كيف تواطأت الأحداث العالمية لتدفع دول الخليج والصين لأحضان بعضهما البعض؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1344
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

قد تؤدي الهزة التي أحدثتها جائحة "كورونا" في أسواق الطاقة، بالإضافة إلى الضغط الذي تشعر به الدول المنتجة لتقليل انبعاثات الكربون وتأمين عقود الطاقة الآجلة في الوقت ذاته، إلى أن يصبح تحالف الخليج مع الصين محور أسواق الطاقة العالمية الجديد.

وانخفض الطلب العالمي والاستثمار في الطاقة بنسبة 5% و 18% على التوالي، وفقًا للتقديرات، كما كشفت الوكالة الدولية للطاقة مؤخرا أن الطلب على الطاقة لن يعود إلى مستويات ما قبل الوباء حتى عام 2023 في أكثر توقعاتها تفاؤلًا أو في عام 2025 إن تأخر تعافي الاقتصاد.

ومع ذلك، فإن العودة إلى مستويات الطلب قبل "كورونا" لا يتطلب العودة إلى نمو ما قبل الأزمة، حيث إن النمو المتوقع في الطلب يقدر بـ4% بين عامي 2019 و 2030 في حالة تأخر التعافي، مقارنة بـ12% في عالم خالٍ من "كورونا".

أبرز الوباء أهمية وجود إمدادات كهرباء موثوقة يسهل الوصول إليها، حيث تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن قطاع الكهرباء، الذي يفوق الطلب عليه مصادر الوقود الأخرى، سيدعم التعافي الاقتصادي وسيمثل 21% من استهلاك الطاقة العالمي النهائي بحلول عام 2030.

وسيتلقى الطلب على الكهرباء دفعة كبيرة بفعل السعي الحثيث لتخفيض الانبعاثات الكربونية، مما سيزيد من استخدام المركبات الكهربائية ومصادر الحرارة في الاقتصادات المتقدمة، كما إن زيادة استهلاك الأسواق الناشئة للكهرباء سيلعب دورًا أيضًا.

 

اقرأ أيضاً

هل تنجح الصين في تضييق هوة الخلافات السعودية الإيرانية؟

 

الصين تتصدر سوق الكهرباء

تعد الصين في طليعة البلدان التي تقود هذا النمو، ومن المتوقع أن تكون المحرك الرئيسي لطلب الطاقة خلال العقد المقبل، وبعد دعوة الرئيس "شي جين بينغ" لتحقيق "ثورة طاقة"، سعى إلى تحسين وضع الصين كلاعب رئيسي في أسواق الطاقة العالمية.

وفي حين أن الصين هي حاليا أكبر مستهلك ومنتج في العالم للكهرباء المعتمدة على الفحم، فإن تعهد "شي" بجعل الصين خالية من انبعاثات الكربون بحلول عام 2060 يعني أن مطالب الطاقة سيتم تلبيتها بشكل متزايد عبر الطاقة المتجددة.

من المتوقع أن تمثل الصين 40% من توسعة الطاقة المتجددة العالمية، فهي تقود مجال الطاقة النووية، وإنتاج الوقود الحيوي وهي مسؤولة عما يقرب من نصف الطاقة الضوئية الموزعة عالميا.

وبالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يمثل الطلب الصيني أيضا 40% من نمو قطاع الكهرباء العالمي بحلول عام 2030، ارتفاعًا من 28%.

كان هذا النمو نتيجة لشهية شرق آسيا المتزايدة للطاقة النظيفة لدرجة أن استثمار الكهرباء العالمي تفوق في 2016 على استثمارات النفط والغاز لأول مرة في التاريخ.

ومع ذلك، سيكون هناك متضررون من هذا الوضع، حيث أدى تراجع الطلب العالمي على النفط إلى انخفاض أسعاره، وفي ظل التوقعات بتدهور الطلب على النفط في العقد القادم، أصبحت دول الخليج تشعر بحاجة ملحة للتنويع، في وقت يصبح فيه النفط عبئًا عليها أكثر من كونه نعمة.

وبالتالي قد يؤدي استعجالهم لأخذ حصة في النظام العالمي الجديد للطاقة، لأن يبدؤوا في التطلع إلى الشرق بدلا من الغرب في خضم بحثهم عن صديق يُعتمد عليه.

 

الخليج يتطلع للصين

لا تعد العلاقات الصينية الخليجية وليدة حديثًا، وبما إن الصين أكبر مستورد في العالم للنفط والغاز الطبيعي، فإن هاتين السلعتين هيمنتا على العلاقات التجارية الصينية وكانتا أساس تحالفها مع الخليج الذي قادته السعودية.

يوفر مجلس التعاون الخليجي أكثر من 30% من واردات النفط في الصين، وتتصدر السعودية القائمة، حيث تمثل أكثر من 16% من إجمالي الاستيراد الصيني للنفط.

لكن بما أن العالم أصبح يدير ظهره بشكل متزايد للنفط، فقد تتطلع دول مجلس التعاون الخليجي والصين بشكل متزايد إلى بعضهم البعض لتأمين العقود الآجلة للطاقة الخاصة بهم.

نمت العلاقات الصينية الخليجية من قوية لأقوى، وهو ما تجلى في إنشاء منتدى التعاون بين الصين والدول العربية في عام 2004 والحوار الاستراتيجي الصيني الخليجي في عام 2010، وبالتالي كان متوقعًا للغاية أن تعطي الصين دورا محوريًا لدول الخليج في مبادرة الحزام والطريق.

أُعلن عن مشروع البنية التحتية العالمي هذا في عام 2013، بهدف تعزيز الاتصال المادي والتكامل المالي والنمو التجاري والاقتصادي، وأصبح ركيزة أساسية في نهج السياسة الخارجية الصينية المتنامية النشاط في عهد "شي".

وخلال المؤتمر الوزاري السادس لمنتدى التعاون بين الصين والدول العربية في عام 2014، وصف "شي" دول الخليج بأنها "شركاء تعاون طبيعي في البناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق".

 هذا ما هيأ العلاقة لطوفان من الاستثمارات والاتفاقيات التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات بين الصين ودول الخليج، مما يعزز مبادرة الحزام والطريق في شبه الجزيرة العربية ويعمق العلاقات الاقتصادية.

وجاء نشاط الاستثمار الصيني في الخليج ليعقب إطار التعاون الصيني العربي "1+2+3"، الذي يعتبر التعاون في مجال الطاقة بمثابة محور مركزي له، بالإضافة إلى التعاون في الاستثمارات والبنية التحتية وتسريع الإنجازات في 3 مجالات عالية التقنية، وهي الأقمار الصناعية المتعلقة بالطيران والطاقة النووية والطاقة المتجددة.

كان هناك وصف مناسب لمبادرة الحزام والطريق قال بأنها "طرق النفط"، وستمكن هذه المبادرة الصين من إنشاء مرافق البنية التحتية والنقل ومرافق التكرير اللازمة لتأمين مستقبل الطاقة وتأمين خزائن دول مجلس التعاون الخليجي.

 

منفعة متبادلة

ستكون هذه الخطط الطموحة ذات أهمية أكبر في السنوات القادمة، وعلى الرغم من الاضطرابات الاقتصادية واضطرابات أسواق الطاقة الناجمة عن الوباء، فإن العلاقات الصينية الخليجية لا تظهر أي علامات التباطؤ، بل ربما مهّد الوباء الطريق للاعتماد المتبادل بين الصين ودول الخليج.

وينطبق هذا بشكل خاص على دول مجلس التعاون الخليجي، التي تعتمد رفاهيتها الاقتصادية بشدة على إحياء أسواق النفط العالمية.

وقد تتحقق أمنيات الخليج عبر الصين، وتحفز النمو من خلال توفير تدفق إيرادات مضمون للصادرات الرئيسية في المنطقة، مما سيسهم في استقرار اقتصادات دول الخليج بلا شك.

لكن الفرص غير مقصورة على قطاع الطاقة، حيث توفر المنطقتان ثروة من الفرص الاستثمارية التي من شأنها أن تعمق العلاقات، خاصة في ظل إدراك اقتصادات الخليج لأهمية خطط التنويع المختلفة.

وبما إن هناك توافقات واسعة بين أجندات رؤى دول الخليج المستقبلية ومبادرة الحزام والطريق الصينية، فإن هذا يوفر ركيزة مهمة للتعاون المشترك، والطرفان بالفعل في المراحل النهائية لإبرام اتفاقية التجارة الحرة التي طال انتظارها منذ فترة طويلة، وهي خطوة تدفع بلا شك التعاون الاقتصادي وتفتح الأبواب لمجموعة واسعة من الفرص التجارية.

اتخذت السعودية بالفعل خطوات فعالة لتعزيز التعاون بين "رؤية 2030" ومبادرة الحزام والطريق من خلال توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم مختلفة مع الصين.

وقد اعتبرت الرياض منذ ذلك الحين أن مبادرة الحزام والطريق "أحد الركائز الرئيسية لرؤية السعودية 2030،" مما جعل الصين بالتالي "من بين أكبر الشركاء الاقتصاديين للمملكة".

 

آفاق العلاقة

يتجلى من ذلك أن الأحداث العالمية قد دفعت بقصد أو بلا قصد، الصين والخليج إلى أحضان بعضهما البعض، ومن المتوقع أن تكتسب العلاقات الصينية الخليجية زخمًا جديًا في السنوات القليلة المقبلة، خاصة في مجال تعاون الطاقة، والذي من المحتمل أن يستمر في تقوية هذا التحالف الاستراتيجي.

ولكن فيما تسعى الصين إلى ترسيخ نفسها في الخليج، قد تجد نفسها عالقة في منتصف صراع نفوذ إقليمي يهدد الاستقرار، متمثلًا في الصراع الإيراني السعودي.

ومع ذلك، لا يبدي الرئيس "شي" نية في خلط الأعمال التجارية مع السياسة، كما هو موضح في جولته الإقليمية الأخيرة، التي شهدت زيارته للسعودية وكذلك إيران من بين أماكن أخرى.

وبما أن الصين تود أن تعزز وجودها في الخليج، فإن ضمان السلام الإقليمي سيصبح بلا شك أولوية بالنسبة لبكين، وقد يكون الحياد الصيني هو المطلوب بالضبط لنزع فتيل التوترات الإقليمية والحفاظ على مستوى من الاتفاقيات التي تبقي الخلاف دون نقطة الغليان.

وعلى الرغم من تحرك العلاقات الصينية الخليجية لتصبح محورية في المستقبل، فإن الصين لن تحل محل الولايات المتحدة كقوة أجنبية مهيمنة في الشرق الأوسط في أي وقت قريب، وتركيز بكين على المسائل الاقتصادية بدلا من المسائل السياسية يجعل الصين "ليست بالضرورة صديقا أفضل، بل صديقا أقل تعقيدا"، على حد وصف الأمير "تركي بن ​​فيصل آل سعود".

 

المصدر | ندى عجور - فاير أوبزرفر - ترجمة وتحرير الخليج الجديد