تحلية المياه.. يد الخليج القوية بالمنطقة تواجه تحديات خطرة وفرص هائلة
مع ازدهار صناعة تحلية مياه البحر في دول الخليج العربي والزيادة المستمرة بقدرات تلك الدول في هذا الإطار، تزامنا مع تصاعد الاحتياجات المائية لسكان تلك المنطقة، وتحول الأمر إلى دبلوماسية مستقبلية قد تعطي دول الخليج نفوذا في مناطق أخرى، مثل مصر وشمال أفريقيا، يجب النظر بشكل أوسع في تكاليف الأمر وآثاره البيئية.
ما سبق كان خلاصة تحليل نشره "المركز العربي واشنطن دي سي"، وترجمه "الخليج الجديد"، تحت عنوان: "تحلية المياه في الخليج.. تكاليف وفوائد".
60% من طاقة العالم في التحلية
ويقول التحليل إن دول الخليج تمثل حاليا حوالي 60% من الطاقة العالمية لتحلية المياه، وتنتج حوالي 40% من إجمالي المياه المحلاة في العالم باستخدام أكثر من 400 محطة تحلية في جميع أنحاء المنطقة.
وتعتمد غالبية دول مجلس التعاون الخليجي اليوم على محطات تحلية المياه لتلبية احتياجاتها من المياه، حيث يأتي ما يقرب من 42% من مياه الشرب في الإمارات من محطات تحلية المياه، بينما تبلغ هذه النسبة في الكويت 90%، وفي عمان 86%، وفي السعودية 70%.
ومن حيث كمية المياه المنتجة، فالسعودية هي الرائدة، ففي عام 2020، أفادت التقارير أن المملكة ستستثمر حوالي 80 مليار دولار في تحلية المياه على مدى العقد المقبل، ومن المتوقع أن تصل طاقة التحلية بها إلى 8.5 مليون متر مكعب يوميًا بحلول عام 2025.
وتستخدم دول الخليج تقنيتين لتحلية المياه، الأولى تعتمد على فكرة التحلية الحرارية، والثانية على فكرة التناضح العكسي، والأخيرة أكثر كفاءة، وبالتالي تتجه البلدان الخليجية نحو استخدام هذه التقنية، التي تمثل الآن 60% من السعة في عمان وحوالي نصف السعة في السعودية.
استهلاك كبير للمياه
وما يزيد من أهمية صناعة تحلية مياه البحر في دول الخليج هو عدم استعداد تلك الدول لأن تكون أكثر اقتصادا في استهلاكها للمياه.
وتعمل الإعانات الحكومية السخية على إبقاء أسعار المياه منخفضة، لكن الطلب قد زاد في القطاعات المنزلية والصناعية والزراعية، بحيث أصبح اليوم استهلاك المياه السنوي لكل رأس مال في دول مجلس التعاون الخليجي 560 لتراً في اليوم، مقارنة بالمعدل العالمي البالغ 180 لتراً.
والآن، يعد الخليج ثالث أكبر مستهلك للمياه للفرد في العالم بعد الولايات المتحدة وكندا.
ومن المؤكد أن دول المنطقة لديها شره للمشاريع العملاقة كثيفة الاستهلاك للمياه.
على سبيل المثال، أشارت التقديرات إلى أنه خلال كأس العالم الأخيرة 2022 في قطر ، تطلب كل ملعب كرة قدم 10 آلاف لتر من المياه المحلاة يوميًا.
الطاقة المتجددة
ويتحدث التحليل عن مساع خليجية لتقليل الأثر البيئي لصناعة تحلية المياه، حيث تستخدم السعودية ما يقرب من 300 ألف برميل من النفط يوميًا في تحلية المياه، ما يزيد البصمة الكربونية لهذه الصناعة.
وفي هذا الإطار، بدأت المملكة في ربط محطات تحلية المياه بموارد الطاقة المتجددة.
اتبعت السعودية هذه الطريقة في مشروع "نيوم"، وهي مبادرة "مدينة ذكية" مخططة في المملكة، والتي أعلن عنها في يونيو/حزيران 2022 بشراكة فرنسية يابانية لتطوير منشأة لتحلية المياه بالتناضح العكسي مدعومة بالكامل بالطاقة المتجددة.
ومن المتوقع أن تكتمل المحطة في عام 2025 ، وستنتج 500 ألف متر مكعب من المياه يوميًا، مما يلبي 30% من الطلب المتوقع على المياه في "نيوم".
تشمل محطات التحلية الأخرى التي تعمل بالطاقة الشمسية في المنطقة محطة الخفجي لتحلية المياه بالطاقة الشمسية في السعودية أيضًا، بالإضافة إلى مشاريع تحلية المياه التي تعمل بالطاقة الشمسية في الإمارات، وسلطنة عمان.
تأثيرات على مياه الخليج
ويلفت التحليل إلى تأثيرات سلبية على مياه الخليج العربي من هذه الصناعة، بسبب زيادة تصريف المياه المالحة من محطات التحلية في الخليج، والذي يعاني في الأساس من ارتفاع نسبة الملوحة، ليأتي هذا "المحلول الملحي" الذي يحتوى على مواد كيماوية أيضا، والمصرف من محطات التحلية ليزيد من الأثر السلبي على الحياة البحرية في الخليج والنظم الإيكولوجية البحرية الهشة هناك.
دبلوماسية تحلية المياه
ونظرًا لأن الدول الأخرى في جميع أنحاء العالم العربي وخارجها تتطلع إلى تحلية المياه كحل لتغطية احتياجاتها من المياه، فهناك دلائل على أن دبلوماسية تحلية المياه قد تصبح أداة سياسية مهمة، مع قدرة دول مجلس التعاون الخليجي على الاستفادة من موقعها كأول محرك في هذا القطاع، وتصدير التكنولوجيا والدراية وحتى المياه إلى دول أخرى في المنطقة.
وعلى سبيل المثال، أصبح المنتدى السنوي لمشاريع تحلية المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حدثًا مهمًا لأصحاب المصلحة الإقليميين والدوليين لعرض أحدث التطورات في تكنولوجيا تحلية المياه.
ووفقا لخبراء، تلغي تحلية مياه البحر بعض الدوافع الرئيسية للصراع على المياه، وتقليل التوترات التي يمكن أن تتطور بين دول المنبع والمصب، كما حدث بين مصر وإثيوبيا بشأن بناء الأخيرة لسد جديد.
تحديات أمام دول الخليج
ويسرد التحليل عدة تحديات خطرة أمام صناعة تحلية المياه في الخليج، وهي إمكانية حدوث تسرب نفطي بمياه الخليج التي باتت تعج بمنصات النفط والغاز والحفارات البحرية وناقلات النقط العملاقة، ومن شأن أي تسرب أن يعطل إمدادات المياه في دول الخليج.
علاوة على ذلك، يشير محللون أمنيون إلى التهديد المحتمل للهجمات التي قد تستهدف البنية التحتية لتحلية المياه في بلد ما، مشيرين إلى أن مواقع تلك المحطات الساحلية تجعلها معرضة للخطر بشكل خاص.
وعلى سبيل المثال، دمر الرئيس العراقي الراحل صدام حسين محطة تحلية المياه في الكويت خلال انسحابه منها عام 1991، وأطلق النفط الكويتي في الخليج، مما تسبب في بقعة نفطية كبيرة وتعطيل محطات تحلية المياه في المنطقة الأوسع.
وهناك مخاوف من احتمال أن يؤدي الصراع عبر الخليج مع إيران إلى استهداف البنية التحتية للمياه مرة أخرى في زمن الحرب.
استراتيجية للمستقبل
ويختم التقرير بالإشارة إلى أهمية وضع استراتيجية لتقليل الآثار البيئية لصناعة تحلية مياه البحر في دول الخليج، قياسا إلى توسعها الحتمي، حيث تشير التقديرات إلى أنه بحلول عام 2030 ستكون طاقة تحلية المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد تضاعفت.
ويطالب التحليل بفصل تحلية المياه بشكل أساسي عن اعتمادها التاريخي على الهيدروكربونات، وربطها بشكل أساسي بالطاقة الشمسية بشكل أسرع وأكثر شمولا مما يحدث حاليا.
أيضا يشير التحليل إلى أهمية أن تكون تحلية المياه ضمن نهج شامل كامل النظام للبنية التحتية للمياه، ومن ضمنها تكنولوجيا إعادة تدوير المياه ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي، مثلا، والتي لا تزال دول الخليج تتباطأ في التوسع بها.
المصدر | مركز الخليج العربي واشنطن دي سي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد