هل تقيم تركيا الصداقات مرة أخرى؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1334
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

شهد هذا العام بداية تحول تدريجي في السياسة الخارجية الإقليمية لتركيا. وبعد أن لعبت دورا استباقيا وحازما في البحر الأبيض المتوسط ​​الأوسع في الأعوام الأخيرة، تبنت أنقرة موقفا أقل تصادمية، حيث أصبحت تدرك بشكل متزايد الحاجة إلى كسر عزلتها الإقليمية وتكوين صداقات مرة أخرى.

ودفعت التطورات الدولية والإقليمية والمحلية تركيا إلى فتح قنوات جديدة للحوار مع جيرانها في محاولة لنزع فتيل التوترات وإصلاح العلاقات. وعلى المستوى الدولي، أدى وصول إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" إلى واشنطن، التي عززت نهج "الدبلوماسية أولا" في السياسة الخارجية إلى جانب موقف أقل تصالحية تجاه نهج "ترامب" في عدم التدخل فيما يتعلق بخصومات الشرق الأوسط، إلى تمهيد الطريق بشكل غير مباشر لإعادة التعديل في موقف السياسة الخارجية لدى دول المنطقة.

ولقد كانت تلك الدول حريصة بالفعل على تقديم نفسها للرئيس الأمريكي الجديد كمشجعين لتحقيق الاستقرار ولاعبين ذوي توجهات تصالحية. ولم تكن تركيا استثناء، رغم أن المهمة كانت صعبة للغاية، بسبب عدد النكسات التي ميزت علاقاتها مع الولايات المتحدة في الأعوام الأخيرة.

على هذه الخلفية، كان "اتفاق العلا"، الذي أذن بالاستعادة الكاملة للعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين قطر والرباعية العربية (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) بعد حصار دام 3 أعوام ونصف، الخطوة الأولى الملموسة في العملية الجارية لإعادة التكيف الإقليمي.

وانطلاقا من الخليج، بدأت جهود التطبيع تدريجيا في إشراك دول أخرى في المنطقة، حيث ظهر أيضا شعور متزايد بالتعب من الصراع بعد أعوام من المواجهة والحروب المكلفة بالوكالة في ليبيا وسوريا واليمن. كما لعب اضطراب الأنشطة الاقتصادية والتجارة بسبب الوباء والحاجة إلى التعافي كحافز لاستكشاف سبل التغلب على الأزمات والنزاعات الإقليمية.

وأدى تقارب الدوحة مع الرياض، وبدرجة أقل مع أبوظبي، إلى إعادة تعريف الديناميكيات الجيوسياسية، مما مهد الطريق لتقليص تدريجي للمنافسة بين المحور القطري التركي والرباعية. وفي هذا السياق المتطور، اتخذت أنقرة أيضا خطوات لإعادة ضبط سياستها العسكرية تدريجيا وإعادة العلاقات مع منافسيها العرب الرئيسيين.

وبعيدا عن الديناميكيات المتغيرة الدولية والإقليمية، أثبت العمل الخارجي العسكري التركي إلى جانب العزلة الإقليمية أنهما غير دائمان. وفي الواقع، دعم الرأي العام المحلي بصعوبة السياسة الخارجية التدخلية لأنقرة. وبينما كان هناك إجماع شامل حول العمليات العسكرية في سوريا، كان من الصعب على الشعب التركي أن يرى تهديدا لأمنه القومي في الأزمات البعيدة، كما هو الحال في ليبيا.

بالإضافة إلى ذلك، ظهرت اعتبارات اقتصادية، حيث لم تستطع تركيا تحمل التكلفة الاقتصادية لكل من التوترات الجيوسياسية ونشاطها في المنطقة. وعلى خلفية الوضع الاقتصادي غير المستقر، المرتبط بشكل أساسي بعملتها الوطنية الضعيفة إلى جانب معدل التضخم المرتفع بشكل متزايد ما أدى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة في البلاد، ظهر تغيير المسار في العلاقات الإقليمية كخيار رئيسي قابل للتطبيق. ولا شك أن البراجماتية الاقتصادية تلعب دورا مهما في محاولات تركيا إصلاح علاقاتها مع الشركاء القدامى في المنطقة وخارجها.

وعلى مدار العام، وجهت أنقرة جهودها الدبلوماسية بشكل رئيسي إلى مصر والسعودية والإمارات، ووصلت إلى نتائج متباينة حتى الآن. وأعادت جولتان من المحادثات مع مصر فتح الاتصالات الثنائية بعد انقطاع دام 8 أعوام. ومع ذلك، بالرغم من "أن الجانبين أكدا رغبتهما في اتخاذ المزيد من الخطوات، واتفقا على مواصلة المشاورات"، يبدو أن الطريق إلى المصالحة لا يزال طويلا ومن غير المرجح أن يتم التوصل إلى استعادة كاملة للعلاقات الثنائية قريبا.

ولا تزال المسافة بين القيادتين التركية والمصرية كبيرة، رغم أنها قد لا تكون مستحيلة مع مرور الوقت. ومنذ الإطاحة بالرئيس المصري السابق "محمد مرسي" عام 2013، لم يدخر الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" ونظيره "عبد الفتاح السيسي" الاتهامات المتبادلة. ويمثل دعم أنقرة لجماعة "الإخوان المسلمون" في المنطقة أحد ركائز الخلاف الرئيسية، خاصة بعد أن تحولت اسطنبول إلى ملاذ إقليمي آمن لأعضاء الحركة المنفيين.

وبينما بالنسبة لمصر يجب على تركيا تقديم التنازلات أولا، سيكون لدى كلا الجانبين أسباب وجيهة لإيجاد حل وسط في نزاعاتهما الثنائية، من ليبيا إلى غاز شرق البحر المتوسط. وبخلاف التوترات الدبلوماسية، استمرت التجارة الثنائية في الازدهار، بالرغم من وجود مجال كبير للتحسن. ومع أكثر من 100 مليون شخص، يعد السوق المصري واعدا للغاية، وقد تعمل البلاد أيضا كبوابة للوصول إلى الأسواق الكبيرة الأخرى في أفريقيا.

علاوة على ذلك، من المنظور التركي، يمكن أن تمثل مصر بديلا جيدا لتنويع إمدادات الغاز، ولتقليل اعتمادها الشديد على روسيا. ومع ذلك، من غير المرجح أن نتوقع تطورات بشأن قضية الغاز حيث ستكون المحادثات الثنائية بين تركيا ومصر مجرد جانب واحد من لعبة إقليمية أوسع ومعقدة تشمل أيضا إعادة تعريف الحدود البحرية المتنازع عليها. وبينما تظل قنوات الحوار مفتوحة، فمن غير المرجح في الوقت الحالي اتخاذ خطوات مهمة إلى الأمام في العلاقات الثنائية التركية المصرية.

وعلى العكس من ذلك، تأتي قصة مختلفة من الإمارات. ومن المثير للدهشة أن ما كان يُنظر إليه على أنه المنافس الإقليمي الرئيسي لتركيا تبين أنه أول دولة تعيد العلاقات مع أنقرة. ووضع الاجتماع الأخير بين ولي عهد الإمارات "محمد بن زايد آل نهيان" والرئيس "أردوغان" في تركيا، وهو الأول منذ ما يقرب من عقد من الزمان، نهاية لعملية بدأت منذ شهور وشكلت نقطة تحول بعد خلاف طويل شهدته دولتان على طرفي نقيض من النزاعات الإقليمية الرئيسية.

وكانت المصالح الاقتصادية بلا شك القوة الدافعة الرئيسية وراء المصالحة. وبينما تراهن أبوظبي بشكل متزايد على الدبلوماسية الاقتصادية لتعزيز التعافي بعد الوباء، تبحث أنقرة عن استثمارات وشركاء اقتصاديين جدد. وخلال الزيارة، تم التوقيع على عشرات اتفاقيات التعاون، بما في ذلك في مجالات الطاقة والتجارة والبيئة.

علاوة على ذلك، خصصت الإمارات صندوقا بقيمة 10 مليارات دولار للاستثمارات الاستراتيجية في تركيا. كما تم الحديث عن محادثات حول اتفاقية مبادلة محتملة بين البنوك المركزية. ولن تكون هذه هي المرة الأولى التي تسعى فيها تركيا إلى صفقات مقايضة لبناء احتياطيات ودعم هبوط الليرة، وسط أزمة العملة.

وفي عام 2020، على سبيل المثال، تم توقيع اتفاقية مقايضة مع قطر بقيمة 15 مليار دولار. ونظرا لأنه من المتوقع أن يسافر وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" إلى الإمارات في ديسمبر/كانون الأول، فمن المرجح أن يتم اتخاذ المزيد من الخطوات خلال الأشهر المقبلة لتعزيز الشراكة المتجددة، مع تداعيات قد تؤثر أيضا على التوازن الجيوسياسي في المنطقة.

وبينما يبقى أن نرى كيف سيؤثر هذا التقارب على جهود المصالحة التركية مع اللاعبين الإقليميين الآخرين، وبالتحديد السعودية وإسرائيل، تشير الاعتبارات الجيوسياسية والاقتصادية إلى أن تركيا لديها العديد من الرهانات في الاستمرار على هذا المسار في عام 2022، مهما كان ذلك الأمر صعبا.

 

المصدر | فاليريا تالبوت- المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية - ترجمة وتحرير الخليج الجديد