في الذكرى التاسعة لاستشهاد الشيخ النمر: المقدسات الإسلامية منتهكة
تنبّه مبكرا الشهيد الشيخ نمر باقر النمر لنوايا النظام السعودي المبيّتة بحق المقدسات الإسلامية. خلال السنوات الماضية، لم يتورع محمد بن سلمان من كسر المحرمات وتجاوز المقدسات. جريمة البقيع لم تكن إلّا البداية، في 20 فبراير 2009، حيث ارتكتب النظام السعودي جريمة بشعة بحق المئات من شيعة المدينة والأحساء والقطيف من زوّار رسول الله”ص” وعترته الطاهرة”ع” في مقبرة البقيع بالمدينة المنورة، جريمة شارك في ارتكابها جلاوزة النظام المسلحين إلى جانب فلول الوهابيين المطاوعة من عناصر الشرطة الدينية “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” وعشرات العناصر من المباحث باللباس المدني مستخدمين الأسلحة البيضاء وقضبان الحديد والعصي الخشبية مما أسفر عن إصابة عشرات الشيعة من النساء والأطفال والرجال من بينهم علماء دين وطاعنين في السن، ثم عمدت السلطة إلى اعتقال العديد منهم وزجت بهم في السجن بذريعة إثارة الفوضى والاعتداء على رجال الأمن!! أفرز الحدث تفاعلات وردود أفعال ومبادرات واسعة على المستويات الاجتماعية والدينية والسياسية في الأوساط الشيعية، وتلاقفته وسائل الاعلام المحلية والدولية خصوصاً في أعقاب الموقف الشجاع والبارز للشهيد الشيخ النمر الذي لوّح بالذهاب إلى خيار الانفصال بإقليم الأحساء والقطيف إذا تردد الأمر بينه وبين خيارات المسّ بالكرامة والشرف والأعراض والدماء والحقوق الدينية. الشيخ النمر وقضية البقيع لطالما حمل الشيخ نمر النمر، قائد الحراك السلمي في القطيف والأحساء، قضية بناء قبور البقيع في الجزيرة العربية لما لها من أهمية تاريخية ودينية بالنسبة لعموم المسلمين وليس فقط الشيعة. لكن السلطات السعودية التي عملت في السابق على هدم قبور أئمة أهل البيت والصحابة في البقيع، تصدّت لحركة الشيخ النضاليّة، فطاردته قواتها واعتقلته ومنعته من إقامة المهرجانات السنوية لإحياء ذكرى قبور البقيع، وحثّ الناس على المطالبة بإعادة بنائها. في عام 2004 أُستدعي آية الله النمر من قبل السلطات السعودية من أجل إلغاء مهرجان “البقيع حدث مغيب”، وطوّقت منزله سيارات جهاز المباحث، لكنه رفض مصاحبتهم مفضلاً أن يأتي بسيارته، وقد أجبرت السلطات حينها سماحته على إلغاء المهرجان. الشيخ النمر الذي عُرف بشجاعته وإصراره لم تردعه ضغوط النظام السعودي، ففي عام 2005 نظّم سماحته مهرجان البقيع “البقيع الخطوة الأولى لبنائه”، ثم اعتقلته السلطات السعودية لإلغاء المهرجان، وقد استمر بقاء الشيخ في المعتقل من الساعة التاسعة والنصف صباحاً حتى الواحدة ظهراً، ثم أخذ منهم وعوداً بأن يعطى حقه في المطالبة بالبناء وغيرها من المطالبات. تعرّض آية الله النمر للاعتقال مرة أخرى في مايو 2006 فور دخوله الأراضي السعودية بعد زيارة قصيرة للبحرين، إثر مشاركته في ملتقى دولي حول القرآن الكريم. و السبب تقديمه عريضة طالب فيها السلطات السعودية ببناء البقيع والاعتراف بالمذهب الشيعي رسميّاً وإلغاء المناهج الدراسية الحاليّة واستبدالها بمناهج أخرى لا تنتهك عقيدة الشيعة. استمرّ اعتقاله قرابة أسبوع ما أسفر عن خروج تظاهرات احتجاجية في العوامية ساهمت في إطلاق صراحه. رغم أن السلطات السعودية لم تسمح للشيخ النمر بتحقيق هدفه في جعل قضيّة قبور القطيف في صدارة العالم الإسلامي، لكن تلك النداءات رسمت ذكر البقيع في أذهان المسلمين إذ خرجت مظاهرات عديدة في العديد من الدول الإسلامية وفي أوروبا وأميركا للمطالبة ببناء مقبرة البقيع ومنائرها المهدّمة. في أثناء الحراك السلمي الذي شهدته القطيف والأحساء عام 2011، تمكّن سماحته من رفع الصوت مجدّداً والمطالبة بإعادة بناء قبور البقيع، وأكثر من ذلك هاجم آل سعود واستنكر جريمتهم بحق الأضرحة الشريفة، وفنّد بالتفصيل مسؤوليتهم عن هذه الجريمة. سماحة الشيخ النمر وفي محاضرة ألقاها بتاريخ 9 سبتمبر عام 2011، أكّد أن قضيّة هدم قبور البقيع هي مطيّة سياسيّة، وذكر أن القبور المبنيّة لم تُمس من زمن رسول الله ومن بعده، إذ لم يُهدم قبراً واحداً. وبحسب سماحته لطالما كانت القبور موجودة، إلى عهد الرشيد وتحديداً المتوكل، الذي بدأ بهدم قبر الإمام الحسين بن علي عليهم السلام. فأوّل من أسّس هدم القبب هو المتوكّل، ومن يقرأ التاريخ يلاحظ كيف كان الحكّام السياسيين يتلاعبون بالفقهاء. أوضح الشيخ الشهيد، أنه في عام 1216ه هجم سعود بن محمد على مدينة كربلاء في العراق، وسرق ما موجود في المقام ثم هدم ضريح الإمام الحسين عليه السلام. وفي عهد عبد العزيز بن محمد بقيادة ابنه سعود عام 1216ه و1218ه هدمت القباب في مكة، وفي عام 1220ه هدمت القباب في المدينة ما عدا قبر رسول الله الذي فشلوا بهدمه، فعلى امتداد التاريخ عجز الكافرين عن هدم قبر رسول الله. ثم أعيد بناء القبب من قبل الوالي المصري، في عام 1220ه. القضيّة هي سياسيّة بامتياز، أكّد الشيخ النمر، وقال فقد قام نظام آل سعود على محاربة التشيّع، بل حجّموا الدين في مسألة فرعيّة وهي هدم القبور. هذا هو تاريخ آل سعود الذين أمروا بهدم القبب. وتابع، في 17 رمضان عام 1344ه كتب عبد العزيز إلى عبد الله بن بلهيد وحثّه على هدم قبب المدينة مقابل 1000 جنيه، وهذا الأمر موثّق. وفي 25 رمضان من ذات الشهر ابن بلهيد استفتى علماء المدينة والسيف مسلّط عليهم، فمن رفض قتلوه وحصل في المدينة جرائم قتل مهولة لكل من عارض هذا الخيار، كما أُجبر أهل المدينة على المشاركة في الهدم، وفي 8 شوال هدمت القبب. في نفس شهر شوال أرسل عبد العزيز رسالة إلى عبد الله بن بلهيد يشكره فيها على هدم القبب لكنه في نفس الوقت تبرّأ من الجريمة السافرة. مكة والمدينة تحت مطرقة آل سعود بالرغم من أن العديد من مباني ومعمار مكة القديم، خاصة الذي يعود لعهد النبوة، يعتبر آثارًا تاريخية اليوم حسب تعريف الآثار اصطلاحا، ووفقا لما أقرته اليونسكو لمعنى كلمة أثر، إلا أن وتيرة الهدم تحت مزاعم التشييد العمراني الذي يتبناه النظام السعودي منذ السبعينيات يخالف ما أقرته اليونسكو من معايير “واجب” اتباعها في تطوير الأماكن الأثرية في مكة على وجه التحديد التي لم يتم مراعاة سياقها التاريخي أو خصوصيتها الدينية المقدسة. يجري في مكة منذ ما يقارب الخمسة عقود عملية تغيير ممنهج لهوية المدينة، التي كانت على مر قرون قيمة روحية للمسلمين، لتتحول إلى مدينة عالمية! لقد صارت مكة المكرمة في ثوبها الجديد مدينة مزدوجة الهوية، والأسوأ، أن تسارع وتيرة البناء تُهدد بحسم ذاك الصراع الهوياتي لصالح العالمية والعولمة. بدأت المرحلة الأولى من تدمير مكة المكرمة في منتصف التسعينات. المباني القديمة التي لا تُحصى، بما في ذلك مسجد بلال، والتي يعود تاريخها إلى عهد النبي محمد – صلى الله عليه وسلم -، تم تجريفها من أساسها، البيوت العثمانية القديمة وأبوابها المنحوتة ببراعة، تم استبدالها بأخرى حديثة بشعة، وفي غضون بضع سنوات، تحولت مكة المكرمة إلى مدينة حديثة مع طرق متعددة الحارات تظهر للرائي كتقاطعات السباغيتي! ولا يمكن لعينك أن تخطئ الفنادق المبهرجة ومراكز التسوق. أما القلة الباقية من المباني والمواقع ذات الأهمية الدينية والثقافية فقد تم تدميرها في الآونة الأخيرة، حيث تم بناء برج الساعة في 2012 على أنقاض نحو 400 موقع تاريخي وثقافي، بما في ذلك المباني القليلة المتبقية والتي يعود عمرها لأكثر من ألف سنة، وصلت الجرافات في منتصف الليل، وشُردت الأسر التي عاشت هناك منذ قرون. لا تقتصر سياسات النظام السعودي على الإهمال ومنع حصول المواطنين على حقهم الطبيعي من الخدمات الحياتية الضرورية، بل تجاوزه للسعي وتحت مسميات عديدة مبتكرة سعوديا إلى تهجير أهالي الأحياء الأكثر سكانا . وفي هذا الإطار، أعلنت “الهيئة الملكية” لمدينة مكة والمشاعر المقدسة، في وقت سابق، استهدافها إزالة ما يزيد على 4500 عقار بحي النكاسة في جميع المراحل. كما كانت هيئة تطوير منطقة مكة المكرمة قد أطلقت بمشاركة أمانة العاصمة المقدسة حملة لإزالة أكثر من 102 عقار ضمن المرحلة الأولى لتطوير منطقة النكاسة بمكة المكرمة. ويذكر أن عدد العقارات المستهدف إزالتها في المرحلة الأولى يبلغ 102 عقار ضمن 12 مرحلة، ویزعم المشروع توليه مهمة إنشاء العدید من المرافق الترفیهیة والتجاریة والسكنیة. هذا ما آلت إليه الحال بعد تسع سنوات على استشهاد الشيخ نمر باقر النمر، الشهيد لطالما دعا إلى حماية المقدسات الإسلامية في مكة والمدينة وبناء مقبرة البقيع. إلا أن النظام كان طوال الوقت يتمادى في تجاوزاته لاسيما لناحية محو الآثار الإسلامية في المدينتين المقدستين، إلى جانب تنفيذ مشاريع إعمار لا تعكس ثقافة وهوية البيئة الإسلامية.