لا سلمان و لا “اسرائيل”
أحمد الحباسى
هذا هو الشعار المختزل المعبر الذى خرج من حناجر الشعب المصرى بمجرد سماع حكم المحكمة العليا المعزز للوثائق و الادلة التى تثبت مصرية جزيرتى تيران و صنافير و التى تثبت أن ما حصل من تنازل الحكومة المصرية عليها للنظام السعودى ما هو إلا مجرد خطأ تاريخى ارتكبته بعض القوى داخل النظام من باب التذلل المخزى لنظام المافيا السعودى مقابل بعض الاموال النفطية و بعض الوعود الزائفة التى تعود المصريون على سماعها من السعودية طيلة سنوات حكم مبارك و حكم الرئيس عبد الفتاح السيسى, لعلها المرة الاولى التى يقرن فيها اسم حاكم عربى باسم الكيان الصهيونى من طرف جماهير عربية و بالذات من الجماهير المصرية التى نعلم جميعا مدى تمسكها بعرضها المتمثل فى أرضها و بتماس مشاعرها بالقضية الفلسطينية، بل لنقل بمنتهى الصراحة أنه كان مفاجئا لبقية الامة العربية ان تسمع من حناجر الشعب المصرى مثل هذا الشعار الذى يختزل حالة من العداء و الكراهية لأكبر كيانين عدوين للأمة العربية ، النظام السعودى و الكيان الصهيونى ، فهل يمكن الحديث اليوم عن حالة من تحول المشاعر العربية .
تعيش مصر وضعا اقتصاديا صعبا خاصة بعد انحسار المعونة الامريكية المعتادة و رفض بقية الدول الخليجية الوقوف ماليا الى جانب النظام الجديد لأسباب عدة يطول شرحها ، بالمقابل عبرت المملكة فى البداية عن استعدادها لإعانة الرئيس الجديد على الخروج من محنته الاقتصادية مقابل اعلان عدائه للنظام القطرى المساند للإخوان المسلمين ، هذا الموقف المشبوه كان طوق النجاة بالنسبة للنظام و بالتالى كان عليه فى نطاق سياسة الاستعطاف السيئة أن يرد التحية السعودية بأحسن منها و لم يجد إلا تقديم جزء عزيز من التراب المصرى هدية لملك المافيا السعودى حتى يقبل بمزيد فتح خزائنه النفطية المالية لسد العجز المالى المصرى و لم لا اخراج النظام من ورطته الاقتصادية المتصاعدة.
بطبيعة الحال، كان فى مصر من الاعلام الفاسد من حاول تمرير هذه الصفقة المسيئة للتاريخ النضالى للشعب المصرى لكن و بالمقابل كانت هناك حالة من الغليان الشعبى الغير مسبوقة تؤكد مرة أخرى ان هذا الشعب من طينة خاصة و أنه يرفض لقمة الذل و لقمة انتهاك العرض ، هذا الامر أسال كثيرا من الحبر و وضع حكومة الرئيس السيسى فى ورطة أخلاقية قبل الورطة السياسية بحيث لم يكن ممكنا لنظام متعثر و عليه كثير من علامات الاستفهام أن يجعل شعبه يبتلع هذا القرص المخدر دون أن تتضرر سمعته المتهرئة و بالتالى فقد جاء حكم القضاء بمثابة القشة التى أنقذت النظام المصرى فى الدقيقة التسعين كما يقال بلغة الكرة .
أن يقبل الشعب المصرى المحاصر اقتصاديا و الذى يحاول الخروج من عنق الزجاجة بعد أن طالت الازمة الدموية مع الاخوان رفض العون السعودى المشروط فى مثل هذه الايام العصيبة بالذات فهذا مؤشر على قوة الارادة الشعبية المصرية و أن يصف عملية التساهل الرسمية عن الارض لفائدة نظام المافيا السعودى بكونها عملية تمس بالشرف المصرى فهذا مؤشر غير مسبوق فى العلاقات بين البلدين و ان تصل مشاعر الكراهية لهذا النظام الخائن الدموى حد مقارنته بالكيان الصهيونى او بنفس المشاعر الحاقدة على الكيان الصهيونى فهذا معطى سياسى و شعبى غير مسبوق فى تاريخ العلاقات بين الانظمة العربية، طبعا كتب البعض عن العلاقة الوطيدة بين الكيان الصهيونى و نظام الميز العنصرى السعودى و كتب الكثير عن حالة من تشابك المصالح بين الملك سلمان و رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتانياهو كان من ” ثمرتها ” انضمام المملكة لمجموعة ” أصدقاء سوريا ” لإسقاط الرئيس السورى بشار الاسد و خروج الطائرات السعودية لقتل الشعب اليمنى و تدمير اليمن لكن من الواضح أن النظام قد بدأ اليوم يدفع فاتورة الدم و يجنى حالة غير مسبوقة من الحقد و الكراهية الشعبية العربية فى كل الاقطار العربية و لم يعد مفاجئا ان نشاهد احراق الراية السعودية و الصهيونية معا فى كل التظاهرات الشعبية مستقبلا .
لقد كان الامل دائما معقودا على ضمير الشعوب العربية و هذه الشعوب و على حد ذاكرتى لم تخذل بلدانها فى كل المناسبات و المواقع ، لكن من الواضح اليوم ان الشعب المصرى قد سبق الجميع فى التصويب على العدو السعودى الصهيونى و كان الوحيد الذى وصف هذا النظام الخائن بنفس الوصف الصهيونى ، هذا الامر يجعل بقية الشعوب تطالب نفسها بمواقف أكثر صرامة مع هذا النظام بالمطالبة بقطع العلاقات السياسية و طرد سفراء العار و المؤامرات السعوديين و حرق العلم السعودى مع ” شقيقه ” الصهيونى كتعبير واضح و صريح انه لا مكان اليوم لهذا النظام فى قلب الامة العربية و أن هذا الملك و حاشيته الفاسدة لا يستحقون الا اللعنات من ملايين عائلات الشهداء الذين اغتالهم الارهاب السعودى فى كل الدول العربية ، هنا يجب التنبيه بوضوح ان ما خسره النظام من اموال أفلست خزائنه لتمويل حملاته الدموية فى الدول العربية يبقى هينا امام الخسارة المعنوية الكبرى التى يلاقيها النظام سواء بسبب فشله فى سوريا و اليمن أو بسبب نمو و تصاعد حالة الكراهية الغير مسبوقة لهذا النظام فى كل البلدان العربية ، و حين نجمع فواتير هذه الخسارة مع فواتير التعويضات الخيالية التى سيضطر النظام الفاشل لدفعها لعائلات ضحايا ارهابه يوم 11 سبتمبر 2001 يمكن التأكيد ساعتها على أن هذا النظام قد شق طريقه مسرعا نحو الانهيار .
بانوراما الشرق الأوسط