لماذا قد يفشل “مشروع مارشال” في الشرق الأوسط؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1833
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ناشيونال انتريست – التقرير
مرر وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، اقتراحات سياسية ضخمة، لمن يتبعه في الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة الأمريكية. حيث صرّح في العاشر من شهر يناير، في مؤتمر بمعهد الولايات المتحدة للسلام بواشنطن، قائلا: “أرى أننا في حاجة إلى التخطيط لمشروع مارشال جديد بأسرع وقت ممكن، ليتمحور حول مد يد العون لأهم الدول في العالم في أماكن محددة, خصوصًا في الشرق الأوسط، وجنوب إفريقيا، وجنوب وسط آسيا. حيث تشير المعدلات الرسمية الآن إلى أن مليار و نصف طفل، لا يرتادون المدارس، وهي مشكلة تمسنا جميعًا”.
أكد مثل هذا الاقتراح على طبية قلب كيري، وإلى حاجة وزارة الخارجية الملحة لزيادة عدد علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا. لكن لا يوجد أي طريقة تستطيع الولايات المتحدة وحلفاؤها استغلالها لتوفير تعليم جيد لكل هؤلاء الأطفال، أو تساعد على تطوير اقتصاد بلادهم، للتأكيد على الاهتمام بمستقبل هؤلاء الأطفال في سوق العمل، بمجرد تخرجهم من الجامعات، فالاكتفاء بتوفير التعليم دون الاهتمام بتوفير فرص عمل مناسبة، لن يحل أزمة اللاجئين، فتصبح قنبلة اجتماعية موقوتة.
عادة ما يشير المدافعون عن الاهتمام بمشروع مارشال الخاص بالشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم —مثلما فعلت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير— إلى نجاح الولايات المتحدة في بناء حياة الشعوب في ألمانيا واليابان، بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية، كدليل على ما يمكن تنفيذه. (في الواقع لم يشمل مشروع مارشال آنذاك اليابان، إلا أنها تلقت مساعدات مماثلة لألمانيا.)
تكشف دراسة سريعة عن الظروف الاجتماعية في كلتا الدولتين؛ فكل الظروف التي سمحت بنجاح مشروع مارشال وقتها، غير متوفرة في معظم الدول، التي دعا إليها كيري، في أثناء تشكيل ترامب لإدارته.
أولاً: استسلمت ألمانيا واليابان، بعدما انهزمت جيوشهما في الحرب العالمية الثانية. ثانيًا: تحقق التطور والازدهار فقط، بعد توقف جميع ظواهر العدوان، وتأسيس مستوى عال من الأمن المحلي داخل كلا البلدين، فلم تضطر الولايات المتحدة الأمريكية إلى التدخل في شئونهما، مثلما حدث في السودان واليمن وحتى في ليبيا بعد القذافي. فبعد ما حدث في العراق وأفغانستان، تطرقت بعض الدول لفكرة احتلال الدول الغربية لمساحات أكثر في الشرق الأوسط، والسيطرة على مرحلتها الإنتقالية —مثلما فعلت الولايات المتحدة عندما عكفت على تطبيق مشروع مارشال.
كانت ألمانيا واليابان دولتين قويتين، قبل بداية الحرب العالمية الثالنية، وعلى نقيضه، يتجه ولاء المواطنين في العديد من دول الشرق الأوسط إلى الجماعات العرقية والمذهبية -حسب اتجاهاتهم- وليس للأمة نفسها. لذلك يتجه معظمهم إلى القتال باسم قبائلهم، عوضًا عن التضحية من أجل الوطن ببرمته. فمن المعروف أن التصرفات العدوانية العميقة، مثل تلك التي تتم بين أهل الشيعة والسنة، وبين البشتون والطاجيك، والعديد من القبائل في دول أخرى، تتسبب في إعاقة التقدم السياسي والاقتصادي، ما ينتج عنه عمليات عنيفة على نطاق واسع، أو حالات قمع وصراعات مسلحة.
فأشار ويبر بتشابه الفروق ما بين القيم الكونفوشيوسية والإسلامية. حيث لوحظ الفروق الصادمة ما بين معدلات التنمية العالية للدول الأسيوية؛ الصين وهونج كونج وتايوان وسينغافورة وكوريا الجنوبية وما بين معدلات التنمية القليلة في مجتمعات الإسلامية، خصوصًا للدول التي تخضع قوانينها للشريعة الإسلامية.
لا ترجع أسباب عدم قدرة الدول الإسلامية على التقدم، إلى بعض الخصائص الفطرية، التي تربوا عليها, إنما تتمركز حول ثقافاتهم، التي تحدد أولوياتهم، في إطار القيم الدينية التقليدية، إلى جانب الروابط الطائفية والقبلية. فمن الممكن أن تتغير هذه الثقافات، لكن برتم بطيء، ولا يمكن أن تسرعها أي من العناصر الأجنبية.
فمثلاً، إذا ما نظرنا إلى ألمانيا واليابان، سنجد أنهما كانا من الدول المتقدمة قبل الحرب العالمية الثانية؛ لهم أسس صناعية قوية، وبنية تحتية جيدة، وبها شعوب متعلمة. فاقتصر الأمر على إعادة تأسيسها من جديد، جراء ما حدث في الحرب العالمية.
فإذا قورنا بالشرق الأوسط، سنلاحظ افتقار الشرق الأوسط لكل هذه العوامل، خصوصًا في أفغانستان واليمن والسودان وليبيا. ليس ذلك فقط، فتعتمد السعودية والبحرين في رأس مالها على سلعة واحدة، النفط، دون وضع أسس صالحة لقيام اقتصاد حديث سليم. بينما يوجد بتونس وباكستان والمغرب وسوريا ومصر شعوب مهيئة أفضل من غيرها في الشرق الأوسط، إلا أنهم ذو معدلات متدنية، إذا ما قورنوا بألمانيا واليابان الآن.
فلابد أن توفر أمريكا وحلفاؤها مساعدات أكثر إنسانية، لتساعد على إطعام وتوفير المأوى والملابس اللازمة للاجئين، إلى جانب مشاركتهم في إخماد أي أزمات، بمساندة قوات السلام الخاصة بهم، والعمل على توفير سبل التجارة والاستثمار اللازمة، عوضًا عن وعود فارغة بمشاريع مارشال.