رغم الخلافات السياسية والاقتصادية.. المخاوف الأمنية تحفظ تماسك التحالف السعودي الإماراتي
سلط الباحث بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن، روبرت ماسون، الضوء على التنافس المتنامي إقليميا بين السعودية والإمارات، مشيرا على أن استراتيجيات الرؤى الخاصة بتنويع اقتصادات دول الخليج الريعية تنطوي على "أهداف متباينة".
وذكر ماسون، في تحليل نشره موقع "المونيتور"، أنه لا يزال من الممكن اعتبار العلاقة السعودية الإماراتية "دائمة" بسبب الضرورات المشتركة المحيطة بأمن النظامين الحاكمين في كل منهما، بينما كانت السياسة النفطية من أهم العوامل المسببة للقلق في علاقاتهما الثنائية. وأضاف أن السعودية تفضل الانتقال الممتد نحو مصادر الطاقة المتجددة بينما تمتلك الإمارات العربية المتحدة احتياطيات نفطية أصغر نسبيًا، تصل إلى حوالي مائة مليار برميل، ما يجعلها في المرتبة السادسة عالميًا.
ومع زيادة الوصول إلى صناديق الثروة السيادية، اكتسبت الإمارات ميزة في عملية التنويع الاقتصادي، على الرغم من أن جميع دول مجلس التعاون الخليجي لا يزال أمامها طريق طويل لتقطعه في تحقيق التنويع على أساس السلع والخدمات بدلاً من الهيدروكربونات ومشتقاتها.
ومنذ تولي روسيا دورًا قياديًا إلى جانب السعودية في تحالف "أوبك+" عام 2016، تُركت الإمارات بقدرة نفطية غير مستخدمة، من المحتمل أن تبلغ قيمتها 50 مليار دولار إضافية سنويًا، ما يثير تساؤلات حول عضوية الإمارات في "أوبك+" وموقفها العام من السعودية، بحسب ماسون.
وأشار إلى أن صراعات سياسية نشأت أيضا بين السعودية والإمارات منذ تأسيس الأخيرة في عام 1971، حيث كانت النزاعات الإقليمية والمنافسة الأسرية من الجوانب الرئيسية في العلاقة بينهما.
وأوضح أن حوالي 20% من حقل الشيبة النفطي تطالب به أبو ظبي، وأن معاهدة جدة لعام 1974 فشلت في الحفاظ على اتفاق نهائي بين البلدين بسبب التناقض بين الاتفاقية الشفوية والاتفاقية المكتوبة.
وأدى هذا الافتقار إلى الإجماع إلى توترات بين السعودية والإمارات في أكثر من مناسبة، خاصة بعد أن تولى رئيس الإمارات، خليفة بن زايد آل نهيان، منصبه في عام 2004 وسعى إلى إحياء مزاعم أبوظبي بشأن الحقل النفطي.
ولذا لم يكن مستغربا معارضة السعودية لمشروع دولفين للغاز، الذي تم إطلاقه في عام 1999، كمشروع لدول مجلس التعاون الخليجي، وتم تضييقه لاحقًا في نقل الغاز عبر الحدود من قطر. ومع ذلك، تمكنت قطر والإمارات وسلطنة عمان من بدء عمليات محدودة في عام 2007.
كما تمت قاومت السعودية مشروع جسر بحري مقترح عام 2005 لربط الإمارات وقطر، لأنه سيحد من وصول السعودية غير المقيد إلى الممرات البحرية. ومنذ ذلك الحين تعرضت العلاقات بين أبوظبي والرياض لمزيد من الشك، خاصة بعد أزمة دول مجلس التعاون الخليجي التي طال أمدها.
المنافسة الاقتصادية
واشتدت المنافسة الاقتصادية بين البلدين بعد أن غيرت السعودية مسارها عام 2016 لمتابعة أهداف رؤية 2030، وأدخلت مجموعة من سياسات الاستثمار الجديدة، بما في ذلك قواعد الاستيراد التي تستبعد البضائع المصنوعة في المناطق الحرة، وهي جانب رئيسي من جوانب الاقتصاد الإماراتي، وتلك التي تستخدم المدخلات الإسرائيلية، من التعريفات التفضيلية.
ومن المتوقع أن يتسبب إطلاق السعودية لشركة طيران الرياض، التي ستوجه رحلاتها إلى 100 وجهة خلال السنوات القادمة، في زيادة المخاطر بالنسبة لشركات الطيران الإماراتية. وسيكون للاستثمارات السعودية الاستراتيجية في الرياضات الدولية مثل الفورمولا 1 والجولف، وكذلك المشاريع العملاقة مثل نيوم، تأثير مماثل على تصاعد المنافسة بين المملكة والإمارات.
وفي الوقت نفسه، يلفت ماسون إلى أن الإمارات تكيفت بسرعة مع الظروف المتغيرة، فوقعت اتفاقيات شراكة اقتصادية شاملة تغطي العديد من جوانب التجارة مع إسرائيل والهند وإندونيسيا وتركيا.
ويتناقض هذا مع التقدم الأبطأ في مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة لدول مجلس التعاون الخليجي مع الشركاء الرئيسيين، مثل الاتحاد الأوروبي والصين.
وإضافة لذلك، قام رئيس دولة الإمارات، محمد بن زايد، بترقية نجله الشيخ، منصور بن زايد، إلى منصب نائب الرئيس إلى جانب الشيخ، محمد بن راشد آل مكتوم، وبذلك عزز حكم بني فاطمة (أبناء فاطمة بنت مبارك الكتبي - أبرز زوجة لزايد بن سلطان).
المخاوف الأمنية
ولطالما كان الشرق الأوسط مجالًا مهمًا للتفاعل والتعاون السعودي والإماراتي، لا سيما في بداية الربيع العربي 2011، عندما فعل البلدان قوة درع شبه الجزيرة الخليجية لقمع الانتفاضة الشعبية في البحرين.
كما استجابت دول الخليج العربية المجاورة لمصر، جنبًا إلى جنب مع الكويت، بمجموعة متنوعة من الحوكمة الاقتصادية لدعم الرئيس، عبدالفتاح السيسي في عام 2013، وذلك بسبب مخاوفهم العميقة بشأن الحكومة السابقة، بقيادة جماعة الإخوان المسلمين، والدور المركزي الذي لعبته قطر في الاقتصاد السياسي للقاهرة.
ونظرًا لقيود التعاون الخليجي، شكلت السعودية والإمارات تحالفًا أمنيًا غير رسمي في اليمن في عام 2015 لدحر تمرد الحوثيين واستعادة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دوليًا.
ورغم انسحاب الإمارات من الحرب في عام 2019، إلا أن إرثها ظل مستمرا من خلال علاقاتها بالمجلس الانتقالي الجنوبي ونفوذها في الجنوب اليمني، بما في ذلك جزيرة سقطرى ومحيط مضيق باب المندب والبحر الأحمر.
ويحمي ذلك المصالح البحرية والتجارية للإمارات ويمنحها المزيد من النفوذ على مستقبل اليمن، فيما يتناقض مع موقف السعودية الذي يبدو مصمما على الحفاظ على وحدة الأراضي اليمنية.
ومع ذلك، لا تزال السعودية والإمارات متحالفتين سياسيًا في معظم القضايا، بما في ذلك الدبلوماسية مع إيران وتركيا وسوريا، وقد يكون بينهما بعض التنسيق في بلدان أخرى، كما هو الحال في السودان، حيث اندلع الصراع في 15 أبريل/نيسان بسبب تصاعد الصراع على السلطة بين القائد الفعلي للسودان وقائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي.
وأخذت السعودية زمام المبادرة في الوساطة بالنظر إلى التحيز المتصور للإمارات لصالح حميدتي، حسبما يرى ماسون.
ويخلص الباحث بمعهد دول الخليج العربية إلى أن "أمن النظام الحاكم" هو المحدد الرئيسي في العلاقات بين السعودية والإمارات وليس الاقتصاد أو السياسة الإقليمية، فالحاجة الملحة للحفاظ على أمن النظام خلال فترة عدم اليقين هذه هي التي تحل محل جميع المخاوف الأخرى وتحدد الطريقة التي تتفاعل بها الدولتان مع بعضهما البعض.
المصدر | روبرت ماسون/المونيتور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد