عام على الأزمة الخليجية.. رباعي الحصار فقد معظم داعميه

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2324
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

محمد الجوهري
 يجمع محللون على أن أحد أبرز الأهداف التي وضعت قبل اتخاذ قرار مقاطعة قطر وحصارها من قبل الرباعي العربي، بالتنسيق مع أطراف دولية وإقليمية، في يونيو/حزيران 2017، كانت خلق حالة مقاطعة للدوحة تأخذ طابعا إقليميا ودوليا يتجاوز حجم الدول الأربع المحاصرة.
ولتحقيق ذلك الهدف، سعت دول الحصار إلى تحويله إلى قرار إقليمي ثم دولي ليكون الخناق على قطر مشددا بقبضة مؤلمة تدفع الدوحة في النهاية إلى الرضوخ، بدلا من مقارعة أطراف متعددة.
لهذا السبب، دارت عجلة النفوذ السعودي والإماراتي تحديدا بقوتها القصوى لإشراك أكبر عدد من الدول في القرار الذي تم اتخاذه سريعا، وبعد أن أتت السعودية بالبحرين والإمارات بمصر، حاولت الرياض وأبوظبي الإتيان بعواصم أخرى، متترسة بضوء أخضر من إدارة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، وهو الضوء الذي اتضح، فيما بعد، أنه كان متقطعا، حيث استمد طاقته من «ترامب» فقط، بمعزل عن السياسة الأمريكية الخارجية والأمنية.
على أية حال، لم تفلح تروس النفوذ السعودي والإماراتي الدائرة بقوتها، إلا في جذب بعض الدول الأفريقية التي كانت تسعى إلى عدم تعريض علاقاتها مع السعودية تحديدا إلى الخطر، لأسباب اقتصادية ودينية أيضا.
ومع إعلان الرباعي العربي قرار قطع العلاقات مع قطر وحصارها، تجاوبت كل من الأردن، وموريتانيا، والسنغال، وتشاد، وجزر القمر، وجيبوتي، بطرق مختلفة، فيما أفادت تقارير برفض كل من السودان والصومال والمغرب ضغوطا سعودية للانخراط في الأمر.
في بداية الأزمة، انضمت كل من موريتانيا وتشاد وجزر القمر وموريشيوس والمالديف بكل الثقل إلى المحور السعودي، حيث أعلنت قطع العلاقات مع قطر تماما، بينما سحبت السنغال سفيرها من الدوحة، وخفض الأردن وجيبوتي تمثيلهما الدبلوماسي هناك.

كيف أثرت السعودية على الدول الأفريقية؟
وفي يوليو/تموز 2017، كشف تقرير لصحيفة «لوموند» الفرنسية كتبه الباحث المتخصص بالشؤون الأفريقية «بنجامين أوجي»، عن بعض وسائل الضغط التي تستخدمها المملكة العربية السعودية من أجل التأثير على دول أفريقية، وإجبارها على مجاراتها في قرارها قطع العلاقات مع قطر، في ظل إصرار بعض هذه الدول على الوقوف في وجه هذه الضغوط.
وبحسب الصحيفة، فإن السعودية تستخدم هذه الأسلحة من أجل جر هذه الدول؛ حيث إن رؤساء الدول الأفريقية التي تعيش فيها أغلبية مسلمة، أو توجد بها أماكن عبادة ومؤسسات دينية، تسيطر عليها السعودية من خلال مؤسسات خيرية، تعرضوا لضغوط هائلة منذ اندلاع الأزمة في الخليج.
كان أمام قطر أن تفرز تفاصيل هذا التطور بهدوء، لتحاول معالجة ما أفسدته تروس السعودية في هذا الإطار، وتمخض عن هذا الأمر تطورات مهمة تمثلت في إعادة كل من السنغال وتشاد علاقاتها مع الدوحة بشكل صريح، بينما فضل الأردن وجيبوتي أن يكون الأمر تدريجيا، لعدم إغضاب السعودية، لكن المحصلة في النهاية أن المعسكر الأفريقي والعربي الذي حاولت دول الحصار تحشيده في حربها ضد قطر قد تفكك.

مكالمة هاتفية تأتي بالسنغال
كانت السنغال أول الخارجين من الفسطاط السعودي، حينما أعلنت في أغسطس/آب 2017 إعادة سفيرها إلى قطر، بعد شهرين فقط من الأزمة.
وجاء القرار السنغالي بعد مكالمة هاتفية بين أمير دولة قطر الشيخ «تميم بن حمد آل ثاني»، والرئيس السنغالي «مكي صال»، مساء 21 أغسطس/آب 2017، وكانت المكالمة كفيلة بإعادة العلاقات إلى نصابها الطبيعي.
وتعد السعودية من أبرز ممولي السنغال اقتصاديا، حيث مول الصندوق السعودي للتنمية مشاريع كثيرة في السنغال في مجالات بينها الطرق والفنادق والصحة والزراعة، لكن الرياض تأخذ مقابل ذلك تعهدا مستمرا من داكار بدعمها عسكريا عن طريق الجيش السنغالي القوي، والذي اكتسب خبرات قتالية نتجت عن انخراطه في نزاعات وحروب بمحيطه.
ووفقا لهذا الأمر، قد تكون المعادلة بين السنغال والسعودية متوازنة قليلا، مما أعطى المرونة لداكار للتفكير بشكل أكثر استقلالية فيما بعد، لتصل إلى نتيجة مفادها أن الانخراط في مقاطعة قطر لن يكون في مصلحتها، على المدى البعيد.
ويتوقع أن تكون استراتيجية قطرية قد تم بلورتها لإحداث توازن داخل الملعب السنغالي مع السعودية في هذا الإطار.

مذكرة تفاهم تخرج تشاد من الحلف السعودي
وفي 20 فبراير/شباط 2018، أعلنت تشاد إعادة العلاقات مع قطر، بعد توقيع مذكرة تفاهم مع الحكومة القطرية بهذا الخصوص، في الدوحة، بين وزيري خارجية البلدين.
وتعليقا على هذه الخطوة، قالت المتحدثة باسم الخارجية القطرية «لولوة الخاطر»، عبر حسابها الرسمي بـ«تويتر»، إن توقيع مذكرة تفاهم بين دولة قطر وجمهورية تشاد يعتبر انتصارا لدبلوماسية كلا البلدين.
وأضافت: «دبلوماسية تقوم على مبادئ الحوار وتنمية المصالح المشتركة التي تعود بالخير والسلام والازدهار على الشعبين».
ويتوقع أن تكون تشاد قد تشجعت على إعادة العلاقات مع قطر، بسبب القرار السنغالي في هذا الإطار، علاوة على عدم تجاوب جارتها السودان مع الأمر، والأخيرة دولة عربية قد تكون معنية بشكل أكبر بالتضامن مع السعودية.

الأردن.. خطوات على استحياء
بعد إعلان الأردن عن تخفيض تمثيله الدبلوماسي مع قطر، كان واضحا أن الإمارات استخدمت علاقة المصاهرة التي تجمع بين البلدين لاستمالة الأردن إلى معسكر الحصار.
ومن المعروف أن نائب رئيس دولة الإمارات وحاكم دبي الشيخ «محمد بن راشد آل مكتوم» متزوج من الأميرة «هيا»، ابنة ملك الأردن الراحل «الحسين بن طلال»، وشقيقة العاهل الأردني الحالي الملك «عبدالله الثاني».
لكن واقعيا لم يكن هناك سبب آخر يدفع الأردن للتجاوب مع ضغوط الإمارات والسعودية، لهذا جاء القرار الأردني في البداية مقتصرا على تخفيض العلاقات مع قطر وليس قطعها.
وتكبد الأردن خسائر فادحة بعد إغلاق الحدود البرية من السعودية لقطر، وسجلت قطاعات تصديرية بالأردن كانت تنشط في قطر، خسائر بملايين الدنانير منذ 5 يونيو/حزيران من العام الماضي.
وبحسب أرقام صادرة عن دائرة الإحصاءات العامة الأردنية (حكومية)، بلغ حجم الصادرات الأردنية إلى قطر، خلال الثلث الأول من العام الماضي، 40.5 مليون دينار (57.1 مليون دولار)، مقارنة بنحو 31 مليون دينار (43.7 ملايين دولار)، خلال الفترة نفسها من عام 2016، وهي أرقام تدل على أهمية قطر بالنسبة للاقتصاد الأردني، المصنف على أنه اقتصاد فقير.
العلاقات السعودية الأردنية أيضا لم تكن ساخنة وحميمية لدرجة تشجع الأردن على التمادي في مقاطعة قطر، حيث تحدثت تقارير عن سعي الرياض إلى التأثير على العلاقات الأردنية الاستراتيجية بالولايات المتحدة، وهو ما أثار حفيظة عمان.
علاوة على ذلك، قوبل القرار الأردني بتخفيض العلاقات مع قطر بمعارضة داخل البرلمان هناك، حيث دعا عدد كبير من نوابه إلى عودة سفير قطر في الأردن، «بندر بن محمد العطية» إلى عمان، مشددين في الوقت ذاته على أن العلاقات التي تجمع بين الأردن وقطر هي أكبر من كل الخلافات.
ومثلت تهنئة ملك الأردن لأمير قطر بالعيد القومي للأخيرة، نقطة محورية حسمت الأمور كثيرا، وأشارت إلى قرار أردني بإعادة الاستدارة نحو قطر مجددا، ولكن بشكل متدرج، لعدم استفزاز السعودية وإغضاب الإمارات، وساعد على هذا الأمر التقارب الأردني التركي الذي حدث منذ أشهر.

جيبوتي تفكر بالعودة
كان قرار جيبوتي بتخفيض تمثيلها الدبلوماسي في قطر مكلفا للغاية، حيث أثر ذلك على الوساطة القطرية الفاعلة بين جيبوتي وإريتريا، لاسيما بعد أن أعلنت الدوحة قرارا غاضبا بإنهاء تلك الوساطة، احتجاجا على خطوة جيبوتي، بحسب مراقبين.
وكانت قطر تتوسط بين جيبوتي وإرتيريا منذ النزاع الحدودي بين البلدين في 2008، وفي إطار الوساطة نشرت الدوحة المئات من قواتها على طول الحدود بين البلدين، بعدما نجحت في إقناع البلدين بتوقيع اتفاقية سلام بينهما في الدوحة؛ لتسوية النزاع الحدودي في مارس/آذار 2011، لكن الدوحة سحبت تلك القوات إثر الموقف الجيبوتي.
آخر جهود الوساطة القطرية كان في مارس/آذار 2016؛ إذ أفرجت سلطات إريتريا حينها عن 4 أسرى جيبوتيين كانوا معتقلين في السجون الإريترية منذ 8 سنوات.
البيان الذي أصدرته جيبوتي، خلال قرارها بخفض العلاقات مع قطر طالب بـ«حل الخلاف القائم عن طريق الحوار وعبر تكاتف الدول العربية»، مؤكدة تمسكها بالحفاظ على العلاقات الطيبة مع جميع الدول العربية، وهو ما فسر على أن خطوة جيبوتي تجاه قطر لم تكن عن اقتناع، بل كانت نتاج ضغوط بحتة، وأن جيبوتي لم تشأ إغلاق كافة الأبواب مع الدوحة، مفضلة مواربة بعضها، انتظارا لما سيحدث.

السودان يرفض الضغوط السعودية
تعد قطر من أبرز الدول التي قامت بأدوار مهمة في الوساطة بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة في دارفور منذ عام 2008، ويُعتبر اتفاق الدوحة الذي وُقّع بين الطرفين، في فبراير/شباط 2013، تتويجا لنجاح هذا الجهد، وهو ما انعكس على موقف السودان المعتدل من الأزمة الخليجية والساعي للحوار والحل.
وواقعيا، كان الموقف السوداني براغماتيا، حيث تتمتع الخرطوم بعلاقات اقتصادية قوية مع قطر، ساعدتها على مواجهة الضغوط السعودية لقطع العلاقات، وقد وعدتها قطر بتوسيع الدعم الاقتصادي، مقابل هذا الأمر، علاوة على أن السودان يمنح السعودية أيضا ما يمكن أن يعتبر حماية عسكرية عبر اشتراكها بأكبر قوة برية عربية ضمن «التحالف العربي» الذي تقوده المملكة ضد «الحوثيين» في اليمن.
وكان السودان تضرر من حملات إعلامية مصرية منذ الانقلاب العسكري في مصر عام 2013، وعدم استطاعة السعودية لجم هذا الأمر، بناء على طلبات سودانية، سببا إضافيا في عدم رضوخ الخرطوم لضغوط الرياض لمقاطعة الدوحة.

الصومال أيضا
فور اندلاع الأزمة الخليجية، خرج بيان من وزارة الخارجية الصومالية ليتحدث بلغة واضحة داعيا إلى حل الأزمة بين الأشقاء الخليجيين، عبر الحوار من خلال الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، معربا عن استعداد الصومال للمساهمة من أجل إيجاد حل لإنهاء الأزمة.
لكن تقارير صحفية نقلت عن مسؤولين صوماليين قولهم إن 6 من وزراء الحكومة الصومالية تعرضوا، خلال زيارة للسعودية أجروها خلال هذا التوقيت إلى ضغوط لقطع العلاقات مع قطر، وتهديدات بوقف المساعدات الإنمائية.
وتحدثت تقارير أخرى عن أن السعودية امتنعت عن تقديم 50 مليون دولار أمريكي كمساعدات كانت تعهدت بها سابقا للصومال، كوسيلة ضغط على مقديشو، لكن السفير الصومالي في جنوب أفريقيا نفى هذا الأمر، في تصريحات إعلامية.
ولجأت طائرات تابعة للخطوط الجوية القطرية إلى استخدام المجال الجوي الصومالي لتجاوز العقوبات التي فرضتها دول عربية على الطيران القطري.

جنوب أفريقيا رفضت الضغوط
في 30 أبريل/نيسان الماضي، كشف سفير جمهورية جنوب أفريقيا لدى الدوحة «فيصل موسى»، عن رفض بلاده ضغوطا سعودية لقطع العلاقات مع قطر في بداية أزمة الحصار الراهنة، مؤكدا دعم بلاده لحل الأزمة عبر الحوار.
وقال «موسى» في حوار مع صحيفة «الراية» القطرية بمناسبة احتفال بلاده باليوم الوطني، إن «السعودية طالبتنا بغلق سفارتنا في الدوحة وقطع العلاقات السياسية والتجارية مع قطر، لكننا أمة نيلسون مانديلا ونؤمن أنه لا يمكن الوصول إلى حل عندما يتوقف الحوار».
وبشكل عام، يقول محللون إن عدم توحد الموقف العربي والخليجي في الأزمة خلف السعودية، كان سببا مهما في خروج دول أفريقية من الطوق السعودي، ورفض دول أخرى الانخراط في الأمر.
لا يجب أن ننسى أيضا الرفض الغربي والدولي لحصار قطر، والذي جاء واضحا في لغة ألمانيا وفرنسا خلال تفاعلهما مع الأزمة، علاوة على التراجع الأمريكي بعد فشل دول الحصار في إحداث صدمة تضمن تركيعا سريعا للدوحة.
الخلاصة هنا هو أن قطر تدخل عامها الثاني تحت الحصار السعودي الإماراتي البحريني المصري، وقد انفرط عقد داعميه، وهو ما يعد انتصارا صريحا للدوحة.

المصدر | الخليج الجديد