باليوان أم الدولار؟.. نفط الخليج في معركة النفوذ الصيني الأمريكي
تدور الحرب الباردة الجديدة بين الصين والولايات المتحدة وفق سيناريوهات صعبة، لكن إزاحة الدولار الأمريكي يمكن أن تغير قواعد اللعبة في معركة الهيمنة على العالم. وهذا السيناريو يحدث في السعودية، أكبر منتج للنفط بالعالم، بحسب تقريرلمجلة "أتالايار" الإسبانية.
تم تحديد النفوذ الذي توقعته بكين في الخليج خلال السنوات الأخيرة في الاجتماع الأخير بالرياض في 9 ديسمبر/ كانون الأول الماضي بين الرئيس الصيني "شي جين بينغ" وولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان".
"بينغ" أكد أن بلاده ستواصل شراء النفط والغاز الطبيعي المسال "بكميات كبيرة"، لكن مع تغيير بسيط: أن يحدث ذلك باليوان، العملة الصينية، بدلا عن الدولار الأمريكي، وفق التقرير الذي ترجمه "الخليج الجديد".
والصين هي ثاني أكبر اقتصاد بالعالم بعد الولايات المتحدة، والمستهلك الأكبر للنفط عالميا، وهو موقع قوي لم تستغله بكين بعد بما يكفي لدعم عملتها، حيث يتم إجراء 10٪ فقط من المعاملات العالمية باليوان، وفق الموقع الإسباني.
مرت 5 سنوات منذ أن بدأت سياسة إخراج الدولار من المشهد الاقتصادي الدولي مع إنشاء "البترويوان"، ففي 2017 وافق بنك الشعب الصيني والبنك المركزي الروسي على إجراء معاملات نفطية بالعملة الصينية عبر منصة بورصة شنغهاي للنفط والغاز، وهي الخطوة الأولى لتحويل اليوان إلى عملة بترولية.
وامتد طلب الدفع باليوان مقابل النفط أيضا إلى إيران وفنزويلا، والآن إلى جميع دول مجلس التعاون الخليجي: السعودية والكويت والإمارات والبحرين وقطر وعمان.
إلغاء دولرة الاقتصاد
قبل تحركات "بينغ" الأخيرة، كان القليلون قد شككوا في هيمنة الدولار كعملة بلا منازع في التجارة العالمية، لكن اجتماع الزعيم الصيني مع ولي العهد السعودي يتبع بالضبط الخطوات نفسها التي اتخذتها واشنطن لتحقيق الوضع الراهن لعملتها.
ففي 1945، التقى الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت بالملك السعودي عبد العزيز بن سعود على متن السفينة "يو إس إس كوينسي"، واتفقا على إجراء المعاملات النفطية بالدولار.
وأعطت الاتفاقية واشنطن امتيازات لا يمكن إنكارها، وألزمت جميع الدول بالاحتفاظ باحتياطيات دولارية إذا أرادوا التداول في السوق الدولية، وسهّلت تمويل العجز العام، وكان لدى مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأمريكي القدرة على تجميد الأصول من أي دولة تعتبر معادية، وفق الخبير "خيسوس سانشيز كوينونيس".
ومع ذلك، يبدو أن هذا التحالف الجيوسياسي يتعثر الآن. وبالنسبة لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي "جيروم باول" يمكن للدولار أن يشارك اليوان في الأضواء على المدى المتوسط إلى الطويل.
كل ما تبقى هو أن يسير "بينغ" على خطى نيكسون ويجبر الرياض على شراء سندات الخزانة الصينية باليوان الذي تحصل عليه من مبيعات النفط، كما فعلت واشنطن في اتفاق سري عام 1976.
وبالنسبة لمجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا)، فإن استخدام اليوان له مزايا لا تقبل الجدل: أولا، اليوان الواحد يعادل 0.14 يورو وستؤدي المعاملات به إلى خفض التكاليف وجذب المزيد من الاستثمار إلى الصين بعد انخفاض أسعار الطاقة. وثانيا، لأنه يوفر طريقا للفرار من العقوبات الغربية.
ففنزويلا وإيران واليمن وكوبا وبوروندي وكوريا الشمالية والصومال وليبيا هي بعض البلدان المدرجة في القائمة الطويلة لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية، وربما يكون هذا القسيم في وزارة الخزانة الأمريكية هو أهم سلاح بيد البيت الأبيض في الأمور الاقتصادية؛ لأنه يسمح بفرض عقوبات اقتصادية وتجارية على أساس السياسة الخارجية الأمريكية، طالما أن السوق العالمي يحكمه الدولار.
ووضع الغزو الروسي لأوكرانيا (المستمر منذ 24 فبراير/ شباط 2022) العقوبات الاقتصادية تحت الأضواء. وكانت تلك العقوبات هي رد الفعل الأول للغرب، وسلاحه الأبرز حتى الآن ضد موسكو، وحلا جيدا لتجنب نشوب حرب عالمية ثالثة.
أكثر من مجرد نفط
بيد أن الولايات المتحدة لم تعتمد في اتفاقياتها على شراء النفط فقط، فخلفه كانت شبكة من الحماية والتسليح ضمنت أمن الدولة الخليجية في المنطقة على مدى الأعوام السبعين الماضية.
تعلمت الصين من ذلك وضاعفت وعودها، حيث قدم "بينغ" وعدا لـ"محمد بن سلمان" بـ"شراكة "شاملة" تشمل الأمن والتعاون في التكنولوجيا والنقل والطاقة والمشاركة في "طريق الحرير الجديد".
وبحسب "راؤول راميريز رويز" المؤرخ المتخصص في شؤون الصين والأستاذ بجامعة "راي خوان كارلوس" فإن زيارة "بينغ" إلى الرياض هي تحالف جديد بين الصين وجميع دول مجلس التعاون الخليجي يتجاوز النفط. إنها تآزر بين مبادرة الحزام والطريق ورؤية السعودية 2030.
في المقابل، لم تطلب بكين سوى مفتاح جغرافيتها السياسية: مبدأ "الصين الواحدة" (استعادة جزيرة تايوان). وفي 9 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قال محمد بن سلمان إن "السعودية تدعم بكين في حماية سيادتها وأمنها وسلامة أراضيها".
ومع ذلك، فإن "بينغ" ليس الوحيد الذي زار الرياض في الأشهر الأخيرة، إذ فعل الرئيس الأمريكي "جو بايدن" الشيء نفسه في صيف 2022 خلال جولة رسمية بالشرق الأوسط، عندما كان هناك وضع شديد البرودة بين "محمد بن سلمان" و"بايدن"، إثر تعهد الرئيس الأمريكي أثناء حملته الانتخابية بجعل السعودية "منبوذة" بسبب قضية (اغتيال الصحفي السعودي) جمال خاشقجي (في القنصلية السعودية بإسطنبول في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018).
بالمقابل، فإن ميزة الصين هي سياستها الخارجية القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، بينما الولايات المتحدة تفعل العكس، وفق "رويز".
في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، اتخذ الأمير السعودي خطوة إضافية بعيدا عن الولايات المتحدة، حين أعلنت منظمة "أوبك +" بقيادة السعودية أنها ستخفض إنتاجها النفطي بمقدار مليوني برميل يوميا.
وأثار القرار أجراس الإنذار في المكتب البيضاوي، حيث قال "بايدن" إنهم سيعيدون تقييم العلاقة مع الدولة الخليجية، وبعد أيام أعلن أنه "ستكون هناك عواقب"، معتبرا القرار انتكاسة للعلاقة بين البلدين لأن السعودية نأت بنفسها عن عقود طويلة من المقايضة للأمن والسلاح الأمريكي مقابل النفط الرخيص.
وبشأن نفوذ بكين في الخليج قال "رويز" إن "الصين تتمتع بالقوة لخلخلة الهيمنة الأمريكية لأنها تمتلك القدرة على التخطيط على المدى الطويل جدا ولأنها تقود كتلة معادية لأمريكا يتحد فيها الآن منتجو النفط في دول مجلس التعاون الخليجي".
وختاما، فإن تطبيق "البترويوان" يهدد الدولار كعملة مهيمنة في السوق الدولية على المديين المتوسط والبعيد، وهذا بالفعل واقع آخر يُضاف إلى مشاكل الغرب، بحسب مجلة "أتالايار".
المصدر | أتالايار - ترجمة وتحرير "الخليج الجديد"