السعودية نحو العلمانية.. ابن سلمان ينقضّ على "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2297
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

هل من الممكن أن تتحول المملكة العربية السعودية إلى دولة علمانية؟ سؤال يبدو صادمًا للكثيرين، خاصة أن آل سعود يتكئون منذ نشأتهم على أعمدة الدين والمذهب الوهابي، ويتخذون من دعاتهم وعلمائهم جواز مرور نحو شرعيتهم وتثبيت أركانهم من خلال البيعة والحث على السمع والطاعة.

غير أن العامين الأخيرين خطت المملكة قفزات أخذت بقطارها صوب مناحي أخرى بعيدة تمامًا عن تلك التي اتكأت عليها طيلة العقود الماضية، عبر ما أطلق عليه "الإصلاح الشامل" بالتزامن مع صعود نجم محمد بن سلمان، ولي العهد المتوج مؤخرًا، وإعداده لخلافة والده على كرسي العرش.

وبعد سلسلة من الخطوات التي اتخذتها الرياض في هذا المضمار الجديد، ها هو مجلس الشوري يعتزم التصويت على مقترح بإلغاء "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"  - وهي الهيئة الدينية الشرطية الأكثر نفوذًا في المملكة -  وضمها لتصبح فرعًا من وزارة الشؤون الإسلامية في محاولة لكتابة شهادة وفاتها بصورة شبه كاملة.

حالة من الجدل أثارتها تلك الخطوة لدى الأوساط المراقبة لمنظومة الإصلاحات التي يقوم بها ولي العهد الشاب، لما تحمله من دلالات سياسية ومجتمعية، مما دفع البعض إلى الربط بينها وبين التصريحات المنسوبة لسفير الإماراتي لدى واشنطن يوسف العتيبة، بشأن طبيعة النظم الحاكمة في الشرق الأوسط، فهل باتت المملكة على مشارف مرحلة جديدة من العلمانية؟ وهل ينجح آل سعود في الانسلاخ من عباءة الدين وسيطرة الوهابية؟

استقلالية على المحك

في خطوة على طريق الإصلاحات الشاملة في البلاد، يعتزم مجلس الشورى السعودي، الأسبوع المقبل، التصويت على مقترح بشأن ضم "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" إلى وزارة الشؤون الإسلامية،  وبذلك تتحول الهيئة إلى إدارة تابعة وليست سلطة مستقلة كما كانت عليه في السابق.

عطاء السبيتي عضو مجلس الشورى، وصاحب الاقتراح المقدم بجانب زميلين له، برر هذه الخطوة من خلال بعض النقاط التي أوردتها صحيفة "عكاظ" السعودية نقلاً عنه، تلخصت في الآتي:

أولاً: أن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الناحية الشرعية واجبًا على كل مسلم، وليس هناك حاجة لتنظيمها في هيئة واحدة.

ثانيًا: النصوص الشرعية التي تدعم هذه الشعيرة لم تشر إلى وجوب تكوين جهاز أو هيئة ذي كيان مستقل، ومن ثم إمكانية تضمينها في إدارات وهيئات أكثر شمولاً وتنوع كوزارة الشؤون الإسلامية.

ثالثًا: توصية الأعضاء لهذا المقترح جاء فيها أن عهد الصحابة والتابعين كانوا يعتمدون على الأمر بالمعروف لتنظيم الحياة المدنية تحت مظلة الدين، ولم يقدموها شعيرة منفصلة.

رابعًا: الدمج يأتي متماشيًا مع رؤية الدولة بإعادة هيكلة بعض الوزارات والأجهزة والمؤسسات والهيئات العامة بما يتوافق مع رؤية المملكة 2030، بهدف تكامل أعمال جهاز الهيئة مع وزارة الشؤون الإسلامية، مما يؤدي لرفع وتيرة التنسيق بينهما وتحسين الأداء والتوظيف الأمثل للموارد المالية والبشرية.

معروف أن "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " أحد أنواع "الشرطة الدينية" صاحبة الصلاحيات الواسعة داخل السعودية، فبإمكانها توقيف أي شخص داخل المملكة، فضلاً عن اتخاذ الإجراءات القانونية معه ومنها الحبس للمواطن أو الترحيل للمقيم، لديها ما يقرب من 8 آلاف وظيفة، وميزانية تقدر لـ1.164.452.000 ريال،  وهي أحد الأعمدة الرئيسية لنظام حكم آل سعود.

يعتزم مجلس الشورى السعودي، الأسبوع المقبل، التصويت على مقترح بشأن ضم "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" إلى وزارة الشؤون الإسلامية،  وبذلك تتحول الهيئة إلى إدارة تابعة وليست سلطة مستقلة

 

 

أوراق اعتماد عدة قدمها ابن سلمان للرئيس الأمريكي الجديد

انتقادات لاذعة

تعرضت الهيئة خلال السنوات الأخيرة إلى حزمة من الانتقادات ساهمت بشكل كبير في التأثير على سمعتها داخليًا وخارجيًا، وهو ما دفع البعض حينها إلى القول بأن هناك نية مبيتة للقضاء على هذا الكيان الذي ما عاد يتواكب وتوجهات المملكة الجديدة الساعية إلى مغازلة العالم بالتراجع خطوة للوراء عن سياسات التشدد وتضييق الخناق على الحريات الدينية التي دومًا ما كانت تتصدر قائمة الاتهامات الموجهة للرياض.

وسائل الإعلام سجلت بعض الوقائع التي مارستها الهيئة وتسببت في زيادة سهاد النقد الموجهة لها، على رأسها وقائع شهيرة لمطاردة السيارات تسببت في حوادث أسفرت عن سقوط قتلى مما دفع رئيس الهيئة إلى حظر هذه المطاردات في 2012، كذلك المقطع المصور المنسوب لبعض أعضاء الهيئة يعتدون على فتاة خارج مركز تجاري بالرياض، بزعم إجبارها على تغطية وجهها وارتداء الحجاب.

الأمر لم يقف عند حد وسائل الإعلام فحسب، بل تجاوز ذلك إلى الجهات الحكومية والتشريعية، فقد وجه عدد من أعضاء مجلس الشورى انتقادات لاذعة للهيئة وذلك خلال مناقشة التقرير السنوي لها عن العام المالي 1436/1437، على رأسها التشدد في عمليات الضبط، حيث أورد التقرير أكثر من 200 ألف قضية ضبط سنويًا، تم إنهاء ما يقرب من 180 ألف قضية بالتعهد والنصح، وهذا يدل على أن الجهاز لديه حالة من التشدد في عمليات الضبط للوقائع، حسب ما أشار اللواء علي التميمي عضو المجلس في تصريحات لصحيفة "الوطن" السعودية.

ورغم واقعية تلك الانتقادات وما تمثله من تهديد للدور الذي تقوم به الهيئة، فإنها ليست الدافع الوحيد وراء مساعي الإطاحة بها وإدماجها ضمن وزارة الشؤون الإسلامية، خاصة أنها تأتي في ظل حزمة من القرارات الإصلاحية التي تتماشى و"رؤية 2030"، ومن ثم هل يمكن القول إن هيئة الأمر بالمعروف كانت ضحية لرؤية ولي العهد السعودي؟

 


الهيئة ورؤية 2030

سعت السعودية منذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم وإعطاء نجله ولي العهد، المزيد من الصلاحيات، إلى تقليل النفوذ الديني داخل المملكة من خلال استراتيجية جديدة تعتمد على ما سمي بـ"الإصلاحات" لنقل المجتمع السعودي نحو مزيد من الاستقلالية عن سيطرة التيار الوهابي.

ولي العهد الطامع في خلافة والده نجح في ترجمة هذه الاستراتيجية من خلال رؤيته الجديدة 2030 والتي تعتمد في المقام الأول على إعادة هيكلة منظومة الثوابت المجتمعية والدينية والثقافية التي تتبناها المملكة بما يتواكب مع مستجدات العصر في ظل الضغوط الممارسة على الرياض لا سيما من الغرب.

 

 


هذي مو لاس فيجاس.. هذي الرياض في شارع التحليه
بعد ما تبدلت هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بهيئة الترفيه.!

 

العديد من القرارات التي تم اتخاذها خلال الأعوام الثلاث الأخيرة تشير إلى تحول جذري واضح في توجهات المملكة من المجتمع المحافظ إلى مجتمع أكثر انفتاحًا، وذلك من خلال عدد من الشواهد منها:

أولاً: إنشاء "هيئة الترفيه".. تلك الهيئة التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل ودفع السعوديين إلى تحويل نفقات السياحة الخارجية للداخل من خلال توفير ما يبحث عنه السائح السعودي ويدفعه للسفر، وهو ما يفسر إقامة العديد من حفلات الغناء والموسيقى في عدد من المدن على رأسها جدة والرياض والدمام، ورغم الجدل الذي صاحب هذه الأنشطة فإنها أقيمت وسط إقبال كبير من السعوديين.

هذا بخلاف إقامة العديد من المسابقات الترفيهية والرياضية كالمصارعة للرجال والفتيات على حد سواء، وسباق السيارات في جدة، بسعة 6000 مشاهد في شوارع المدينة، وفي تجربة هي الأولى من نوعها تشهد السعودية برنامج المواهب "Got Talent" في مركز الملك عبد الله الثقافي.

وجه عدد من أعضاء مجلس الشورى انتقادات لاذعة للهيئة وذلك خلال مناقشة التقرير السنوي لها عن العام المالي 1436/1437، على رأسها التشدد في عمليات الضبط

 ثانيًا: منتجع البحر الأحمر السياحي.. حيث تنتوي المملكة إقامة أحد أكبر المنتجعات السياحية على البحر الأحمر، من خلال تحويل مئات الكيلومترات من البحر إلى منتجع يخضع لقوانين خاصة توائم القوانين والمعايير العالمية ولا يخضع لقوانين السعودية، وهو المشروع الذي سيتم إنشاؤه على 50 جزيرة في مساحة قدرها 34.000 كيلومتر مربع، والمتوقع الانتهاء منه خلال عامين، ويسمح خلاله بوجود الأجنبيات دون أي قيود على ملابسهم.

ثالثًا: تخفيف القيود عن المرأة.. بعد تعنت دام طويلاً من قبل التيار الديني السعودي حيال قيادة المرأة السيارة وخروجها دون محرم، وهو ما تسبب في توجيه العديد من الانتقادات الحقوقية للمملكة، ها هي المرأة السعودية تحصل على المزيد من الحقوق في إطار الرؤية الجديدة، منها حرية الذهاب والتنقل والعمل دون مرافق، إضافة إلى السماح لها بحضور فعاليات اليوم الوطني السعودي داخل استاد الملك فهد بالرياض في سابقة هي الأولى من نوعها، هذا بخلاف ما يتردد بشأن المزيد من الحقوق ستحصل عليها السعوديات خلال الفترة المقبلة، مما يعكس حجم النقلة التي تخطوها المملكة في هذا المجال.

 

 

نشاط مكثف لهيئة الترفيه في الآونة الأخيرة

علمانية أم دينية؟

لو ربطنا الإجراءات والقرارات التي اتخذتها السعودية مؤخرًا في إطار رؤية ولي عهدها الجديد مع التصريحات التي قالها يوسف العتيبة سفير أبو ظبي في واشنطن، حين قال: "الخلاف مع قطر ليس دبلوماسيًا، بقدر ما هو خلاف فلسفي بشأن رؤية الإمارات والسعودية ومصر والأردن والبحرين لمستقبل الشرق الأوسط"  وتابعها: "إن رؤية الدول الثلاثة لحكومات الشرق الأوسط بعد عشر سنوات هي حكومات علمانية"، ربما نصل إلى إجابة محددة عن السؤال الأكثر حرجًا وهو: السعودية دولة دينية أم علمانية؟

وقبل البدء في الإجابة عن هذا السؤال، هناك بعض الدلالات التي يجب أن توضع في الاعتبار لما تعكسه من مؤشرات بشأن حقيقة التكوين السياسي للنظام السعودي برمته، ومكانة التيار الديني بداخله، وما يمكن أن يلعبه من دور مؤثر دفاعًا عن الدين الذي يزعم تمثيله.