محمد بن سلمان والبيت السعودي: ماذا سيصلح العطار؟
أصدر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز سلسلة أوامر ملكية قضت بإنهاء خدمات رئيس هيئة الأركان وقائد قوات الدفاع الجوي وإحالتهما إلى التقاعد، كما أعفت قائد القوات البرية ونائب وزير الداخلية ووكيل الوزارة للشؤون الأمنية من مناصبهم، وعيّنت مساعدين جدداً لوزير الدفاع، ونائباً لرئيس الأركان، وقائداً لسلاح الصواريخ الاستراتيجية.
وأعلنت الحكومة السعودية أن هذه التغييرات تأتي في إطار موافقة العاهل السعودي على «وثيقة تطوير وزارة الدفاع»، والتي تشتمل على ما يصفه الإعلام الرسمي بـ«رؤية واستراتيجية برنامج تطوير الوزارة».
ومن الجلي أن هذه اللغة الفضفاضة تستهدف التعمية على الأهداف الحقيقية من وراء هذه التغييرات، أي إحكام قبضة محمد بن سلمان ولي العهد ووزير الدفاع على الهياكل العليا في الجيش، ثم التغطية على هزائم الرياض ونكساتها في اليمن.
وكان برنامج ولي العهد في السيطرة على مفاصل الدولة وتحييد الأمراء أصحاب مراكز القوى قد بدأ من قادة الأجهزة الأمنية، ثم انتقل إلى كبار ضباط الحرس الوطني الذي كان بإمرة متعب بن عبد الله، ولم يكن تغيير الفئات العليا من ضباط الجيش مطلباً عاجلاً بالنظر إلى انشغال هؤلاء في حرب اليمن.
ويبدو أن التطورات الميدانية التي أخذت تشهدها هذه الحرب مؤخراً، من حيث العجز والمراوحة في المكان والنكسات وتواتر الصواريخ الحوثية التي تضرب عمق المملكة، دفعت الأمير إلى سلسلة التغييرات التي يُراد منها تحميل رئاسة الأركان أو الدفاع الجوي مسؤولية التقصير.
فإذا كانت تهمة الفساد واسترداد أموال الدولة المنهوبة هي التي قادت بن سلمان إلى احتجاز عشرات الأمراء والوزراء السابقين وكبار رجال الأعمال، فما الذريعة التي تبرر هذه الإعفاءات والتغييرات؟
هل يُتهم هؤلاء بسوء الإدارة في الميدان، أم بالقصور في التخطيط لمعارك اليمن، أم بوصول المشروع العسكري السعودي في اليمن إلى نقطة مسدودة، وهم مجرد قادة ميدانيين يأتمرون بما يمليه عليهم صاحب المغامرة الأصلي، منذ أن كان وزيراً للدفاع وحتى اليوم بعد أن استأثر بموقع ولي العهد؟
ثم ما ذنب رئيس الأركان أو قادة الدفاع الجوي والصاروخي والقوات البرية، أو ماذا يمكن أن يفعل الخلف أكثر مما فعل السلف، إزاء الوضع العسكري العالق الذي يشهده تحالف المملكة في اليمن، بعد أن وصل التضارب بين المشروعين السعودي والإماراتي إلى درجة التصادم؟
وكيف يمكن للنجاح أن يحالف الفريقين، أو أيهما، إذا كانت ألوية الإمارات على أرض عدن وحضرموت في واد، والقاذفات السعودية التي تقصف صنعاء ومأرب في واد آخر؟
ومما يثير السخرية أن التغييرات العسكرية والوزارية الأخيرة اقترنت بتعيين امرأة في منصب نائب وزير العمل والتنمية الاجتماعية للمرة الأولى في تاريخ المملكة، للإيحاء بأن إجراءات تمكين المرأة لن تقف عند الإجراء «التاريخي» الذي سوف يمنحها حقّ قيادة السيارة.
وهذه محاولة لذر الرماد في العيون، وهي مثل سواها من ترتيبات البيت الداخلي السعودي تطرح السؤال القديم: كيف سيصلح العطار ما أفسد الدهر!
المصدر | القدس العربي