أوراسيا ريفيو: دول القرن الأفريقي لا تثق بالإمارات والسعودية ومصر لهذه الأسباب

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 962
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

"إذا كانت تلك الدول قد تمكنت من تدمير شعب عربي شقيق بكل الأسلحة التي حصلت عليها على مر السنين، فكيف سيثق الناس في القرن الأفريقي بها؟".

هكذا قدم موقع "أوراسيا ريفيو" خلاصة تحليل لعلاقة الإمارات والسعودية ومصر بدول القرن الأفريقي، نشره المتخصص في شؤون المنطقة المطلة على البحر الأحمر "سليمان ولهاد"، مؤكدا ضرورة تطوير دول القرن الأفريقي قدرتها على تحقيق "تواصل جماعي قوي" يعبر عن مصالحها.

وذكر "ولهاد"، في تحليله" أن دول الخليج العربي تمثل أقرب منطقة إلى دول القرن الأفريقي، على الجانب الآخر من مياه البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب، وبالتالي فمن الطبيعي أن تتعاون المنطقتان، إلا أن ذلك لم يتحقق، إذ تحذر دول القرن الأفريقي من دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة الإمارات والسعودية؛ لأنها ترى ما فعلته كل منهما في اليمن.

وأضاف أنه سيكون من المثالي جذب الخليجيين لاستثمار أموالهم في منطقة القرن الأفريقي، إلا أنه سيكون من الأفضل لمسؤولي دول المنطقة تجنب الضرر الذي ألحقته دول الخليج باليمن أولا.

ولطالما أبدت دول الخليج، على مدى العقدين الماضيين، اهتماما بالمنطقة، وفي بعض الأحيان تنافست عليها، لكن الاستثمارات التي نفذتها هناك كانت "فاترة وليست حقيقية"، على الأقل من وجهة نظر السكان المحليين، حسب تقدير "ولهاد".

وأوضح: "سكان القرن الأفريقي يشعرون بـ "غطرسة" لا مبرر لها من قبل دول الخليج لمجرد أن لديها أموالا ليست لدى شعوب المنطقة. وسرعان ما اكتشفت دول مجلس التعاون الخليجي أن معظم استثماراتها الضعيفة لم تكن تعمل في الاتجاه الذي كانت تأمل فيه".

وأشار "ولهاد" إلى أن الإمارات، على وجه الخصوص، تعمل بغطرسة مع مناطق الصومال (ذات الحكم الذاتي) بدلا من التعاون مع حكومة الصومال الفيدرالية؛ بهدف تقويض نظام الحكم الهش الناشئ في البلاد.

ورغم أن السعودية أسست "مجلس دول البحر الأحمر وخليج عدن"، في أوائل عام 2020، إلا أن المجلس لا يعمل كمنصة فاعلة فيما يبدو.

ولذا يرى "ولهاد" أن دول الخليج حققت فشلا ذريعا بالقرن الأفريقي رغم وفرة مواردها وقربها من المنطقة، وبالتالي فإنها تحتاج إلى إعادة "ضبط نواياها وكيفية تحقيقها".

ولفت إلى أن القرن الأفريقي كان له، عبر التاريخ، روابط ثقافية وتجارية مع دول الخليج، مضيفا: "لكن يبدو أن العلاقة كانت جيدة فقط لأن دول القرن الأفريقي كانت ترعى جيرانها الفقراء آنذاك".

وتابع: "الآن انعكس الوضع، وأصبح القرن الأفريقي فقيرا، بينما دول الخليج هي الأكثر ثراء، وقد فشلت في "رد جميل" الماضي، حيث تميل بشدة إلى التصرف في المنطقة من خلال أفعال طائشة بشكل لا يصدق".

وبعدما نظرت دول القرن الأفريقي، في الماضي، للعلاقة مع دول الخليج على أنها علاقة تكامل،  حولت الأخيرة هذه الإرث القديم إلى ما يشبه "العلاقة الاستعمارية"، وكأنها تقلد دول أوروبا في القرن الـ19.

ويؤكد "ولهاد" أن الأفضل لدول الخليج أن تعيد النظر في علاقتها الحالية مع القرن الأفريقي وتحسينها، خاصة أنه "من الصعب إدارة التفاعلات العدائية بالمنطقة في ظل أهميتها للعالم".

وفي السياق، يشير المتخصص في شؤون القرن الأفريقي إلى أن العلاقة بين دول المنطقة ومصر توترت على مدار القرن ونصف القرن الماضي، و"لا يمكن تفسير ذلك إلا من خلال مخاوف مصر الداخلية العميقة"، حسب رأيه.

وأوضح أن ازدهار مصر مرتبط بمصدرين رئيسيين، هما: نهر النيل وقناة السويس، ويرتبط كل منهما ارتباطا أبديا بدول القرن الأفريقي، إذ يوفر "النيل الأزرق" في إثيوبيا معظم مياه النهر التي تصل إلى مصر، كما تمر جميع الشحنات المارة بقناة السويس عبر مضيق باب المندب ومياه دول القرن الأفريقي.

لكن مصر "تتمحور حول ذاتها وتهتم بمصالحها المتصورة (حول النيل وقناة السويس) فقط"، وكان من الأفضل لها أن تعمل مع دول المنطقة لخلق منطقة مستقرة بموجب عقد يربح فيه الجميع، وليس منطقة تبادلها العداء، حسبما يرى "ولهاد".

وأضاف: "تعتقد مصر خطأ أن عليها أن تعطل تقدم منطقة دول القرن الأفريقي، حيث تعتبر ذلك خطرا على بقائها. لكن هذا ليس صحيحا في الواقع".

ودعا "ولهاد" دول القرن الأفريقي إلى رصد سياسات مصر عن كثب، وإطلاع سكانها على "الدور التخريبي الذي تلعبه الحكومة المصرية"، لدفع الأخيرة إلى "العودة إلى رشدها، عبر العيش في سلام مع شعوب المنطقة كما فعل قدماء المصريين".

وشدد المتخصص في شؤون القرن الأفريقي على أن مصر "يجب أن تدرك أن الصومال يخرج من جديد من الركود السياسي الذي اختفى فيه عام 1991، وأن إثيوبيا نمت، وكذلك إريتريا وجيبوتي، وهي دول تعرف أين تكمن مصالحها، وستقرر مصيرها بطريقتها الخاصة، كما فعلت دائما عبر التاريخ".

وجرى تسمية الدول الأربع إريتريا وجيبوتي والصومال وإثيوبيا جغرافيا بـ"القرن الأفريقي"، وهي تمثل معا ممرا بحريا مهما وشائكا هو "باب المندب"، الذي تمر عبره نحو 10% من التجارة العالمية وما يقارب 11% من النفط الخام.

وتشكل الدول الـ4 الردف الرئيسي لدول القرن الأفريقي، لكن بعض الجغرافيين يضمون إليها كينيا والسودان وجنوب السودان أيضا.

وتمثل دول القرن الأفريقي، بالنسبة للقوى الإقليمية والعالمية، موقعا استراتيجيا، يبلغ عدد سكانه حاليا نحو 150 مليون نسمة، ويتوقع أن يرتفع إلى نحو 200 مليون في المستقبل غير البعيد.

وفي طبيعتها المنقسمة اليوم، تعد المنطقة مكانا تشكل فيه الحروب، سواء العابرة للحدود أو داخل حدود الدول التي تشكل القرن، مصدر بؤس إنساني، بسبب المنافسة في الداخل والخارج للسيطرة عليها دون أي اعتبار للكوارث الإنسانية التي يسببها ذلك للسكان المحليين.

وتضيف المنافسة على مياه المنطقة والبحر الأحمر وخليج عدن وشمال المحيط الهندي ومياه النيل بعدا آخر للصراع، ما يزيد من أهمية الموازنة بين مصالح جميع المتنافسين، خاصة في ظل "وجود إمكانية لأن تخدم المنطقة الجميع" حسبما يرى "ولهاد".

وأكد المتخصص في شؤون القرن الأفريقي أن دول المنطقة ستكون قوية ومستقلة فقط في حال اتحادها، "أما إذا استمرت كما هي اليوم، فسوف تصبح فريسة للدول الأخرى التي تحوم حولها".

وأضاف: "سيكون القرن الأفريقي الموحد هدفا أفضل بكثير من الكيانات الفردية والصغيرة التي يحكمها المتصارعون في دولها اليوم. وإذا كانوا قادرين على فعل ذلك، فسيكون ذلك في صالح المنطقة وسكانها".

وفي هذا الإطار، يشير "ولهاد" إلى أن تاريخ دول المنطقة يشير إلى أنها قاومت القوى الاستعمارية، لكنها أثبتت، في الوقت ذاته، مرونة في تقديم صيغة لضمان مصالح القوى الإقليمية والعالمية من حولها.

وأشار إلى أن سكان القرن الأفريقي دافعوا عن أنفسهم ضد الغزو الأوروبي في نهاية القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20، لكنهم قبلوا بتقاسم الموارد بشكل منصف مع أولئك الذين لا يريدون السيطرة على بلادهم.

وضرب "ولهاد" بجيبوتي مثالا على إمكانية موازنة مصالح الشرق والغرب بالمنطقة، دون تفضيل طرف على حساب آخر، إذ تستضيف اليوم القوات البحرية للولايات المتحدة والصين وفرنسا وألمانيا، وحتى اليابان وكوريا الجنوبية.

ويرى المتخصص في شؤون القرن الأفريقي أن المواجهة القديمة بين الشرق والغرب، التي يريد البعض إعادة إشعالها بالمنطقة، ليست حلا عمليا، داعيا دول القرن الأفريقي إلى الحذر من مثل هذه المناورات وتحديد مصيرها من خلال "عدم الميل إلى إحدى القوى المتنافسة".

وأضاف: "ستدرك جميع الأطراف حينها أن مصلحتها في ترك المنطقة وشأنها، تماما كما تم تُركت سويسرا وحدها خلال الحرب العالمية الثانية لتخدم الجميع".

وأشار إلى أن تحقيق هكذا موازنة يتمثل في ضمان دول القرن الأفريقي "التدفق المستمر لمياه النيل مقابل إمداد سكان المنطقة بالطاقة، وضمان أمن الشحن بخليج عدن وباب المندب والبحر الأحمر، وطرح إمكانية استغلال مواردها الطبيعية عبر الشركات الأجنبية.

فالمنطقة تمتلك موارد طبيعية كبيرة، بما في ذلك احتياطيات النفط والغاز، إضافة إلى موارد الطاقة البديلة، أي الطاقة الكهرومائية والشمسية وطاقة الرياح، فضلا عن الموارد المعدنية الأخرى مثل الذهب والنحاس والكوبالت والمنجنيز والنيكل وخام الحديد ومعادن أخرى.

المصدر | سليمان ولهاد - أوراسيا ريفيو - ترجمة وتحرير الخليج الجديد