احتجاجات عمان.. جرس إنذار لربيع خليجي قادم
مشهد غير مألوف ترسم خيوطه العريضة أحداث كر وفر وقنابل مسيلة للدموع واستنفار أمني، خلال الأيام الماضية، في سلطنة عمان، البلد الخليجي الهادئ، والمستقر نسبيا في منطقة ملتهبة.
وتعد احتجاجات صحار وصلالة هي الأولى منذ تولى السلطان "هيثم بن طارق"، السلطة في يناير/كانون الثاني 2020، بعد وفاة السلطان "قابوس بن سعيد" الذي حكم البلاد على مدار نصف قرن.
وتفيد تقارير بحدوث احتجاجات في بضع بلدات أخرى من بينها الرستق ونزوى وصور، وسط مخاوف من امتداد الاحتجاجات العمانية داخليا، وربما خارجيا، إلى دول خليجية وعربية أخرى.
رمزية صحار
اللافت أن المظاهرات التي اندلعت في مدينة صحار، استعادت رمزية الساحة التي استقطبت الجيل السابق من المحتجين والتي تمت إزالتها واستبدالها بجسر لخط طريق سريع، قبل 10 سنوات في الاحتجاجات التي تزامنت مع موجة الربيع العربي الأولى، عام 2011.
ويحمل التواجد الأمني المكثف، مدعوما بقوات من الجيش، في المدينة الواقعة على بعد 200 كيلومتراً شمال غرب العاصمة مسقط، نذر مخاوف لدى السلطة من انفلات الأوضاع، والتي ردت باعتقال عدد من المتظاهرين.
وقال مركز الخليج لحقوق الإنسان، والجمعية العمانية لحقوق الإنسان، في بيان، إن السلطات صادرت الهواتف المحمولة للمعتقلين.
ويحمل امتداد التظاهرات لمناطق في السلطنة، ولجوء عشرات المتظاهرين إلى رشق سيارات الشرطة بالحجارة، مخاوف جدية من اتساع رقعة الاحتجاجات، وهو ما دفع السلطان "هيثم" إلى محاولة احتواء الحراك الجديد بشكل سريع، وظهور متلفز خلال ترؤسه اجتماعا لبحث أزمة البطالة بين الشباب.
وفي تصريح لافت بدا أنه مغازلة لهذا القطاع الحيوي من العمانيين، قال السلطان "هيثم"، إن "الشباب هم ثروة الأمم وموردها الذي لا ينضب.. نحن حريصون على الاستماع لهم وتلمس احتياجاتهم واهتماماتهم وتطلعاتهم".
تراكمات ممتدة
وفق رئيس جمعية الصحفيين العمانيين "محمد مبارك العريمي"، فإن الاحتجاجات الأخيرة تعود إلى تراكمات امتدت لأكثر من عشر سنوات، مشيرا إلى تدهور الوضع الاقتصادي عمانيا وعالميا.
وبشكل أكثر وضوحا، تقول الإذاعة الألمانية "DW"، إن الاحتجاجات اندلعت على خلفية برنامج تقشف محكم فرضة سلطان عمان، وشمل تسريحات كثيرة وفرض ضريبة القيمة المضافة، الشهر الماضي.
ويتضمن برنامج التقشف الحكومي، مساعدات حكومية أقل، مع تسارع وتيرة الإحالة المبكرة على التقاعد، ومنح الموظفين الجدد أجور منخفضة، وفرض الرسوم على بعض الخدمات.
وتعاني عمان كثيرا جراء ضعف الطلب على النفط، واستمرار تداعيات جائحة "كورونا"، الذي أضر بمالية إحدى أضعف الأصول في الخليج، ما جعلها تلجأ لاقتراض 2.2 مليار دولار لسد عجز موازنتها للعام الجاري.
وتبلغ نفقات موازنة عمان للعام 2021، 10.88 مليار ريال (28.28 مليار دولار)، بعجز متوقع 2.24 مليار ريال (5.82 مليار دولار)، رغم خفض الإنفاق بنسبة 14%.
وقد يوفر ارتفاع أسعار النفط فوق حاجز الـ70 دولارا، فرصة لمسقط لالتقاط الأنفاس، شريطة البدء في الإصلاحات عاجلا وليس آجلا، بحسب خبير الاقتصاد السياسي في مركز تشاتام هاوس في لندن، "عادل حميزية".
إنذار خليجي
خليجيا، تبدو احتجاجات عمان مقلقة، ضمن سياق يستعيد ما حدث في العام 2011 من احتجاجات في البحرين وعمان، ضمن الموجة الأولى لما عرف بثورات الربيع العربي.
وفي هذا الصدد، كان وزير الخارجية العماني السابق "يوسف بن علوي"، صريحا وصادما، حينما صرح في أبريل/نيسان الماضي أنه يتوقع انتفاضات أخرى في البلاد العربية، وأن الظروف التي أفرزت احتجاجات الربيع العربي لا تزال قائمة، محذرا من ألا تصمد دول الخليج في وجه الانتفاضات المستقبلية.
وربما كان الاتصال الهاتفي بين العاهل السعودي، وسلطان عمان، الأربعاء الماضي، إشارة إلى قلق المملكة من اتساع احتجاجات البطالة في صلالة بالجنوب وصحار في الشمال، وهو ما لا تشتهيه دول الخليج التي تعاني من تزايد نسب البطالة بين مواطنيها.
بمعنى آخر، فإن أسباب اندلاع الاحتجاجات في عمان، هي قائمة بذاتها في عدد من دول الخليج الأخرى، خاصة مع استمرار النزيف الاقتصادي جراء أزمة "كورونا"، وانهيار أسعار النفط، وحرب اليمن، وارتفاع وتيرة التسليح بسبب التوتر مع إيران.
خطة احتواء
يمكن القول إن الحكومة العمانية تسارع الخطى لتهدئة الأوضاع، وامتصاص الغضب الشبابي، بالإعلان عن خطة لتوفير ما يصل إلى 32 ألف وظيفة بدوام كامل أو لبعض الوقت في الإدارات الحكومية، وتقديم إعانة حكومية لأولئك الذين ينضمون لقوة العمل للمرة الأولى.
كذلك أطلقت الحكومة العمانية، مبادرة لتوظيف العاطلين عن العمل في الجيش، ودعم أجور العمانيين الداخلين الجدد لسوق العمل في القطاع الخاص بما مقداره 200 ريال عماني على أن يتحمل صاحب العمل فرق الراتب المتفق عليه لعدد 15 ألف فرصة عمل وذلك لمدة سنتين.
وتضمنت خطوات التهدئة، صرف إعانة شهرية مقطوعة من صندوق الأمان الوظيفي لمدة ستة أشهر للعاملين المتأثرة أعمالهم بسبب الوضع الاقتصادي والبالغ عددهم قرابة 15 ألفا، وصرف إعانة شهرية مقطوعة من صندوق الأمان الوظيفي للمنهية خدماتهم من العمانيين العاملين بدول مجلس التعاون الخليجي وذلك لمدة 6 أشهر.
وتعول عمان على انخفاض عدد العاملين الوافدين في القطاعين الحكومي والخاص، في مارس/آذار الماضي، بنحو 218 ألف عامل وافد،بنسبة 13%، بحسب المركز الوطني للإحصاء والمعلومات في السلطنة.
لكن مركز التجارة والاستثمار الألماني "GTAI" (حكومي)، يحذر من أن توسيع الجهاز الإداري بغرض خلق فرص عمل للمواطنين، سيلتهم أكثر من ثلاثة أرباع عائدات البلاد من النفط، الذي يولد ما يقارب أربعة أخماس صادرات البلاد.
ويبدو أن الأمر لا يتعلق فقط بندرة الوظائف، بقدر ما يرتبط في الأساس بالتهميش الذي تعانيه صحار وغيرها، من المناطق البعيدة عن العاصمة مسقط، إضافة إلى تقييد الحريات العامة، بما في ذلك حرية التظاهر السلمي وحرية الصحافة، وفق منظمات حقوقية عمانية.
ومن المؤكد أن سلطان عمان الذي كان وزيرا للثقافة، ومسؤولا عن رؤية عمان 2040، أمام تحد صعب خلال عامه الثاني في سدة الحكم، تبدو صعوبته -ليس فقط- في تحقيق الاستقرار لمواطنيه، بل بتجنب تكرار ما حدث في 2011، والحيلولة دون ظهور موجة جديدة من الربيع العربي، قد تطول تأثيراتها عواصم خليجية أخرى.
المصدر | الخليج الجديد