هل نشهد تحالفًا بين الشيعة والإخوان المسلمين ولماذا؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1990
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

في خضم التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط في الشهور الأخيرة، والصراع المستمر على النفوذ بين إيران من جهة والسعودية والإمارات من جهةٍ أخرى، يطرح الدبلوماسي الإيطالي السابق ماركو كارنيلوس في مقالٍ تحليلي بموقع «ميدل إيست آي» فرضيةً مثيرة على الطاولة، وهي ما إذا كان من الممكن إبرام تحالفٍ بين الشيعة وحركة الإخوان المسلمين السنية، العدو اللدود للسعودية والإمارات.

وإليكم نص المقال:

كانت إحدى أكثر العواقب المثيرة، غير المقصودة، لجريمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي هي الصراع على قيادة العالم الإسلامي.

 

يبدو أن هذا هو أحد الدوافع الكامنة وراء التحرُّكات السياسية لتركيا على خلفية هذه القضية باستخدام التسريبات المتتالية التي أحرجت قادة السعودية الحاليين؛ ما جعل ادعاء آل سعود قيادة العالم الإسلامي، المعتمدة على خدمة دولتهم للحرمين الشريفين في مكة والمدينة، محلًا للتشكيك أكثر من أيِّ وقتٍ مضى.

ليست طموحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، نحو دور قيادي في العالم الإسلامي، جديدةً. وقد عزَّز الدعم الذي يُقدِّمه لجماعة الإخوان المسلمين ودولة قطر التوتُّرات مع المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر، الذين يرون أن جماعة الإخوان تُمثِّل تهديدًا وجوديًا بالنسبة إليهم. وقد دعم المعسكران الفصائل المتقاتلة في ليبيا لسنوات، علاوة على دعم أنقرة بوضوح للدوحة خلال الحصار الذي تتزعَّمه السعودية عليها.

توازن القوى في المنطقة
إن السباق على قيادة العالم الإسلامي – والذي لم يحظ بالكثير من الاهتمام من الاستشاريين ووسائل الإعلام الغربية – قد يتطوَّر إلى شيءٍ أكثر صدامًا يُهدِّد توازن القوى في المنطقة، ألا وهو: تحالف على الأرض بين الإخوان المسلمين، والإسلام السياسي الشيعي.

على الرغم من أن هاتين الحركتين كانتا ضمن طرفين متضادين في ساحة المعركة السورية على طول السنوات السبع الماضية، فإن عقلية المعادلة الصفرية التي تتسم بها المواجهة بين الولايات المتحدة، وإسرائيل، ومصر، والسعودية، الإمارات العربية المتحدة من ناحية، وإيران والعراق وسوريا وحزب الله من ناحية أخرى، قد تحوِّلهم إلى حلفاء. قد يسفر القمع الذي يتعرَّض له الإخوان في مصر والعديد من دول الخليج جنبًا إلى جنب مع العقوبات المتجددة المفروضة ضد إيران وحلفائها عن تبني النهج التقليدي: «عدو عدوي صديقي».

إن علاقة الإسلام السياسي الشيعي بالإخوان المسلمين موجودة، لكن يكاد يكون غير مُلاحَظ منذ عقود. فمن بين المترجمين الرئيسين لأعمال سيد قطب إلى الفارسية، هو المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، ومنذ أوائل خمسينات القرن الماضي، كان سيد قطب هو أكبر مُنظِّري الإخوان، والمعارض الرئيس للرئيس المصري جمال عبد الناصر.

 

 

وبعد إعدامه في عام 1966، ورفضه للعفو قائلًا: «ستصبح كلماتي أقوى إذا قتلوني»، أثَّرَت أعماله بشكلٍ كبير في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وفي الإسلام السياسي بما فيه الدوائر الشيعية.

ومن بين أكثر الزعماء الشيعة تبجيلًا له، آية الله محمد باقر الصدر مؤسس حزب الدعوة الإسلامية الذي ضمَّ أعضاءً من السنة. وقد أُعدِمَ باقر الصدر هو الآخر عام 1980؛ بسبب معارضته لحكم صدام حسين. ونهضت أعمال سيد قطب بدورٍ مهمٍ في الفترة التي سبقت الثورة الإسلامية الإيرانية.

النضال ضد الطغيان
يبدو أن الإسلام السياسي للإخوان والشيعة ينطلق من نظرةٍ اجتماعيةٍ مشتركة تجاه دور الإسلام في المجتمع، أي: النضال من أجل العدالة، وضد الطغيان والظلم. وبعيدًا عن سوريا، لا يمكن إنكار أن إيران وحلفاءها يواجهون نفس أعداء الإخوان بشكل متزايد.

وكلاهما يحتقر فكرة الهيمنة الغربية على المنطقة و«وكلاء الغرب وعبيده» المحليين، سواء إسرائيل أو الأنظمة العربية الدكتاتورية، وينظر إلى فلسطين واليمن كأبرز الأمثلة على الظلم والطغيان، ويعتقد الطرفان أن نمط الحياة والفساد في بعض الملكيات العربية يهين المساواة التي يعظ الإسلام بها.

خلال العقود الأربعة الماضية، مرَّ الشرق الأوسط بتحوُّلين جيوسياسيَّين: الثورة الإيرانية عام 1979، والغزو الأمريكي للعراق عام 2003، ولا تزال عواقب هذين التحوُّلين – سواء المقصودة أو غير المقصودة – معنا، وستظل كذلك لفترةٍ طويلة. ولو لم يُسحَق الربيع العربي بوحشيةٍ عام 2011، لانضم إلى قائمة التحوُّلات هو الآخر.

لا يمكن تصوُّر أيِّ شيءٍ أكبر بمقدوره تغيير قواعد اللعبة بقدر التقارب المُحتَمَل بين الإخوان وحركات «المقاومة» الشيعية؛ وستقوم علاقتهما على أساس حملة سياسية مبنية على فهم ديني واجتماعي قد لا يكون مسبوقًا في تاريخ المنطقة الحديث.

وفي حين تُصوَّر إيران والإخوان بشكل متزايد كتهديدٍ محتمل لسلطات الاستبداد العلمانية والملكية في العالم العربي، فمن الصعب تخيُّل مستوى التهديد الذي قد ينشأ بسبب التزاوج السياسي بين مصالحهما، وترجمته إلى تحالفٍ متماسك وعملٍ عسكري على أرض الواقع. لطالما كان استهداف عدوين مختلفين في آن واحد خيارًا إستراتيجيًا سيئًا.

طرد الولايات المتحدة
من ناحيةٍ أخرى، تجاهلت الولايات المتحدة وحلفاؤها هذا الدرس الأساسي. فقد سلكوا سياسةً جريئةً تستند إلى طموحٍ مشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية لإرغام إيران على تغيير النظام، والحد من مصالح تركيا وتطلُّعاتها، في حين تقدِّم للشارع العربي «حلَّ بانتوستان» غير المستساغ للقضية الفلسطينية. ومع ذلك، وبعد التهوُّر الذي اتَّسَمَت به قضية خاشقجي، يبدو أن وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان قد هدم ما لديه من قدرة على الإقناع.

علاوة على ذلك، تحد الانتخابات المنتظرة في إسرائيل، والتحقيقات القضائية في صفقاتٍ مشبوهة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، من قدراته. وأدَّت سياسة ترامب في سوريا إلى كثيرٍ من الارتباك بين حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، بغض النظر عمَّا تستطيع زيارات مايك بومبيو المكوكية تحقيقه.

 وفي تلك الأثناء، وبينما لم تعد الدول العربية وإسرائيل تخفي الاتصالات المتنامية والمصالح المتقاربة في ما بينهم، تستطيع إيران وتركيا إيجاد صيغة للتعاون السياسي بين الإخوان المسلمين والإسلام السياسي الشيعي. ويمكن للبلدين أن يتحرَّكا لإعادة تصميم الخريطة الجيوسياسية للشرق الأوسط كنوعٍ من أنواع السيادة المشتركة، بالتعاون مع روسيا كمديرٍ يقظ.

بإمكان براجماتية الأطراف الثلاثة، إلى جانب المصلحة المشتركة في إخراج الولايات المتحدة من المنطقة، أن تسمح لهم بإدارة التناقضات المتأصِّلة في علاقتهم، مُتمَثِّلة في بقاء بشار الأسد بسوريا.

وإذا تحقَّق هذا السيناريو، فليس هناك ما يمكن لمحور أمريكا-إسرائيل-السعودية أن يفعله لمنع ذلك سوى شنِّ حربٍ كبرى أخرى تستمر لعقود، وبنتيجةٍ غير مضمونة.