“السعودية” تنكّل بمزدوجي الجنسية.. ولا صوت يُسمع من الغرب
تعمد “السعودية” المضيّ في سياساتها القمعية طالما أن الحكومات الغربية شبه صامتة عنها، فحتى تلك الانتهاكات التي تطال مواطنين يحملون جنسية أجنبية، لا تتوانى السلطات السعودية عن تطبيق قمعها عليهم. إحدى هذه القضايا، للمواطن البريطاني أحمد الدوش المُحتجز منذ أكثر من أربعة أشهر في “السعودية” دون توجيه تهمة إليه. وفي سياق تغاضي الحكومات الغربية عن انتهاكات تطال مواطنيها أنفسهم، رفضت وزارة الخارجية البريطانية لمدة شهرين مشاركة أي معلومات حول قضية المعتقل، سواء مع الصحافة البريطانية أو مع زوجته التي أنجبت خلال فترة اعتقاله التعسفي. أحمد الدوش اعتُقِل في شبه الجزيرة العربية بخلال زيارة عائلية له في 31 أغسطس/آب، ولم يُسمح لمسؤولين بريطانيين بمقابلته إلا مرة واحدة في نوفمبر/تشرين الثاني. وفي حين يُعتقد أنه كان في الحبس الانفرادي منذ اعتقاله، وكان بمعزل عن العالم الخارجي لمدة 33 يومًا، لم يُسمح له بمقابلة أي محامٍ في “السعودية”. فيما عينت عائلته محام له في بريطانيا، تؤكد محاميته هايدي ديجكستال المقيمة في بريطانيا إنه ليس له تاريخ في النشاط السياسي. والرجل البالغ من العمر 41 عاما مقيما في مانشستر بموجب عقد مع بنك أوف أميركا كمحلل أعمال كبير. وبالرغم من أن خلفية اعتقاله غامضة وغير معلن عنها، إلا أن ترجيحات تقول أنه تم استجوابه بشأن حساباته المحدودة للغاية على وسائل التواصل الاجتماعي، التي يمتلك عليها ما لا يزيد عن 37 متابع فقط. ويُرجّح أن الأمر يتعلق بنشر دوش تغريدة واحدة تتعلق بالسودان، التي ينحدر أصولها منها، لكنها لم تتضمن أي ذكر لـ”السعودية:، أو دعمها لفصيل واحد في الحرب الدائرة في البلاد. التفسير الآخر المحتمل الوحيد الذي استشهد به محاموه لاعتقاله هو أنه صديق لرجل والده المعارض السياسي السعودي سعد الفقيه، لكن محاميه قالوا إنه لا يعرف الأب، وحتى لو كان يعرفه فإن مثل هذا الارتباط لا يمكن أن يبرر اعتقاله. وقال ديجكستال، رئيس قسم القانون الدولي في غرفة 33 بيدفورد رو، لصحيفة “ذا غارديان” البريطانية، إن أٍرة دوش كانت مترددة بشأن العمل على نشر قضيته، ولكن عدم إحراز تقدم في قضيته والتدخلات الضئيلة من جانب وزارة الخارجية البريطانية لتأمين إطلاق سراحه أجبرتهم على نشر مظلومية دوش. نقلت زوجة دوش وجها من أوجه ما تتكبده من مصاعب جراء الاعتقال التعسفي لزوجها: “لقد أُخذ أحمد مني ومن الأطفال دون سابق إنذار أو تفسير. لقد كان غيابه مؤلمًا للغاية بالنسبة لي ولأطفالي. تابعت “لقد وصل طفلنا الرابع منذ أسبوع واحد فقط ولم يتمكن أحمد من الحضور. لم أتمكن حتى من التحدث معه عبر الهاتف. أنا وأولادي نريد عودته إلى المنزل في أقرب وقت ممكن ونسعى للحصول على الدعم والمساعدة الفعالة من حكومة المملكة المتحدة لحماية حقوقه.” وقال ديجكستال: “إن المعلومات المتاحة تشير بوضوح إلى أن حق الدوش في محاكمة عادلة والإجراءات القانونية الواجبة قد تعرض لانتهاكات جسيمة إلى الحد الذي يجعل من الضروري اعتبار احتجازه تعسفياً بموجب القانون الدولي. وهذا، إلى جانب المعلومات التي تفيد بأن احتجازه يستند إلى ممارسته لحقه في حرية التعبير وعلى أساس ارتباطه المزعوم، يدعم التوصل إلى نتيجة سريعة وحاسمة مفادها أن احتجازه تعسفي”. وفي تطور غير عادي للقضية التي أثيرت في حالات أخرى لمواطنين بريطانيين محتجزين في الخارج، رفضت وزارة الخارجية البريطانية إعطاء زوجة دوش أي معلومات عن سلامته أو مكان وجوده لمدة شهرين ونصف، قائلة إن قوانين حماية البيانات تعني أنهم بحاجة أولاً إلى الحصول على إذنه للتواصل معها. وفي تناولها للقضية، أشارت “ذا غارديان” إلى أن السلطات السعودية كانت في ذلك الوقت تمنع موظفي القنصلية البريطانية من مقابلة دوش، ما جعل الحصول على إذن منه للسماح لوزارة الخارجية بالاتصال بزوجته أمراً مستبعداً للغاية. كما أثيرت قضية تعامل وزارة الخارجية مع القضية في الشكوى المقدمة إلى الأمم المتحدة، حيث زعم المحامون: “إن تصرفات حكومة المملكة المتحدة أدت إلى تفاقم تأثير وضرر اعتقاله”. وفي 16 كانون الأول/ديسمبر، تم تقديم شكوى رسمية بشأن المعاملة التي تلقاها إلى فريق العمل التابع للأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي، جاء فيها أنه تم حرمان دوش من حقه في محاكمة عادلة. “تعمل السعودية على سلب الجنسية الأميركية من المواطنين مزدوجي الجنسية الذين يتم اعتقالهم” وفي قضية أخرى، تعود للمعتقل في السجون السعودية منذ 2022، “السعودي- الأميركي” سعد الماضي، الذي اعتُقِل بسبب تغريدات يعود عمر بعضها إلى سبع سنوات، بحسب الناشط المقيم في واشنطن، ومدير ومؤسس معهد الخليج، علي الأحمد. سعد الماضي (74 عاما) هو واحد من أربعة على الأقل يحملون الجنسيتين “السعودية” والأمريكية يتهمون حكومة محمد ابن سلمان بالضغط عليهم للتخلي عن جنسيتهم الأمريكية. وتحدث نجل سعد الماضي عن قضية والده في مقابلة له أجراها مؤخرا في واشنطن، أشار فيها إلى مفارقة تعامل أميركا في هكذا شؤون مع مختلف البلدان: “كل هذا لأننا لا نريد إزعاج مشاعر حليفنا. لو كان قضية والدي في روسيا أو إيران أو كوريا الشمالية، لكان قد تم إعلان اعتقاله ظلماً منذ أشهر”. وتتعمد السفارة السعودية، بدورها، إلى إهمال أصوات أهالي المعتقلين تعسفيا، حيث أنها لا تعترف بالجنسية المزدوجة. كما وتُلام حكومات الدول الغربية على تغاضيها عن ارتكابات المُنتهكة من “الحكومة السعودية” بحق مواطنيها (الدول الغربية)، سيّما بعيد ما “تعهّد” به الرئيس الأميركي جو بايدن في حملته الانتخابية لعام 2020 بجعل “أفراد العائلة المالكة السعودية منبوذين” بعد أن خلُص مسؤولون استخباراتيون أمريكيون إلى أن مجمد بن سلمان أَذِن بقتل الصحفي جمال خاشقجي المقيم في الولايات المتحدة داخل القنصلية السعودية في إسطنبول. الماضي كان حُكِم عليه بالسجن لأكثر من 19 عامًا بتهم تتعلق بالإرهاب بحجة تغريداته التي انتقد فيها حكم ابن سلمان. وأطلقت “السعودية” سراحه بعد أكثر من عام لكنها فرضت عليه حظرًا على الخروج يمنعه من العودة إلى منزله في بوكا راتون بالقرب من ميامي. وبعد أشهر من إطلاق سراحه، تلقى الماضي مكالمات هاتفية تهديدية من رجال يؤكد ابنه أنهم عملاء لجهاز المخابرات “السعودي”، الذي تتمثل مهمته في القضاء على المخاطر التي قد تتهدد حكم آل سعود. ثم في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تم استدعاء الماضي إلى فيلا في الرياض، حيث وعدوه برفع حظر الخروج إذا تخلى عن جنسيته الأمريكية، وفق ما صرّح به ابنه. وتابع ابنه بأن والده شعر بالعجز، فوقع على وثيقة واتبع التعليمات لمحاولة إعادة جواز سفره الأمريكي إلى السفارة الأمريكية. تمادي حكومي بحق الأجانب لا تُعدّ الحالات التي ذُكرت في الأعلى نقيضة للسلوك العام الذي تتصرف “الحكومة السعودية” على أساسه، ولعل الانتهاكات التي يتعرض لها العمال الأجانب أبرز نموذج لكيف تنظر البلاد إلى المواطنين من جنسيات خارجية. إلا أن المفارقة هي في الصمت الذي يُقابِل هذه الانتهاكات، خاصة مع دول تملك قوة تأثير وتحكم قويّة على “السلطات السعودية”. وخلال العام الماضي تم إعدام أكثر من 100 أجنبي في معدّل مرتفع عالميا، وأغلبهم بحجة “المخدرات” التي تستخدمها السلطات إلى جانب حجة “الإرهاب” للتغطية على أغلب جرائم الإعدام التي تنفذها.