العلاج بالصدمة.. رسائل السعودية من الخفض المفاجئ في إنتاج النفط

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1952
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

في 5 يناير/كانون الثاني، أعلنت المملكة العربية السعودية من جانب واحد أنها ستخفض إنتاجها من النفط بمقدار مليون برميل يوميا في شهري فبراير/شباط ومارس/آذار المقبلين، الأمر الذي يأتي بمثابة هدية سخية لسوق لا يزال يعاني من صدمة التراجع الاقتصادي لعام 2020.

وفاجأ هذا التعهد السوق.

وفي غضون أيام، ارتفع سعر عقود خام برنت الآجلة إلى ما فوق 55 دولارا للبرميل، وهو أعلى مستوى له منذ فبراير/شباط 2020 قبل أن تتسبب جائحة فيروس كورونا في حدوث تباطؤ اقتصادي عالمي وانخفاض الطلب على الطاقة.

وترقى هذه الخطوة إلى علاج بالصدمة تم إعطاؤه لسوق النفط الذي لم يشهد بعد تبعات الجولة الأخيرة من عمليات الإغلاق بعد ظهور سلالة أكثر عدوى من الفيروس.

وبالنظر إلى حالة عدم اليقين، ترغب زعيمة "أوبك" في إبقاء سوق النفط في حالة تأهب.

فعندما اجتمع وزراء تحالف "أوبك +"، في ديسمبر/كانون الأول 2020، اتفقوا على تخفيف بعض قيود الإنتاج المعمول بها منذ أبريل/نيسان.

وفي محاولة لاستعادة توازن السوق وعكس الضرر الناجم عن حرب الأسعار المؤلمة بين السعودية وروسيا في مارس/آذار كانت النية الأصلية هي تخفيف القيود تدريجيا تحسبا لانتعاش الطلب، مع الأمل في أن يتم طرح اللقاحات والسماح بالعودة إلى بعض مظاهر الحياة الطبيعية.

لكن السلالة الجديدة من فيروس كورونا، وعمليات الإغلاق الجديدة في عدة أجزاء من العالم، والتوزيع الأبطأ من المتوقع للقاح، كل ذلك يلقي بظلال من الشك على توقيت التعافي الذي من شأنه أن يحافظ على إنتاج أعلى.

وأدت هذه المخاوف إلى اتخاذ قرار حذر في ديسمبر/كانون الأول باختبار السوق عبر زيادة الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل في اليوم فقط اعتبارا من يناير/كانون الثاني 2021، بدلا من 1.9 مليون برميل في اليوم التي كانت متفقة عليها في الأصل، مع السماح بهامش إضافي لا يزيد عن 500 ألف برميل أخرى في اليوم.

وتعني الإضافة الصغيرة أن إجمالي التخفيضات لشهر يناير/كانون الثاني سيتم تحجيمها من 7.7 مليون برميل في اليوم إلى 7.2 مليون برميل في اليوم، على الورق على الأقل، نظرا لأن بعض المنتجين الذين لم يلتزموا بشكل كامل بمخصصاتهم سيضطرون إلى إجراء تخفيضات أكبر للتعويض بحلول أبريل/نيسان.

وفي ديسمبر/كانون الأول أصرت روسيا، التي كانت قلقة من التنازل عن حصتها في السوق لمنتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة، على زيادة أخرى للإنتاج في فبراير/شباط، ولم توافق مع أغلبية "أوبك+" على تجميد الإنتاج عند مستوى يناير/كانون الثاني.

وتمكن نائب رئيس الوزراء الروسي "ألكسندر نوفاك"، الذي عمل عن كثب مع وزير الطاقة السعودي "عبدالعزيز بن سلمان"، من انتزاع امتياز صغير، حيث تم التوصل إلى اتفاق للسماح لروسيا وكازاخستان بزيادة طفيفة قدرها 75 ألف برميل في اليوم على مدى شهرين، حتى نهاية مارس/آذار.

وقالت موسكو إنها بحاجة إلى زيادة إنتاجها النفطي بسبب المتطلبات المحلية خلال أشهر الشتاء.

ومع ذلك، فإن الحجم صغير جدا بحيث لا يمكن معالجة هذا الأمر، لذلك كان الروس على الأرجح يريدون بدلا من ذلك توضيح نقطة أنهم لن يتنازلوا بسهولة عن حصتهم في السوق ومنح المنتجين المنافسين ميزة.

وفي الوقت نفسه، فإن الزيادة ليست كبيرة بما يكفي لإخلال توازن السوق، بالرغم من أنه يبدو أنه كان ثمنا ضئيلا يجب دفعه للحفاظ على تماسك مجموعة متباينة من المنتجين الذين لديهم احتياجات ميزانية محلية محددة.

وأعلن "عبدالعزيز" عن قرار خفض الإنتاج السعودي طواعية، ووصفه بأنه هدية للسوق ورسالة مفادها أن المملكة هي "الوصي" على صناعة النفط.

وفي حديثه إلى تلفزيون "بلومبيرج" في 6 يناير/كانون الثاني، قال الوزير السعودي إن القرار لم يكن تحولا، وأنه قرار تجاري بحت يأخذ في الاعتبار ظروف السوق ومستويات المخزون وكذلك الصعوبات التي يواجهها بعض المنتجين في التحالف.

وقال: "لم نتشاور حتى مع أي شخص. شعرنا أن شركاءنا في أوبك، لأسباب مختلفة، خضعوا لتجربة قاسية، وكذلك الصناعة بأكملها. وستكون مطالبتهم بتخفيض إضافي أو قيود إضافية أمرا مؤلما للغاية بالنسبة لهم جميعا.

لذلك، اخترنا اتخاذ هذا الخيار. وكنا نعلم على وجه اليقين أنه يمكننا القيام بذلك".

وأوضح "عبدالعزيز" أيضا أن مخزونات النفط لا تزال أعلى من متوسط ​​2015-2019 الذي تم اعتماده كمؤشر لأرصدة العرض والطلب، وأن المستويات الحالية لا تزال "قريبة من المتوسط".

وردا على طلب للتعليق على حقيقة أن صادرات النفط السعودية إلى الولايات المتحدة في العام السابق قد انخفضت إلى الصفر للمرة الأولى منذ عام 1995، قال الوزير السعودي إن قرارات التسويق اتخذتها "أرامكو" السعودية دون تدخل الحكومة، وربما يرجع ذلك إلى تحسن وضع صافي قيم الخامات البديلة عند تحويلها إلى منتجات مكررة.

وقال إن إنتاج النفط الأمريكي تحسن أيضا في ديسمبر/كانون الأول، ما يعني انخفاض متطلبات الاستيراد.

وأظهرت أحدث البيانات الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن إنتاج النفط الأمريكي ارتفع إلى 11.2 مليون برميل في اليوم في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 من 10.9 مليون برميل في اليوم في سبتمبر/أيلول.

وبالرغم من هذا الارتفاع في الإنتاج، تواصل إدارة معلومات الطاقة توقع انخفاض طفيف في إنتاج النفط الأمريكي، إلى 11.1 مليون برميل في اليوم في عام 2021.

ورأى بعض المحللين أن الخطوة السعودية ليست فقط هدية لروسيا ومنتجي "أوبك +" الآخرين، ولكن لمنتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة الذين تضرروا قليلا في عام 2020 حيث تقلصت هوامشهم الضئيلة بالفعل بسبب تكاليف الإنتاج المرتفعة نسبيا.

ومع ذلك، فإن قرار السعودية يشير إلى رغبتها في تأكيد دورها في سوق النفط. وبالنظر إلى حجم طاقتها الإنتاجية، يعد هذا تنازلا هاما.

وتوقعت "أوبك"، في تقريرها الشهري عن سوق النفط في ديسمبر/كانون الأول، انتعاش الطلب في عام 2021، لكنه يظل دون مستوى ما قبل فيروس كورونا.

وتتوقع "أوبك" أن يرتفع إجمالي الطلب على النفط من 89.99 مليون برميل في اليوم في 2020 إلى 95.89 مليون برميل في اليوم في 2021، وهو تقدير أقل قليلا من الشهر السابق.

ولا تزال الأرقام أقل من طلب عام 2019 بحوالي 100 مليون برميل في اليوم.

وقد يؤدي عدم اليقين الحالي إلى إجراء مراجعة نزولية أخرى، على الأقل في النصف الأول من العام.

وفي تصريحاته الافتتاحية لمؤتمر "أوبك +" في يناير/كانون الثاني، قال "عبدالعزيز" إن الطلب العالمي لا يزال دون المستوى الذي كان عليه في بداية عام 2020، وأن الطلب على وقود النقل، وخاصة وقود الطائرات، "هش بشكل خاص".

ووصف عام 2020 بأنه "رحلة خطرة"، وربما يكون قرار السعودية بالتحرك في الربع الأول الصعب من عام 2021 بمفردها مؤشرا على أن المنتجين أمامهم بعض الطريق قبل الوصول إلى خط النهاية، وهي نقطة تستقر فيها أسعار النفط عند المستويات الأعلى ويتم معها السحب من المخزونات.

المصدر | كات دوريان/معهد دول الخليج العربي في واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد