في الربع الخالي..
ولقد حاولت المملكة جاهدة انكار التهمة الموجهة اليها بشخص ولي العهد الامير محمد بن سلمان، بالتخطيط لهذه الجريمة المنظمة وتنفيذها في اسطنبول للتخلص من كاتب من بين قلة من السعوديين استطاع أن يعتلي منبر “واشنطن بوست”، وان يكتب فيها موضوعات عامة ليست سياسية بالضرورة ولا تعني المملكة مباشرة، وانما هي تعالج السياسات الدولية والتحالفات وموقع العرب عموماً، والسعودية خصوصاً… لكن الاتراك الغاضبين رفضوا كل الروايات الملفقة التي اطلقت لتضليل التحقيق، وأغضبهم هذا الانتهاك لسيادة بلادهم، وارتكاب هذه الجريمة المروعة على ارضهم، بهذه الوحشية، وبهذا التخطيط المسبق الذي لا يمكن أن ينجزه فرد او افراد بالهواية او بالرغبة في الانتقام من كاتب لم يسبق أن اذى او اعتدى على كرامة أي منهم، فضلاً عن انه لم يسيء يوماً إلى تركيا (التي يعود اليها بالنسب ـ عبر اجداده..).
الوضع محدد تماماً: تركيا تطالب بتسليمها المشاركين لمحاكتهم فيها، باعتبارها الارض التي ارتكبت فيها هذه الجريمة الشنيعة، والسعودية ترفض، حتى الساعة، تسليم المطلوبين وتتعهد بمحاكمتهم في بلادهم..
ومن الصعب أن تتنازل تركيا، خصوصاً وقد ظهر الامير محمد بن سلمان، في مؤتمر للاستثمار عقد قبل ايام في الرياض، والى جانبه الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة في لبنان سعد الحريري، وهما يتضاحكان، وولي العهد يهدد الرئيس المكلف ضاحكاً، والرئيس الحريري يشاركه الضحك، مؤكداً انه لن يضطر إلى “بدل غيار” لثيابه لأنه واثق من أن الحفلة لن تتكرر!
*****
صارت جريمة اغتيال جمال خاشقجي كنزاً مخبوءاً لدول عدة: أولها الولايات المتحدة الاميركية التي يطالب رئيسها المهووس بالملك دونالد ترامب “المملكة” التي تملك أكثر مما يجب أن تدفع له كثيراً من المال ثمناً للسلاح والمعدات الصناعية وتكاليف المنشآت العسكرية التي تريد أن تبنيها…
أما رؤساء الدول الاوروبية وحكوماتها، من فرنسا إلى بريطانيا إلى المانيا، وغيرها، فقد قررت تجميد علاقاتها مع السعودية، وعدم المشاركة في أي مؤتمر تدعو اليه، كما في أي مناقصة لتنفيذ مشروعات مطوية، في انتظار جلاء حقيقة ما تم تدبيره وتنفيذه لتصفية الكاتب السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول!
أما في بيروت فالأجراس ستقرع قريباً، للترحيب بالحكومة الجديدة التي سيشكلها “المعتقل المحرر” الرئيس سعد الحريري لتنهض بلبنان اقتصادياً وثقافياً وأمنياً بشهادة جمال خاشقجي!
كاتب وناشر ورئيس تحرير صحيفة السفير