تمويل مشاريع ٢٠٣٠: تائهاً بين الخيارات

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 370
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

يبدو مشهد تمويل مشاريع رؤية 2030 تائها بين الخيارات، فيقطف تمويلا من حيث سُنحت له الفرصة أو يلغي إنفاقه في إحدى المجالات التي راهن عليها طويلا لادخار المال. فإما ديون وإما بيع أسهم أهم شركة “سعودية” والتخلي رويدا رويدا عن ملكيتها، وإما عبر إصدار السندات كإحدى سبل تمويل الإنفاق العام، إلى جانب ذلك قامت مرخرا بسحب رهانات على عمالقة التكنولوجيا الأمريكية. وفقا لما نقلته مصادر إعلامية أجنبية عن أشخاص مطلعين على الخطط أنه في الوقت الذي كان المسؤولين السعوديين يتطلعون في البداية إلى جمع ما بين 40 إلى 50 مليار دولار عن طريق بيع أسهم إضافية في شركة أرامكو للمستثمرين. إلا أنها استقرت في نهاية المطاف هذا الشهر على جمع 11.2 مليار دولار بعد أن قام المصرفيون بجولة في السوق، حيث تم بيع 0.64% من أسهم شركة أرامكو، في دليل قوي على الانفصام الكبير بين طموحات وتوقعات الإدارة السعودية المبالغ بها تجاه مصادر تمويلها حتى تلك التي تحاول أن تغطي على واقع ضعف جذب الاستثمار الاجنبي. ويعود ذلك إلى صعوبة العثور على مستثمرين عالميين لشراء أسهم بعشرات المليارات من الدولارات من الأسهم. إضافة إلى ذلك فإن إدراج أرامكو في بورصة المملكة العربية السعودية الصغيرة، حيث لا تعمل العديد من الصناديق الغربية، يجعل المهمة أكثر صعوبة. إلى ذلك، انكمش الناتج المحلي السعودي بنسبة 3.7% في الربع الرابع من 2023، مما أثار تساؤلات حول قدرة السعودية على تحقيق أهداف رؤية 2030 دون مواجهة ضغوطات مالية غير متوقعة. يتوقع مراقبون أن تتضطر السعودية إلى دفع كامل فاتورة رؤية 2030 على الرغم من أنها كانت تنظر لأن تكون مشاريع الرؤية فرصة مهمة وركيزة أساسية لاستقطاب الاستثمار الأجنبي، لكن عوامل عديدة حالت دون ذلك. وقبل أن تشهد المنطقة أي من الاضطرابات التي تشهدها اليوم منذ قرابة التسعة أشهر، فقد كان جذب الاستثمار الغربي مسألة تحتاج للكثير من الإغراءات، خاصة للسمعة السيئة التي تحظى بها حكومة البلاد لدى الغرب. وقد شهدنا بالفعل العديد من حالات الانسحاب من المشاريع قد الانشاء، كان أحد أبرز أسباب هذه الانسحابات إما نتيجة ضغط شعبي على حكومات الدول الغربية لسحب استثماراتها من بلد شهد أفظع أنواع الانتهاكات أو بسبب تراجع موظفي الشركات نفسها  جراء قضايا التهجير القسري أو حتى عمليات الإعدام التي شهدها أهالي المناطق التي تشيد المشاريع عليها. فقد أظهرت بيانات وزارة الاستثمار السعودية أن البلاد أتمت 64 صفقة خلال الربع الأول من العام الحالي، وهو ما يؤشر إلى تراجع بنسبة 40% عن الصفقات الاستثمارية التي كانت قد تمّت في الفترة نفسها من العام الماضي (104 صفقات)، كما أنها الأقل منذ ثلاث سنوات. وفي حين أعلنت “السعودية” في رؤيتها بأنها تهدف إلى اجتذاب ما قيمته 100 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي سنويا خلال العقد القادم، إلا أن متوسط الاستثمارات التي اجتذبتها فعليا ( وفقا لبياناتها الخاصة) بلغ ​​17 مليار دولار في الفترة من 2017 إلى 2022، وهو ما لا يقدم دلالات إيجابية. كما أن سوء إدارة المشاريع كانت دافعا لتصدير فكرة أن هذه المشاريعه قد حظيت بدعاية ترويجية وبطموحات أكبر بكثير من الواقع على الأرض. عملت آلاف الشاحنات والحفارات على مدار 24 ساعة يوميًا لأسابيع، لتجرف ملايين الأقدام المكعبة من الرمال في أكبر مشروع بناء في العالم يُعرف باسم نيوم في السعودية، لكن العمال ارتكبوا خطأً حين قاموا بإلقاء كومة هائلة من التراب – يبلغ عرضها الآن مئات الأقدام – في نفس المكان الذي خطط فيه المهندسون المعماريون لحفر ممر مائي يصب في البحر الأحمر. لذلك، عادت الشاحنات والحفارات إلى العمل، وجمعت كل شيء من جديد وصنعت جبلًا جديدًا من الرمال في مكان قريب في صخب مكلف يلخص الرحلة المضطربة للمشروع السعودي من كونه “مفهوم جريء” إلى كونه “عملية مترامية الأطراف تشهد تعثراً في تنفيذه“. وول ستريت جورنال إلى ذلك، وفي حين يبدو أن السعودية لا تزال تعتمد بشكل كبير في تمويل مشاريعها على النفط الذي تقول أنها تريد الابتعاد عنه كمصدر مال أساسي لخزينتها، قال محللون إن هذا الاعتماد على أسعار النفط هو ما يجعل مشاريع رؤية 2030 عرضة للخطر. وقال صندوق النقد الدولي إن السعوديين بحاجة إلى أسعار نفط تبلغ حوالي 96 دولارًا للبرميل من أجل تحقيق رؤية 2030. وحتى الآن خلال هذا العام، انخفض سعر برميل النفط الخام، الذي غالبًا ما يستخدم كمؤشر لسوق النفط، من حوالي 70 دولارًا في يناير عام 2019 إلى حوالي 81 دولارًا هذا الشهر. هذا وذكرت وكالة بلومبرج هذا الأسبوع، أن السعودية أصبحت أكبر مصدر للسندات بين الأسواق الناشئة، متغلبة على الصين للمرة الأولى منذ أكثر من عقد من الزمن، ويتم إصدار السندات الحكومية لتمويل الإنفاق العام، وهي شكل من أشكال القروض التي تدفع عليها الحكومة المصدرة الفائدة لحاملي السندات. وذكرت بلومبرج أن السعوديين يأخذون المزيد من هذه الأنواع من القروض أكثر من أي وقت مضى من أجل تغطية نقص الاستثمار الأجنبي المباشر. كما أخبر المصرفيون المنفذ أن المملكة العربية السعودية لن تكون قادرة على الاستمرار في إصدار السندات بالوتيرة الحالية لفترة طويلة جدًا لأن تكلفة تمويلها – أي دفع الفائدة – ستصبح كبيرة جدًا. وقال روبرت موجيلنيكي، وهو باحث مقيم بارز في معهد دول الخليج العربية في واشنطن: “مع الجمع بين العوامل، من الصعب عدم التوصل إلى استنتاج مفاده أن هناك درجة معينة من التلاعب بالسياسة الاقتصادية [في المملكة العربية السعودية] في الوقت الحالي”. وقال إن بعض التصريحات الأخيرة للمسؤولين السعوديين -وزير المالية محمد الجدعان-، التي تشير إلى أن الجداول الزمنية قد تحتاج إلى إعادة تقييم في بعض المشاريع، يمكن اعتبارها غير عادية نسبيًا، معتبرا أنه ” شيء لم نسمعه حقًا منذ إطلاق رؤية 2030.” ومع ذلك، يرى موجيلنيكي أن “وضع رؤية 2030 ليس مذهلاً، ولا كارثيًا كما يتصور الكثير من الناس. والحقيقة هي أنها في مكان ما في المنتصف”. ولطالما نُظر لمُضيّ “السعودية” في بناء نيوم بأنها محاولة منها لـ”تحدّي” المشككين بالمشروع، إلا أن هذا التحدّي يكلّف مليارات الدولارات قائم على الخيال العلمي وقائمة طويلة من المشاريع المبهرجة التي تهدف إلى لجذب عدد سكان أكبر من سكان مدينة نيويورك. واصفة مشروع ذا لاين بـ”الفكرة الوقحة”. طموح ابن سلمان ومآلاته السلبية إن طموح محمد بن سلمان غير الواقعي هو مصدر خطر يواجه السعودية، ونيوم هو الرمز النهائي لخططه لتحويل اقتصاد البلاد، وتقليل اعتمادها على عائدات النفط، وجعلها نقطة جذب للأموال والمواهب من جميع أنحاء العالم، لكنه يخاطر بإهدار قدر كبير من أموال البلاد على تجربة غير مسبوقة في بناء المدن، والتي قد يكون من الصعب للغاية تنفيذها. وكانت قد كشفت صحيفة وول ستريت جورنال عن حوادث أثرت على سرعة البناء نتيجة مزاجية ابن سلمان: في عام 2020، قبل أن يكشف محمد بن سلمان عن المشروع، طلب من الموظفين نقل الطرف الغربي للخط بضعة أميال لأنه يفضل التضاريس في هذا الموقع، حسبما قال أشخاص مطلعون على الطلب وكان لا بد من تغيير التصاميم قليلاً عبر مسافة 105 أميال بأكملها، مما تسبب في أشهر من العمل الإضافي. كما كشفت أن المهندسين ولتصوير تقدم مشاريع ابن سلمان بشكل مزيّف، كانوا قد بدؤوا في وضع الأساسات لمشروع ذا لاين منذ عامين، حتى قبل أن يتوصل المهندسون المعماريون إلى ما يمكن ان يتم وضعه عليها من أبنية، وهي طريقة غير عادية لبناء مثل هذا التطوير الضخم، كما قال خبراء الهندسة. وسرعان ما قرر المهندسون المعماريون أن المرحلة الأولى يجب أن يتم بناؤها في مكان آخر، تاركين الأساسات الأولية للخط مهجورة في الوقت الحالي، حسبما قال أشخاص مطلعون على الأمر. جدير بالذكر أن السعودية كانت قد قلّصت خلال الأشهر الأولى من العام الجاري من سقف طموحاتها لا سيما مدينة “ذا لاين” في مشروع نيوم حين كُشف عن تراجع عدد السكان الذي كان من المقدّر أن يستوعبها “ذا لاين” -جزء نيوم الأساسي- بما نسبته 75% مقارنة مع الأرقام الأولى التي رُوّج لها، إضافة إلى تراجع عدد السكان المتوقع اجتذابه من مليون ونصف مليون إلى 300 ألف نسمة، كما وقد كُشف عن إلى بدء مقاول واحد على الأقل في فصل جزء من العمال الذين يوظفهم في الموقع تبعاً لهذه التبدّلات.

/