"مرحلة مرعبة".. كيف علقت رايتس ووتش على حكم إعدام شقيق الغامدي؟
"السلطات السعودية وصلت بقمعها إلى مرحلة مرعبة، وباتت تستهدف أفراد عائلات المنتقدين والمعارضين في الخارج، في محاولة لإجبارهم على العودة إلى البلاد".. هكذا وصفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قرار محكمة سعودية بإعدام الداعية محمد الغامدي، وهو شقيق معارض مقيم بالخارج.
وقد صدر الحكم عن المحكمة الجزائية السعودية المتخصصة، التي تنظر عادة في قضايا إرهابية، على الغامدي وهو مدرّس متقاعد أوقف صيف عام 2022 بسبب التغريد وإعادة التغريد من حسابين وهميين يمتلكهما، الأول فيه متابعان والثاني فيه ثمانية متابعين.
ووجهت للغامدي اتهامات شملت متابعة حساب معارضين سعوديين على منصتي "إكس" (تويتر سابقا) و"يوتيوب"، والإخلال بالأمن العام والمجتمع.
وأكدت "رايتس ووتش"، في تقرير لها خبر الحكم الصادر عن المحكمة الجزائية، مشيرة إلى أنه صدر في 10 يوليو/تموز الماضي، بعدما أدين بـ"عدة جرائم جرّاء تعبيره السلمي على الإنترنت فحسب"، وحكم عليه بالإعدام، بعد اعتبار تغريداته وإعادته التغريد ونشاطه على "يوتيوب" دليلا ضده.
وتستشهد وثيقة الاتهام بعدة تغريدات تنتقد العائلة المالكة السعودية كأدلة، إحداها على الأقل تدعو إلى إطلاق سراح سلمان العودة، رجل الدين البارز الذي يواجه عقوبة محتملة بالإعدام بتهم غامضة مختلفة تتعلق بتصريحاته وعلاقاته ومواقفه السياسية، وإلى إطلاق سراح علماء دين مسلمين بارزين آخرين من السجن.
ويقول مطلعون على القضية، إن الغامدي لا يعتبر نفسه ناشطا سياسيا أو حقوقيا، بل مواطنا عاديا استخدم منصة "إكس" (تويتر سابقا) لمجرد الإعراب عن مخاوفه بشأن الحكومة السعودية.
وشقيق الغامدي، يدعى سعيد بن ناصر الغامدي، وهو رجل دين معارض يعيش في المملكة المتحدة، أكد في تغريدة أن المحكمة الجزائية برئاسة عوض الأحمري "حكمت بالقتل على شقيقي إثر 5 تغريدات تنتقد الفساد وانتهاك حقوق الإنسان".
ولفت إلى أن هذا الحكم صدر بسبب دفاع شقيقه محمد في أثناء التحقيق عن الدعاة الإسلاميين المسجونين في السعودية: عوض القرني وسلمان العودة وسفر الحوالي وعلي العمري.
واعتبر الغامدي الحكم الصادر بحق شقيقه يستهدفه شخصيا، موضحا في التغريدة على حسابه في منصة "إكس" (تويتر سابقا)، أن "الإجراءات التي اتبعت معه توحي بأن هذا الحكم الباطل يستهدف النكاية بي شخصيا بعد محاولات فاشلة من المباحث لإعادتي إلى البلاد".
في اتصال مع "بي بي سي"، قال الغامدي إن أمورا عدة جعلته متأكدا من أنه هو المستهدف وليس أخاه، واصفا التغريدات التي نشرها أخوه، أو أعاد نشرها بالـ"تافهة" ولا تستحق هذا الحكم، ولا سيما أنها تغريدات من حسابين وهميين لا يتابعهما أحد تقريبا، وأن شقيقه لم يكن يوما ناشطا سياسيا أو حقوقيا.
وقال الغامدي: "غادرت السعودية منذ سنوات إلى تركيا، حيث تمت ملاحقتي مرات عدة لإجباري على العودة إلى أن طلبت مني السلطات التركية المغادرة.. حينها سافرت إلى لندن وطلبت اللجوء السياسي وحصلت عليه".
وتابع: "لكن السلطات السعودية لم تيأس، إذ واصلت التواصل معي في محاولة لاستدراجي للعودة وإغرائي بالمال وبحرية التنقل لكنني رفضت، لذا أنا متأكد أن الهدف من حكم الإعدام بحق أخي ليس سوى للضغط عليّ".
ولفت الغامدي إلى أن شقيقه مصاب بمرض عصبي ويتلقى علاجات منذ صغره، وهو ما أكده كلام محامي الغامدي في وثائق المحكمة.
في هذه الوثائق، أشار المحامي إلى أن موكله يعاني من "مرض مزمن ووراثي من عدة أعوام، أن تصرفاته أصبحت غير متزنة أو عقلانية ومليئة بالاضطراب والعجز الجزئي وعدم الرشد الناتج عن الأمراض النفسية والخلل في جهازه العصبي والعقلي هو وبعض أشقائه وأبناء شقيقاته وولده المصاب بخلل عقلي، ويُعالج على حساب الدولة".
ويعد الحكم بالإعدام استنادا إلى "تغريدات" فقط لا غير، تطورا ملفتا في طريقة تعامل السلطات السعودية مع المعارضين وآرائهم المنشورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ تصدر عادة أحكام الإعدام لأسباب تتعلق بجرائم قتل أو جرائم إرهابية وليس بسبب تغريدات أو مواقف سياسية.
كما أن التغريدات التي تنتقد نظام الحكم والملك وولي العهد يكون مصير صاحبها السجن وليس الإعدام.
وأعدمت السلطات السعودية 81 رجلا في 12 مارس/آذار 2022، في أكبر إعدام جماعي في البلاد منذ سنوات، رغم وعود القيادة بالحد من استخدام هذه العقوبة.
وخلال السنوات الماضية، صدرت أحكام بالسجن عشرات السنين بحق معارضين سعوديين بسبب تغريداتهم منهم سلمى الشهاب (حكم بالسجن لمدة 34 عاما) ونورة القحطاني (حكم بالسجن لمدة 45 عاما).
هذا التطور في التعامل مع قضايا التعبير عن الرأي تراه جوي شيا، الباحثة في الشؤون السعودية في منظمة "رايتس ووتش" دليلا على أن "القمع في السعودية وصل مرحلة جديدة مرعبة، يمكن فيها للمحكمة إيقاع عقوبة الإعدام لمجرد تغريدات سلمية".
وأضافت جوي: "صعّدت السلطات السعودية حملتها ضد كافة أشكال المعارضة إلى مستويات مذهلة، وينبغي لها رفض هذا الاستهزاء بالعدالة".
وسبق أن وثّقت "رايتس ووتش" انتهاكات واسعة ومنهجية في نظام العدالة الجنائية السعودي، ما يجعل من المستحيل تقريبا على المتهمين، بمن فيهم الغامدي، نيل محاكمة عادلة، وفق جوي.
وتابعت: "تستهدف السلطات السعودية الآن الانتقادات عبر الإنترنت، ليس بمحاكمات صُوَرية جائرة فحسب، بل أيضا بالتهديد بعقوبة الإعدام".
وختمت جوي: "عندما يمكن أن تؤدي مجرد تغريدة منتقِدة إلى حكم بالإعدام، يصعب على المرء أن يرى جدية تعهدات القيادة السعودية بجعل البلاد أكثر احتراما للحقوق".
المصدر | الخليج الجديد