الوصول إلى النجوم.. لماذا تريد دول الخليج التحول إلى اقتصاد المعرفة؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1640
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

رغم أهدافها الطموحة المعلنة بالتحول إلى اقتصادات متقدمة قائمة على المعرفة، لا تحدد أي من الخطط والرؤى المنشورة من قبل حكومات دول الخليج ماهية اقتصاد المعرفة ولا تقدم الحجج أو الأسباب الأكثر دقة، التي تجعل مثل هذا المسار التنموي الاختيار المفضل لاقتصاداتها.

وتهدف هذه الورقة إلى بناء مثل هذه الحجة، ومناقشة متطلبات الانتقال الناجح إلى اقتصاد المعرفة.

لقد صعدت "المعرفة" إلى صدارة أجندة التنمية بين المخططين وصانعي السياسات في جميع أنحاء العالم، وبخاصة في منطقة الخليج، خلال أواخر التسعينات وأوائل القرن الحادي والعشرين؛ نتيجة للمضي قدما في "نظرية النمو الداخلي" (تعتبر أن النمو الاقتصادي ينتج بشكل رئيسي عن القوى الداخلية وليس الخارجية).

وفي حين أن المعرفة -التي يُنظر إليها على أنها عامل إنتاج- كانت دائما جزءا من الإنتاج والابتكار، فقد احتلت مكانة بارزة في المرحلة الحالية من الاقتصاد العالمي، التي تتميز بكم متزايد من الابتكارات التكنولوجية والمنافسة العالمية التي عجلت من سرعة الابتكار.

وتعد هذه الخصائص أكثر وضوحا في سلف الاقتصاد القائم على المعرفة، أي "الثورة الصناعية الرابعة"، وهي "ثورة تكنولوجية تدمج التقنيات المادية والرقمية والبيولوجية من أجل تقديم منتجات وخدمات غير مسبوقة في القطاعات الجديدة والناشئة، مثل الذكاء الاصطناعي، وعلم الروبوت، وإنترنت الأشياء، والمركبات ذاتية القيادة، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وتكنولوجيا النانو، والتكنولوجيا الحيوية، وعلوم المواد، وتخزين الطاقة، والحوسبة الكمية.

ومن أجل فهم الحجج الاقتصادية وراء دافع دول الخليج للتحول إلى اقتصادات قائمة على المعرفة، من الضروري تضمين نموذج "دورة حياة المُنتج" ونهج "سلسلة القيمة" (مصطلح يستخدم في مجال إدارة الأعمال للتعبير عن مجموعة النشاطات التي تؤدّيها شركة تعمل في صناعة مُحددة من أجل تقديم مُنتج ذي قيمة).

إذ يتعين على الدول بناء القدرة إما على ابتكار المنتجات أو الحصول على براءات الاختراع أو التراخيص واستغلالها، والتي من شأنها أن تتيح الفرصة لدول الخليج لدخول دورة حياة المُنتج في مرحلة نموه وتطوره، وبالتالي تعزيز احتمالية جني أرباح كبيرة من عملية الإنتاج.

بينما يُجادل نهج "سلسلة القيمة" بأن الأنشطة الخدمية تجني عموما دخلا أعلى من التخصص في التصنيع.

وفي ظل انخفاض تعداد سكان دول الخليج، باستثناء السعودية، فإن التخصص في أنشطة الخدمات هو النهج الاقتصادي الأكثر فائدة.

لكن ضعف جودة التعليم وغياب التحفيز بين الشرائح الشابة من السكان، تعد من أكثر العوامل المقيدة لانتقال دول الخليج إلى اقتصادات قائمة على المعرفة.

ومن أجل تعزيز التعليم خاصة في مجال العلوم والتكنولوجيا، تستخدم الإمارات والسعودية على التوالي "مهمة المريخ" و"مشروع مدينة نيوم" العملاقة لغرس أهداف طموحة لدى الأجيال الشابة في هذه المجالات.

علاوة على ذلك، يسمح كلا المشروعين للبلدان بالحصول على خبرة مباشرة في تطوير وتطبيق أحدث التقنيات التي يقدمها العالم، من أجل تسهيل التحول إلى الاقتصادات القائمة على المعرفة.

إن حكام الإمارات والسعودية ليسوا القادة الأوائل الذين وضعوا أهدافًا طموحة وذات رؤية بهدف تحفيز المواطنين على الالتفاف حول أهدافهم وزيادة الموارد لجعلها حقيقة واقعة.

فمشروع "مدينة نيوم"، من حيث التكلفة والطموح، يعد أفضل من برنامج الفضاء الأمريكي الذي أعلنه الرئيس "جون كينيدي" عام 1962 في خطاب شهير قال خلاله: "لقد اخترنا الذهاب إلى القمر في هذا العقد؛ ليس لأن الأمر سهل، وإنما لأنه أمر صعب. لأن الهدف هو اختبار وتنظيم طاقاتنا ومهاراتنا، ولأننا لا نرغب في تأجيل هذا الأمر وننوي الفوز به".

 

أفول عصر النفط

إن خلفية التركيز على التحول إلى اقتصاد المعرفة هي أن دول الخليج تمر بمرحلة تحول اقتصادي.

فوفقا لخططها ورؤاها التنموية، فإن الهدف هو تحويل اقتصاداتها بعيدا عن الاعتماد على النفط والغاز، وأن تصبح اقتصادات متقدمة قائمة على المعرفة في مرحلة ما بعد النفط مع أسس متينة ومستدامة اقتصاديا.

إن هذا التحول ضروري ليس فقط بسبب الانخفاض الحاد في أسعار النفط منذ انهيار أسعاره عام 2014، والأسعار المتدنية الحالية الناتجة عن جائحة "كورونا"، ولكن يُنظر إليه من منظور أوسع نظرا لإدراك أن "عصر النفط" يوشك على الانتهاء.

يجب أن يُنظر إلى هذه الحقبة على أنها انحراف تاريخي في تطور دول الخليج العربي، الذي تميزت بمداخيل ضخمة من النفط والغاز، إلى جانب قلة عدد السكان؛ ما ترك السكان مع دخل نفطي مرتفع للغاية للفرد.

ومع ذلك، فقد تغيرت هذه العوامل الآن.

فاليوم، تضاعف حجم السكان وتعرضت أسعار النفط لضغط هبوطي طويل الأمد.

أولا، بسبب تقنيات إنتاج النفط الجديدة التي تجلب إمدادات متزايدة من النفط بأسعار معقولة إلى السوق العالمية (المصادر غير التقليدية مثل النفط الصخري).

ثانيا، بسبب الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ ما يعني ضمنا التركيز القوي على استبدال مصادر الطاقة "السوداء" بمصادر "صديقة للبيئة". ليس أقلها في قطاع النقل.

ويضع كلا العاملين ضغطا هبوطيا على أسعار النفط، وبالتالي على مداخيل النفط التي تتلقاها دول الخليج.

ومن هذا المنظور، يبدو أن ثروة النفط التي شهدناها على مدى الخمسين عاما الماضية قد ولت.

إن ارتفاع عدد السكان والمجتمعات التي تشهد زيادة في تكلفة إدارتها، جنبا إلى جنب مع ركود أو انخفاض مداخيل النفط، لا يسمح باستمرار النموذج التنموي الاقتصادي السابق الثري؛ نموذج "الدولة الريعية".

بصفة عامة، فإنه أمام أفول "عصر النفط''، لم يعد لدول الخليج أي خيار سوى أن تفعل ما تفعله جميع الدول الأخرى التي تفتقر إلى موارد طبيعية كبيرة، ألا وهو تشجيع نمو قطاع إنتاجي؛ ما يخلق فرص عمل للسكان، وينتج سلعا وخدمات تلبي الاحتياجات المحلية، بل ويمكن بيعها في السوق الدولية، وبالتالي تخلق تدفقا للدخل.

ويعتبر هذا التحول مسألة ملحة بالنسبة لبعض دول الخليج، ولا سيما السعودية.

هذه هي الأسباب المعلنة وراء التغييرات الجذرية المتصورة في رؤية "السعودية 2030"، وسلسلة الإصلاحات التي تم تنفيذها على مدار العامين الماضيين.

ومع ذلك، فإن التحول إلى الاقتصادات القائمة على المعرفة ليس بالمهمة السهلة.

إذ تنتظر دول الخليج في المستقبل عملية صعبة طويلة؛ حيث يجب زيادة مستوى التعليم العام، ويحتاج الشباب إلى التحفيز من أجل الإقبال على وظائف في مجال الدراسات المتعلقة بالعلوم، كما يجب أن يُقدم المجتمع حوافز حقيقية للفرد تشجعه على أفضل أداء.

 

المصدر | LSE’s Middle East Centre Blog/مارتن هفيدت- ترجمة وتحرير الخليج الجديد