«جمهورية غزة».. كيف تعمل أمريكا و(إسرائيل) على اختزال دولة فلسطين؟
ترجمة وتحرير الخليج الجديد
ما يزال الوضع ساخنا في غزة، مع تشديد (إسرائيل) لحصارها واستمرارها في القتل، وإذا كان الفلسطينيون البالغ عددهم مليونين في أكبر معسكر اعتقال في العالم في غزة ينظر إليهم على أنهم بشر من قبل العالم، فإن الحصار غير الأخلاقي الذي استمر لمدة 11 عامًا على هذه الأرض الصغيرة كان ليتم رفعه على الفور.
وفي عام 2015، حذرت الأمم المتحدة من أن غزة قد تصبح غير صالحة للسكن في عام 2020، وهذا الموعد يأتي بعد أقل من 18 شهراً، لكن البحث السريع على الإنترنت لا يكشف عن أي محاولة لإعادة تأهيلها أو لإنقاذ أطفالها.
تسيطر (إسرائيل) على جميع طرق الوصول إلى غزة عن طريق البر والبحر، بينما تنضم مصر إليها من خلال إغلاق معبر رفح بشكل منتظم، ما يحرم السكان المسجونين من حقهم في حرية التنقل داخل وخارج بلادهم.
قطع وسائل الحياة
وفي نفس الوقت، تم إغلاق طريق الوصول التجاري الرئيسي من (إسرائيل) وهو معبر كرم أبوسالم بشكل مفاجئ من قبل (إسرائيل) في 9 يوليو/تموز، ما حرم القطاع من وسائل الحياة الحيوية، بما في ذلك الوقود الذي يدير محطة توليد الكهرباء، لتتقلص إمدادات الكهرباء إلى 6 ساعات في اليوم بحد أقصى، كما تم تقليل المسافة التي يستطيع الصيادون الإبحار فيها من أجل صيد أسماكهم من 6 أميال إلى 3 أميال بحرية.
ويضطر الفلسطينيون إلى شراء مياه الشرب بستة أضعاف المعدل القياسي من الشركات الخاصة، لأن الخبراء يقولون إن 97% من المياه ملوثة بمياه الصرف الصحي أو الملوحة الزائدة.
وفتحت (إسرائيل) جزئيًا المعبر «لنقل الغاز والوقود والدواء» ومع ذلك، تبقى الأسماك التي تسبح أكثر من 3 أميال بحرية قبالة شاطئ غزة آمنة دون صيد.
ويستمر سكان غزة في دفن موتاهم، حيث قتل أكثر من 150 شخصًا منذ بدء مسيرة العودة الكبرى السلمية قبل 4 أشهر، التي أطلقت (إسرائيل) النار عليها أو قصفتها عند السياج الذي يفصل المحتشدين عن منازل أسرهم التي تم نقلهم قسراً منها عام 1948.
كما تفاقمت معاناة الفلسطينيين في غزة بسبب الانقسام الفلسطيني المستمر الذي لا يظهر أي علامة على الانتهاء، وشهدت الأشهر الأخيرة فرض السلطة الوطنية الفلسطينية عقوبات على غزة في محاولة لدفع «حماس» لتقديم تنازلات.
تكلفة التغيير الجيوسياسي
ويزيد الوضع الجيوسياسي المتغير في العالم العربي من ثقل الضغوط على الفلسطينيين لقبول ما يعرف القادة العرب أن الفلسطينيين لا يمكنهم قبوله كحل لنضالهم من أجل الحرية والعدالة والمساواة؛ حل يتم طبخه بين تل أبيب وواشنطن.
باختصار، يبدو أن غزة واقعة تحت الهجوم المستمر مع قيام فريق الرئيس الأمريكي «ترامب» بتطوير «الصفقة النهائية» لإحلال السلام المزعوم في الأرض المقدسة، في الوقت الذي يلقي فيه باللوم لعدم تحقق السلام على «حماس» وليس (إسرائيل).
ومن شأن أي تقييم موضوعي لأسباب الوضع الحالي أن يستنتج أن عدم التوصل إلى حل عادل للنزاع هو ما يسبب عدم الاستقرار، حيث تواصل (إسرائيل) احتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة بشكل غير قانوني، والشعوب تحت الاحتلال لديها كل الحق في المقاومة حتى ينتهي هذا الاحتلال.
وفشلت جهود إنهاء النزاع من خلال المحادثات التي رعتها الولايات المتحدة حتى الآن في تحقيق العدالة والأمن اللذين يستحقهما الفلسطينيون، وبعد مرور 71 سنة على إقامة (إسرائيل) في وطنهم وضد إرادتهم، لا توجد دلائل على نجاح «فريق الأحلام» الحالي الذي وضعه «ترامب» في إحلال السلام في فلسطين التاريخية.
ومن الواضح أن معظم أفراد فريق الأحلام الأمريكي من الصهاينة الملتزمين والمؤيدين بشكل راسخ للسياسات الإسرائيلية، بما في ذلك مشروع الاستيطان؛ وعلى رأسهم صهر «ترامب» ومستشاره «غاريد كوشنر»، و«جيسون جرينبلات» مساعد للرئيس والممثل الخاص للولايات المتحدة في المفاوضات الدولية، إضافة إلى «ديفيد فريدمان» سفير الولايات المتحدة لدى (إسرائيل)؛ وكل واحد منهم مؤهل للحصول على الجنسية الإسرائيلية.
وقد كتب الثلاثي الصهيوني مقالاً في صحيفة «واشنطن بوست»، وبدلاً من عرض رؤيتهم للسلام لكل فلسطين التاريخية، ركزوا فقط على غزة، لائمين «حماس» على كل مشاكل القطاع دون إلقاء أي لوم على (إسرائيل).
وفي الواقع، من الواضح أن مقالتهم لم تشر إلى أي من المكونات التي توافق المجتمع الدولي أنها تؤدي إلى السلام إلى حد كبير، بما في ذلك وقف النشاط الاستيطاني، وحل الدولتين مع القدس كعاصمة مشتركة، وحل عادل لقضية اللاجئين.
جمهورية غزة؟
من الواضح أن مشروع قانون دولة الأمة، الذي تم تمريره في 19 يوليو/تموز والذي يطالب بأرض (إسرائيل) كوطن لليهود، ويمنح أي يهودي من أي جزء من العالم حقًا في الانتقال إلى (إسرائيل)، قد ساعد في زيادة تركيز عمل فريق «ترامب» على غزة.
وبالتآمر مع (إسرائيل)، يبدو أن فريق «ترامب» يترك القضايا المتعلقة بالضفة الغربية إلى (إسرائيل) ويركز على كيفية تحويل غزة إلى دولة فلسطينية أو ربما أكثر وضوحاً؛ جمهورية غزة.
لن يقبل المتشددون الإسرائيليون أبداً بظهور دولة اسمها فلسطين، لكنهم يستطيعون العيش مع تسمية مثل غزة، والتي ربما تحصل على توسعة من أرض من سيناء، وفي حين أن (إسرائيل) تحب أن تعود أرض غزة كجزء من (إسرائيل)، فإنها لا تريد أن يكون معها مليونا فلسطيني يسكنونها.
أما بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي يطلق عليها الصهاينة يهودا والسامرة، فهي خارج طاولة المفاوضات.
وستواصل (إسرائيل) النظر في طرق إفراغ هذه المناطق - ومناطق داخل الخط الأخضر بالطبع – من الفلسطينيين الأصليين، مع إمكانية نقلهم إلى الأردن.
بعبارات بسيطة، إذا أمكن إزالة «حماس» أو إقناعها بقبول صفقة «ترامب»، فإن السلام الاقتصادي سيأتي إلى غزة.
لكن مستوى السذاجة السياسية في تلك الصفقة لا تخفى على أحد، حيث يبدو أن سياسات الثلاثي الأمريكي تأتي مباشرة من مكتب «نتنياهو»، ويبدو أن دبلوماسيتهم تقتصر على كيفية إقناع دول الخليج بدفع ثمن السلام الاقتصادي الذي يعتقدون أنه يمكنهم تحقيقه.
أيديولوجية صهيونية عنصرية
وفي حين أن «الاتفاق النهائي» لم يتم إطلاقه بعد، فقد تم بالفعل تطبيق عناصر منه، وعلى رأسها اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل)، وموت أي حل ذي مغزى للدولتين، والتهديد بنزع صفة اللاجئين عن أحفاد اللاجئين الفلسطينيين، إلى جانب الإغلاق المنهجي لوكالة الأمم المتحدة للاجئين.
تتعرض وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين للهجوم، لأن الإسرائيليين يعتقدون أنها «تديم» الصراع، في يناير/كانون الثاني، أعلنت وزارة الخارجية أنها ستمنع 65 مليون دولار من رزمة المساعدة المؤقتة المخصصة للأونروا.
وقامت الوكالة بتخفيض عملياتها للتعامل مع العجز الناتج، مستشهدة بهذا السبب لتسريح مئات العاملين في برنامج الطوارئ التابع للوكالة، وقد أدى هذا لاحتجاجات كبيرة قام بها عمال الأونروا وهدد أحدهم بحرق نفسه.
لا يمكن للاقتصاد المحاصر في غزة أن يتلقى ضربة أخرى بفقدان وظائف الأونروا والانخفاض في برامجها، التي توفر خدمات إمدادات الغذاء والخدمات الصحية والتعليمية الحيوية.
ولكن الثلاثي الأمريكي الساذج سيجد في النهاية أن خططه غير الأخلاقية ستفشل مثل الكثير من الخطط قبلها، لذلك، إذا أرادوا مكاناً في التاريخ فيجب عليهم أن يدركوا أنهم بمجرد أن يروا الفلسطينيين ككل - وأولئك في غزة على وجه الخصوص - كبشر يتمتعون بحقوق مساوية لليهود و الآخرين وليس تهديدا ديموغرافياً للصهيونية، فإن السلام سيصبح ممكناً جداً.
ولا يتطلب السلام الذي نتوق إليه جميعا رحيل «حماس» أو «فتح» بقدر ما يتطلب التخلي عن الأيديولوجية الصهيونية العنصرية.
المصدر | كمال حواش - ميدل إيست آي