«القدس العربي»: السعودية.. «مكافحة الفساد» أم تجميعه في قبضة واحدة؟
لا يثير ظهور كمّ كبير من البرامج التلفزيونية والتقارير الصحافية والتحليلات والأخبار، تدور جميعها حول المملكة العربية السعودية ووليّ عهدها محمد بن سلمان، خلال الأيام القليلة الماضية، الدهشة بالنظر إلى الخضّات الكبيرة، والمستمرة، التي أنتجتها قرارات وليّ العهد في السعودية نفسها، وكذلك في الأقاليم المجاورة لها، كاليمن والخليج العربي، والأردن وفلسطين وسوريا، وإيران وتركيا.
من ضمن هذا الكمّ الكبير فيلم تلفزيوني مثير لمؤسسة «بي بي سي» البريطانية الشهيرة بعنوان: «آل سعود: عائلة في حرب». وتناول، بين قضايا كثيرة، المسائل المعروفة عن الفساد السياسي (والجنسي) في السعودية.
وتناظر ذلك مع انعدام الحريات السياسية، والعقوبات الصارمة على أي نقد لحكام المملكة، والتي عززتها قوانين «الإرهاب» الجديدة التي أصدرها وليّ العهد، التي تعتبر أي مطالبة بالتغيير إرهابا، ويقدّم الفيلم مثالاً فظيعاً في حالة مجتبى السويكات الذي حكم بالإعدام بعد مشاركته في مظاهرة ومشاهدته صفحة على الانترنت.
إحدى المسائل التي تطرّقت إليها وسائل إعلام عديدة بينها صحيفة «فايننشيال تايمز» (التي نشرت مؤخرا تقريرا عن إجراءات ولي العهد السعودي للسيطرة على مجموعة قنوات «إم بي سي»)، هي ما يسمى بحملة «مكافحة الفساد».
وتبين التفاصيل المتوالية، بوضوح ما بعده وضوح، أن اعتقال وسجن أكثر من 150 أميراً ومسؤولا سابقا ورجل أعمال ضمن هذه الحملة الكبيرة وغير المسبوقة، أن إجراءات حجز الحريّة لهؤلاء جميعاً هدفها مصادرة أموالهم باستخدام القوّة القاهرة والابتزاز والترهيب.
وإذا كانت ممارسات التعسف الغاشم في قضايا السياسة ضد المواطنين تستند شكليّاً إلى بنود القانون، فإن حملة «مكافحة الفساد» تقوم على تجاوز للقوانين وإجراءاتها، وحسب الأخبار المتسربة فالتسويات التي تقوم بها سلطات وليّ العهد تحظر على المعتقلين مقاضاة السلطات ومحاسبتها على مصادرتها لأموالهم من دون وجه حق.
تناظر حملة «مكافحة الفساد» مع أنباء بذخ أوساط وليّ العهد غير المعقول على شراء عقارات وسفن ولوحات بمئات الملايين أظهر، من جهة، التناقض الكبير بين شعار مكافحة الفساد، والصفقات الكبيرة التي يقوم بها رجال وليّ العهد الموثوقون، كما أنه، من جهة ثانية، بيّن أن المطلوب ليس منع الفساد ولكن مركزته في قبضة واحدة هي قبضة وليّ العهد ورجاله.
وإذا كان الرابط بين مركزة الفساد وإعلاء شأن الفردية والاستبداد واضحاً، فإن جلّ التحليلات التي تدرس أوضاع السعودية لم تلحظ بعد الرابط بين هذه السياسات الداخلية لمركزة السلطة والأموال، والسياسات الخارجية.
وبالخصوص الموقف من قطر، والذي يجمع بين الرغبة في الاستحواذ على ثرواتها، والسيطرة على قرارها السيادي، ففي الحالتين، بحيث يتناظر حجز حريات أغنياء السعودية، وجعلهم رهائن، مع إجراءات الحصار ضد قطر، والمطلوب في الحالتين دفع فدية أو «خوّة» لفك الارتهان والحصار.
تتنبأ أغلب التحليلات بنتائج سيئة على حكام السعودية ووليّ عهدها، فخطط التنمية الموعودة لا يمكن أن تتراكب مع هذه الحملة الكبرى لتجريد كبار رجال أعمال السعودية من ممتلكاتهم، بل تجعل من السعودية مكانا خطراً تهرب منه رؤوس الأموال.
كما أن قرارات الانفتاح الاجتماعي كالسماح للنساء بقيادة السيارات ودخول الملاعب الرياضية والتركيز على قضايا الترفيه لا يمكن أن تعوّض السعوديين عن تراجع أسعار النفط وانعدام الحريات السياسية والحروب المفتوحة على كل الجبهات.
المصدر | القدس العربي