مموّل الإرهاب الأول ينظّر على “الآخر”

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 36
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

عند استغلال مكسب ما بطريقة غير مشروعة يُقال “إلي تكسبه إلعبه”، ولكن أيضا يُقال لمن يتهم الآخرين بفعل هو صاحبه “إلي تحت باطه مسلة بتنعره”، ومن لم يفهم القول ليَعد إلى محركات البحث. أو لينظر حال أقلام الصحف السعودية التي تفيض علينا باتهامات تنطبق على أسيادها جملة وتفصيلاً. عُقد نهاية الشهر الماضي، فی التاسع والعشرین من حزيران، “المؤتمر العالمي لشهداء الدفاع عن الحرم وجبهة المقاومة” في إيران –في مشهد لا في طهران- الذي يُكرّم خلاله شهداء الدفاع المقدس وأهاليهم. تحدث في المؤتمر قائد الثورة والجمهورية الإسلامية في إيران، السيد علي خامنئي، قائلا أن الاستكبار الغربي كان يخطط لشرق أوسط يكون تحت سلطة الولايات المتحدة عبر دعم المخططات التكفيرية مثل داعش وغيره، مستطردا في كلامه أن المدافعين عن العتبات المقدسة “خرجوا لدفع المخططات الأجنبية التي اكتشفناها في العراق وسوريا ولبنان”. يبدو أن انتصار محور المقاومة على المخططات الأميركية في المنطقة لا يزال يؤرق كتاب البلاط، فيجنحون عن الحديث عن الحروب التي خيضت وعن الانتصارات التي خُطّت والتي كان آخرها إعادة “السعودية” افتتاح سفارتها في سوريا تحت حكم النظام نفسه الذي عملت على مدى سنوات بالبشر والمال على إسقاطه، ويقومون بدلا من ذلك بالعودة إلى إثارة مسائل لا تتلاقى مع المعادلات الاستراتيجية التي نجمت عن حروب سوريا والعراق. وفي ظل شحّ مخزونهم الفكري والعقائدي، يتجه هؤلاء إلى توهين دوافع الطرف المقابل في خوضه الحروب ضد الاستكبار الغربي، فيعودون إلى ممارسة ما يتفننون به من تكفير “الآخر” وتوهين ما يؤمن به عشرات ملايين المسلمين من حتمية قداسة مراقد الأئمة والرسل وصحابة الرسول. واستكمالا لما قام به أسيادهم الأولين من تدمير آلاف من قبور الصحابة من المهاجرين والأنصار (تصل الى عشرة آلاف) وغيرهم من آل البيت والتابعين والشهداء في مقبرة البقيع بالمدينة المنورة، وإزالة القبب، يستمرون اليوم بالتحريض على المراقد التي سلمت من جبروتهم في كل من سوريا والعراق وغيرها. في سياق “من تحت باطه مسلة تنعره”، يتهم المسعودون المقيمين على العتبات المقدسة والمحامين عنها بأنهم يستغلونها كمدخلا لجني المال من النذورات والصدقات! متناسيا ما ينقله المؤرخ الوهابي ابن بشر في (عنوان المجد في تاريخ نجد)، أنه في عام 1220ه- 1805م عندما وصل سعود بن عبد العزيز إلى المدينة المنورة قام بإجبار خدام حرم النبي بأن يدلّوه على خزائن النبي، ليسرق ويستولي على كل ما فيها من النقود ما لا يُحصى، ومن تاج كسرى أنوشروان، الذي حصل عليه المسلمون لمّا فُتحت المدائن. إلى جانب تحف ثمينة من جملة ما أرسله سلاطين الهند بحضرة النبي، صلّى الله عليه وآله، تزييناً لقبّته (ص)، وقناديل الذهب، وجواهر عديدة تم الاستيلاء عليها. ليس هذا فقط، بل كيف لأبناء مستعمرين أن يتحدثوا عن استغلال أماكن دينية للتكسب المالي متجاهلين الأرقام المهولة التي تفرض على جموع المسلمين كشرط لتأدية فريضة الحج! إقدام بني سعود فور وصولهم إلى السلطة في الحجاز على استهداف أضرحة الأئمة والصحابة في مقبرة البقيع وجعلها الشاهد الأول على إجرامهم، كفيل بأن يغنينا عن الكثير من النقاشات التي تجادل في نظرة هؤلاء الأولية للمراقد التي تبقي أثرا للأولياء الصالحين وتبقى مزارا لإحياء ذكراهم والتيمّن بهم، حتى أنهم كانوا على وشك هدم القبة الخضراء فوق قبر رسول الله لولا التظاهرات التي عمت بلاد المسلمين ومنعتهم من ذلك. وإخراجها من الإسلام من يؤمن بزيارة القبور واستحباب زيارة قبر الرسول والصحابة ويؤمنون بشفاعتهم؛ بما يتعارض مع كل المذاهب السنية منها والشيعية، وسبق أن استخدمتها حجة شرعية لغزو كربلاء في 1802 ميلادي. وقد نقلت البعثة الفرنسية في تقاريرها فظائع هذا الغزو، الذي لا يوافقه أحد من أهل السنة والجماعة، في حين ما زالت الوهابية تباركه، وتعتبره من أعمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لا يزال السعوديون يرددون روايات أن إيران جندت الشبان للقتال في كل من سوريا والعراق وأنها تصنّع ، لكنهم لا يتطرقون البتة إلى عشرات التقارير التي أفادت أن مئات آلاف الشبان الذين أتوا من مختلف أصقاع العالم للقتال إلى جانب “داعش” سيما في سوريا والعراق تسللوا من عباءة الفكر الوهابي بإباحة قتل كل من ليس على خطهم، وهو النهج عينه الذي سارت عليه الوهابية واستخدمته ذريعة لها لسفك دماء عشرات آلاف الأبرياء في الحجاز وعموم شبه الجزيرة العربية للسيطرة عليها أخيرا وفرض سلطتها الفاقدة للشرعية والمشروعية. كان تنظيم داعش وتركاته، بكل المشاهد التي صدّرها للعالم والتي عمل فيها على تصوير الإسلام على غير صورته، وبالتقارب الكبير الذي أظهره مع الفكر الوهابي، فرصة عظيمة لتثبيت يقين أن الفكر الوهابي هو العدو الأول للإسلام والمسلمين ومهما حاول أن يعدّل ويحوّر بالأساليب والتقنيات المستخدمة كضرورة لفوارق العصر، يبقى هو منبت الإرهاب في العالم، وهو الهاجس عينه الذي يلاحق محمد بن سلمان اليوم.

/