دول الخليج تتفاعل بحذر مع النسخة الجديدة من طالبان
إلى جانب باكستان، اعترفت حكومتان فقط بحكم طالبان الذي استمر من عام 1996 إلى أواخر عام 2001 والذي عرف بـ"إمارة أفغانستان الإسلامية" وهاتان الدولتان هما السعودية والإمارات. والآن بعد أن سيطرت طالبان على كامل أفغانستان تقريبًا، فإن السؤال هو ما إذا كانت هاتان القوتان العربيتان، بالإضافة إلى أعضاء آخرين في مجلس التعاون الخليجي، سيعترفون بالنسخة الجديدة من طالبان كحكومة شرعية أم سيعملون على عزل الحكومة الجديدة.
ومن الواضح أن دول مجلس التعاون الخليجي قلقة بشأن الوضع الراهن في أفغانستان، حيث إن احتمال نشوب حرب أهلية واسعة النطاق ينذر بالخطر الشديد لممالك الخليج العربي، بالنظر إلى إمكانية امتداد مثل هذا الصراع إلى الخليج بالرغم أنه يفصله عن أفغانستان نحو 1250 ميلاً. ويمكن أن يجد تنظيم "الدولة الإسلامية" و"القاعدة" (جند كلاهما مواطنين من دول مجلس التعاون الخليجي وجذبا الدعم المالي من المنطقة) طرقًا سهلة للاستفادة من هذه الفوضى وتهديد استقرار هذه الممالك.
وقال "رايان بول"، محلل شؤون الشرق الأوسط في "ستراتفور"، إن "إحدى القضايا الأساسية بالنسبة لدول الخليج هي ضمان ألا يكون انتصار طالبان مصدر إلهام للفكر الجهادي بين شعوبهم.. ويعتبر ذلك أمرا مشتركا بين دول الخليج بالرغم أن التهديد الإرهابي سيكون مختلفًا من مكان إلى آخر".
علاوة على ذلك، ففي خضم فترة اقتصادية صعبة في الخليج، يمكن أن يؤدي تدفق الأفغان (الذين يعتبرون في دول مجلس التعاون الخليجي لاجئين في كل شيء ما عدا الاسم) إلى زيادة الضغوط على الميزانية الحالية وخلق احتكاكات اجتماعية.
وفي الوقت الذي تطلب فيه الملكيات العربية من مواطنيها شد الأحزمة مع سريان إجراءات التقشف والضرائب الجديدة، ما يزال من غير الواضح مدى الدعم الذي سيحصل عليه الأفغان الذين يحاولون اللجوء في دول مجلس التعاون الخليجي.
ومنذ أن سيطرت طالبان على كابول في 15 أغسطس/آب، كانت ردود فعل دول مجلس التعاون الخليجي حذرة، فلم يعترف أي منها بالنظام الجديد حتى الآن ومن غير المرجح أن يفعلوا ذلك في الوقت الحالي. وقال "بول": "أعتقد أن دول الخليج سوف تبحث عن اعتراف ناعم بطالبان أولاً.. وإذا بدأ المجتمع الدولي وخاصة أوروبا والولايات المتحدة في تطبيع العلاقات مع طالبان، أعتقد أن دول الخليج ستحذو حذوهم".
ووفقًا لبعض الخبراء، فإن نظام "الإمارة الإسلامية" في أفغانستان يشكل تحديًا أيديولوجيًا لحكومات الخليج التي تعتبر الإسلام السياسي تهديدا وجوديا. ومن غير المرجح أن ترتاح هذه الدول لعودة طالبان إلى السلطة.
ومن بين الدول الست في مجلس التعاون الخليجي، قد تضع الإمارات نفسها على أنها أكثر الدول معارضة لحركة طالبان بالرغم من اعترافها بالحركة كحكومة شرعية لأفغانستان في التسعينيات.
وقال "أندرياس كريج"، المحاضر في كلية الدراسات الأمنية في لندن إن "الصراع الأيديولوجي الذي تخوضه الإمارات ضد الإسلام السياسي يعني أنهم سيتخذون موقفاً متشدداً ضد طالبان".
وقد تتخذ السعودية موقفًا أكثر مرونة بالرغم أن ولي العهد "محمد بن سلمان" يحاول الترويج لنسخة جديدة من "الإسلام المعتدل".
وبحسب "كريج"، "قد يحاول بعض عملاء المخابرات السعودية التواصل وبناء علاقة مع طالبان من تحت الطاولة". وقد ترى الرياض النظام الأفغاني الجديد "كأداة محتملة في آسيا الوسطى" يمكن الاستفادة منها ضد إيران.
ومع ذلك، فإن اختيار السعودية للعمل مع طالبان بهذه الطريقة سيأتي بمخاطر جسيمة قد لا ترغب الرياض في قبولها. وتشمل هذه المخاطر جعل طالبان أقوى مما يرغب فيه السعوديون وتقويض قدرة الرياض على الترويج لنفسها لدى القوى الغربية باعتبارها شريك مهم في الكفاح ضد التطرف.
علاوة على ذلك، هناك شكوك في إمكانية نجاح هذه الاستراتيجية بالنظر إلى توثيق العلاقات بين طالبان وإيران خلال السنوات الأخيرة.
في النهاية، قد تجد السعودية وإيران نفسيهما يتنافسان على النفوذ لدى طالبان الجديدة. وإذا أوفت طالبان بوعودها بشأن حماية المواطنين الشيعة /الهزارة في أفغانستان وامتنعت عن اتخاذ إجراءات تهدد أمن إيران، يمكن لطهران أن تعترف رسميًا بـ "الإمارة الإسلامية" كحكومة أفغانية شرعية. وفي ظل هذه الظروف، قد يشعر السعوديون بأنهم مضطرون للاعتراف بطالبان أيضًا.
ومع ذلك، ستتعرض السعودية لضغوط أمريكية وأوروبية لرفض الاعتراف بها، على الأقل حتى تثبت طالبان أنها ستراعي بعض المطالب الأساسية التي قدمتها واشنطن. بطبيعة الحال، فإن الاعتراف السعودي بطالبان سيساعد بشكل كبير الحركة على اكتساب الشرعية في أماكن أخرى من العالم الإسلامي.
وبالرغم أن قطر كانت لديها علاقات مع طالبان قبل هجمات 11 سبتمبر/أيلول، إلا أن الدوحة لم تعترف رسميًا بـ "الإمارة الإسلامية". ومن المرجح أن يتجنب المسؤولون القطريون، مثل نظرائهم في أبوظبي والرياض، الاعتراف بسرعة "بطالبان الجديدة".
ويمكن أن يأتي هذا القرار في وقت لاحق، ولكن في الوقت الحالي من المرجح أن تركز قطر على موقعها كـ"نقطة انطلاق" للوساطة في أفغانستان. ومن خلال استضافتها محادثات السلام الأفغانية منذ عام 2018، رسخت قطر مكانتها باعتبارها الدولة الخليجية الأكثر مركزية في الجهود الدبلوماسية الهادفة إلى حل الصراع الأفغاني.
وقال "كريج": "إذا أراد الأمريكيون إنجاز أي شيء في أفغانستان، سيحتاجون إلى محاور أو وسيط.. وتعد قطر هي الوسيط الوحيد في الوقت الحالي.. وبالفعل أثنت النخب الأمريكية مؤخرا على دور قطر في عملية الإجلاء الجارية.. وستستمر الدوحة في تقديم نفسها كشريك لا غنى عنه للأمريكيين عندما يتعلق الأمر بأفغانستان".
من جهتها، تابعت عمان بصمت تطورات هذا الشهر في أفغانستان، بالرغم أن مفتي السلطنة "أحمد بن حمد الخليلي" هنأ طالبان على "انتصارها الثمين على المعتدين والغزاة" في اليوم التالي لسيطرة طالبان على كابول.
والجدير بالذكر أنه بعد منعه من دخول طاجيكستان، ورد أن الرئيس الأفغاني المخلوع "أشرف غني" فر إلى عمان قبل وصوله إلى أبوظبي التي يقيم فيها حاليًا.
كما امتنعت البحرين والكويت عن الإدلاء بأي تصريحات رسمية بخصوص سيطرة طالبان.
وبالنظر إلى المستقبل، ستولي دول الخليج اهتمامًا وثيقًا بالتطورات في أفغانستان. وبالرغم منأن طالبان تمكنت بسرعة من السيطرة على كابل والمدن الكبرى الأخرى، إلا أنه لا يزال من غير الواضح إذا كان بإمكانها تعزيز هيمنتها وتسوية الخلافات بين مختلف الفصائل الخاضعة لقيادتها لإضفاء الشرعية على نسخة طالبان الجديدة في نظر المزيد من الأفغان.
وفضلا عن ذلك، فإن هناك متغير آخر غير معروف وهو مدى قدرة القوات المناهضة لطالبان على إضعاف حكام كابل الجدد، خاصة في ضوء التفجيرات الانتحارية بالقرب من مطار كابول والتي تبناها تنظيم "الدولة الإسلامية في خراسان".
المصدر | جورجيو كافيرو/ ريسبونسبال ستيتكرافت – ترجمة وتحرير الخليج الجديد