المهمة صعبة.. هل توقف واشنطن تآكل نفوذها في الشرق الأوسط؟
ارتكبت الولايات المتحدة أخطاءً جسيمة في الشرق الأوسط، لدرجة أنها قوضت -عن غير قصد- هيمنتها واختارت العزلة؛ مما يهدد بتآكل المزيد من نفوذها، ولاسيما في دول الخليج العربية، حتى أن مهمة كسب ثقة المنطقة باتت أكثر صعوبة، بحسب كين كوستا في تحليل بصحيفة "ذا تلجراف" (The Telegraph) البريطانية.
كوستا تابع، في التحليل الذي ترجمه "الخليج الجديد"، أن "أخطاء الولايات المتحدة أدت إلى انتهاك مبادئها وقواعدها؛ مما أدى في النهاية إلى تدمير النظام الذي أنشأته. لقد زادت أحداث (هجمات) 11 سبتمبر (2001 على واشنطن ونيويورك) من تعقيد الأمور".
وأردف: "إن نظام (الرئيس العراقي الراحل) صدام حسين لا علاقة له بأحداث 11 سبتمبر، والتدخل العسكري (الأمريكي في العراق عام 2003) كان يفتقر إلى الموافقة اللازمة من الأمم المتحدة، وقد واجه الجنود الأمريكيون تجارب مروعة في العراق".
واعتبر كوستا أن "تأثير العراق على الروح الوطنية الأمريكية والاقتصاد يفوق بكثير تأثير حرب فيتنام، وقد تسببت الهزائم (الأمريكية) في العراق وأفغانستان بعزلة جديدة داخل واشنطن؛ مما دفع الولايات المتحدة إلى الابتعاد عن التدخل المباشر في شؤون الشرق الأوسط، وحتى في العمليات ضد تنظيم الدولة، تم دعم القوات المحلية وتقليل عدد القوات الأمريكية المنتشرة على الأرض".
وزاد بأنه "كان لظهور العزلة الأمريكية عواقب وخيمة على القيادة الأمريكية في الشرق الأوسط؛ ما أدى إلى فراغ كبير في القوة. بينما تسعى روسيا لملء هذا الفراغ في بلدان مثل سوريا وليبيا، تسعى القوى الإقليمية مثل إيران والسعودية والإمارات وتركيا إلى ممارسة نفوذ أكبر داخل مناطق نفوذها".
أمن عرب الخليج
و"منذ انسحاب الولايات المتحدة من العراق، أصيب عرب الخليج بخيبة أمل كبيرة، فواشنطن انسحبت وتركت البلد العربي للنفوذ الإيراني. ومنذ ذلك الحين، واجهت الأنظمة الخليجية الكثير من خيبة الأمل؛ ما دفعها إلى إدراك أن أمريكا لن تأتي لمساعدة الدول العربية في أوقات الخطر"، وفقا لكوستا.
وأضاف أنه "عندما تعرضت السعودية والإمارات لهجوم بالصواريخ والطائرات بدون طيار (من جانب الحوثيين المدعومين من إيران) خلال حرب اليمن (مستمرة منذ 2014)، لم ترغب الولايات المتحدة في التدخل وتركت العرب لأنفسهم".
وتابع: "وهكذا، ظلت القيادة الأمريكية غير فاعلة في المنطقة، لذلك قرر العرب حل مشاكلهم مباشرة مع نظرائهم المحليين وأرادوا الاتصال المباشر بإيران، فيما رأت الصين فراغ القوة الذي خلَّفته الولايات المتحدة واستفادت منه".
وبيّن كوستا أنه "بفضل وساطة الصين، توصل الجانبان الخليجيان (السعودية وإيران في 10 مارس/ آذار الماضي) إلى اتفاق لاستئناف علاقتهما الدبلوماسية (بعد 7 سنوات من القطيعة)، بينما فضلت الإمارات الاتصال المباشر مع إيران على الحماية الأمريكية فيما يتعلق بأمن الخليج".
فراغ كبير
كوستا قال إنه "لطالما أهملت الولايات المتحدة الشرق الأوسط؛ ما أدى إلى فراغ كبير في القوة، وربما فقط عندما دخلت الصين إلى المنطقة أدركت واشنطن خطورة خطأها، وتواجه الآن مهمة أكثر صعوبة".
وأوضح أنه "لم تعد الولايات المتحدة تغرس نفس مستوى الخوف في دول المنطقة كما فعلت من قبل، وقدرتها على تقديم مساهمات ذات مغزى للمنطقة محدودة للغاية، وفيما يخص الشرق الأوسط يتمحور تركيز المسؤولين الأمريكيين بشكل أساسي حول أمن إسرائيل ومطالبة الدول العربية بتطبيع العلاقات معها".
"لكن من المهم أن ندرك أننا لا نعيش في الستينيات، فبالنسبة للسعودية والإمارات تمتد المخاوف الأكثر أهمية إلى ما وراء تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وحتى بدون تدخل الولايات المتحدة، كان بإمكان هذه الدول بسرعة تطبيع علاقاتها مع إسرائيل"، بحسب كوستا.
ومن أصل 22 دولة عربية، تقيم 6 دول هي مصر والأردن والإمارات والبحرين والمغرب والسودان علاقات معلنة مع إسرائيل، التي تواصل احتلال أراضٍ عربية في فلسطين وسوريا ولبنان منذ عام 1967.
واعتبر كوستا أنه "على الولايات المتحدة أن تقدم شيئا أكثر من مجرد التركيز على إسرائيل لكسب ثقة وتعاون الدول الأخرى في المنطقة، وقد يؤدي عدم القيام بذلك إلى تراجع دائم في النفوذ الأمريكي في المنطقة، حيث باتت تطغى عليه السياسات المتوازنة للقوى الكبرى والجهات الفاعلة الإقليمية".
المصدر | كين كوستا/ ذا تلجراف - ترجمة وتحرير الخليج الجديد