6 سنوات من قمة اليخت السرية.. كيف غيرت الانقسامات خريطة التحالفات؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1815
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

 جلب تحالف عدد من حكام الشرق الأوسط الكثير من الخراب لدول المنطقة. 
لقد شن هؤلاء الحكام حروبا في اليمن وليبيا وسوريا، وحولوا الكثير منها إلى ركام.
وفضلا عن ذلك، فقد موّلوا الانقلاب في مصر، وحاولوا تنفيذ انقلابات في تونس وتركيا.
وسُفكت دماء مئات الآلاف في هذه التدخلات.
وقاتل هؤلاء الحكام باسم الدفاع عن المنطقة ضد الإسلاميين و"التطرف"، وفي هذا السياق، اجتذبوا الدعم من القوى الاستعمارية السابقة (فرنسا وبريطانيا).
لكن في الواقع لم يكن لدورهم علاقة بالدفاع عن الليبرالية أو العلمانية، بل لم تتورع هذه الأنظمة عن تجنيد القوى الدينية لغايات سياسية.
وقد كان سعيهم من أجل الهيمنة، أو كيفية نقل الحكم المطلق من جيل إلى آخر في العائلة.
في أواخر عام 2015 بعد عامين من أول نجاح كبير لهم، وهو الانقلاب العسكري في مصر، اجتمع قادة هذا التحالف - وهم الحكام الفعليون للسعودية والإمارات والبحرين ومصر والأردن - سراً على متن يخت لرسم خططهم للمنطقة.
أما اليوم، أي بعد 6 سنوات على ذلك الاجتماع، فلن يكون من السهل جمع الشخصيات ذاتهاعلى متن قارب واحد في البحر الأحمر.
ويرجع السبب في ذلك إلى أن مدبر هذه القمة السرية في السجن، حيث يقضي "جورج نادر" 10 سنوات وراء القضبان بتهمة ممارسة الجنس مع الأطفال.
وفضلا عن ذلك، يحمل المشاركون اليوم ضغينة كبيرة ضد بعضهم البعض.

المال مثل "الرز"؟
وكانت العلاقات بين السعودية ومصر هي الأسرع فتورا، فالسعوديين لم يعد لديهم "مال كالرز" كما تفاخر الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" أمام رئيس ديوانه "عباس كامل".
وبأي حال من الأحوال، فإن الملك "سلمان" ليس كريما مثل شقيقه الراحل "عبدالله"، حتى لو كان لديه المال، وهو ما لا يملكه.
وقد حاول "السيسي" الحصول على خط تمويل جديد من الرياض من خلال منحها جزيرتين غير مأهولتين، ولكن لهما موقع استراتيجي على البحر الأحمر هما تيران وصنافير.
لكن السعوديين لم يعودوا مهتمين بهدايا من هذا النوع مثل قناة السويس وخليج العقبة، بينما تبرق أعينهم عند التفكير في طرق أرخص وأسرع إلى البحر الأبيض المتوسط (عبر إسرائيل).
ولا تعترض مصر علنا على ذلك، لكنها تنزعج بشكل متزايد من خطط تجاوز قناة السويس، التي وصلت قيمة التوسعات الأخيرة التي أجريت عليها إلى 8.2 مليار دولار.
سواء كان الأمر يتعلق بالتراجع عن خط أنابيب صحراوي، كان سريًا في السابق، يمتد من إيران إلى إسرائيل في عهد الشاه، أو تطوير الموانئ والمناطق الحرة في إسرائيل، أو بخط "بلو رامان"، وهو كابل من الألياف البصرية مخصص لمنطقة الشرق الأوسط، فإن كل ذلك يشير إلى خسارة فادحة للمال والنفوذ الإقليمي بالنسبة للقاهرة.
وليس الأمر كما لو أنه لم تكن هناك خلافات سابقة بين المصرفي والدول التي يتعامل معها، فقد كان رفض مصر إرسال قوات للقتال في حرب اليمن أحد نماذج ذلك التباين.
كما رفضت مصر اتخاذ نفس الموقف العدائي تجاه إيران وحلفائها في لبنان.
ولكن هناك عاملين جديدين أقنعا مصر بأن مصالحها الوطنية لا يخدمها دائمًا حلفاؤها الإقليميون.
يكمن العامل الأول في وصول الرئيس الأمريكي "جو بايدن" وكراهيته الواضحة لولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" بالرغم أنه يرفض معاقبته.
وليس لدى "السيسي" مصلحة في أن ينضم إلى "بن سلمان" في معسكر الديكتاتوريين المنبوذين.
بدلاً من ذلك، لدى "السيسي" دافع قوي في إبعاد نفسه عن هذا المعسكر.
لقد تلطخت سمعة "بن سلمان" الدولية بعد نشر تقرير المخابرات الأمريكية حول مقتل الصحفي "جمال خاشقجي".
وبعد صدور التقرير، توقع "بن سلمان" أن تصله رسالة دعم وتضامن من أعضاء معسكره وحتى ممن لم يكونوا أعضاء في معسكره مثل قطر.
وقد فعل معظمهم ذلك مثل الملك "عبدالله الثاني" ملك الأردن، وطار رئيس الوزراء السوداني "عبدالله حمدوك" إلى الرياض، وأصدرت دول أخرى مثل البحرين والإمارات بيانات.
ولكن البلد الوحيد الذي التزم الصمت هو مصر.
أما العامل الثاني فهو هزيمة الجنرال الليبي "خليفة حفتر" الذي طردت قواته من طرابلس وتراجعت إلى سرت. وجاء تدخل تركيا وفاعلية طائراتها بدون طيار بمثابة صدمة لمصر، التي كانت مدفوعة بأجندة الإمارات في ليبيا. ومع ذلك، استثمرت مصر بشكل كبير في تدريب وتسليح وإمداد قوات "حفتر".
عندما اكتشفت كل من الإمارات ومصر أنهما في الجانب الخاسر، بدأ البعض في وسائل الإعلام المصرية في التساؤل علنًا عن سبب وجود مصر في هذا الموقف.
وتعتبر ليبيا مهمة بالنسبة لجارتها، لأسباب ليس أقلها ملايين المصريين الذين يعملون هناك في أوقات السلم.
فعندما تزدهر ليبيا ينعكس ذلك بشكل إيجابي على مصر.
وقد مهدت هزيمة "حفتر" الطريق لمحادثات مصرية مباشرة مع الحكومة في طرابلس، ومحادثات سرية مع المخابرات التركية.
ونتيجة لذلك، تمت الموافقة من قبل تركيا ومصر معا على مرشحي القائمة التي خسرت الانتخابات على منصب رئيس الوزراء.
وعندما رفض الليبيون هؤلاء المرشحين، لم يتأثر ذلك التفاهم الضمني بين أنقرة والقاهرة، فضلا عن أن الأمور لم تعد متقاربة بين القاهرة وأبوظبي، حيث بدأ الفتور بين الجانبين بسبب المال، لكن سرعان ما ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير مع اعتراف الإمارات بإسرائيل.
وقد حلت الموجة الثانية من التطبيع مع إسرائيل محل الموجة الأولى، حيث فقدت كل من مصر والأردن نفوذهما بصفتهما بوابتي العالم العربي لإسرائيل، وكانت الخسارة بنفس القدر الذي كسبته الإمارات. 
وعندما أعلنت أبوظبي أنها ستستثمر 10 مليارات دولار في إسرائيل في مجالات الطاقة والتصنيع والمياه والفضاء والرعاية الصحية والتكنولوجيا الزراعية، لم يكن من قبيل المصادفة أن يرفض الأردن السماح لطائرة "بنيامين نتنياهو" باستخدام مجاله الجوي، حيث اضطر إلى إلغاء رحلة مخصصة لاستلام هذه الجائزة شخصيًا.
وقال مكتب "نتنياهو" إن الخلاف مع عمان نابع من قرار إسرائيل إلغاء زيارة ولي العهد الأردني إلى المسجد الأقصى في اليوم السابق.
يعتمد جزء كبير من شرعية الأسرة الهاشمية على دورها كوصي على الأماكن المقدسة في القدس، وهو دور يتعرض الآن للتهديد العلني من قبل السعودية بتشجيع من إسرائيل.
ولكن من خلال تطوير علاقة "بن سلمان" مع إسرائيل، فإن ذلك يضعف استقرار حدود إسرائيل الأكثر أمانًا (مع الأردن).
كان الهدف من قمة اليخت هو مواجهة تركيا وإيران. لذلك ليس من قبيل المصادفة أن دولتين من الدول التي حضرت تلك القمة تعملان حاليا على تخفيف عدائهما لأنقرة.
وتتجه تركيا والسعودية للتقارب مع وصول رئيس أمريكي معاد لولي العهد السعودي والرئيس التركي.
وكان "بن سلمان" قد حذره مستشاروه أنه إذا فاز "بايدن"، فسيتعين عليه فتح العلاقات مع تركيا.
وبالرغم من ذلك، فإن "بن سلمان" غير مقتنع بذلك ولا يمكنه التغلب على الشعور بأن "أردوغان" عمل على كشف أمره فيما يخص مقتل "خاشقجي".
لكن العلاقة بين والده الملك "سلمان" و"أردوغان" لم تنفجر أبدًا، ولذا تجري محاولات لاستعادة العلاقات من خلالهما.
وقد عرضت قطر الوساطة بين البلدين، وهو أمر مثير للسخرية، لأنه عندما بدأت الأزمة الخليجية، عرض الأتراك التوسط.
وتحتفظ تركيا بعلاقات قوية مع سلطنة عمان والكويت، وفي نفس الوقت من مصلحة أنقرة والرياض الظهور أمام واشنطن باعتبارهما لاعبان إقليميان مهمان.
لكن هل هناك أمور أكثر تجري من تحت الطاولة؟
زعم الحوثيون مؤخرًا أنهم أسقطوا طائرة بدون طيار "أثبتت جدواها في أذربيجان"، في إشارة غير مباشرة إلى تركيا.
وقد كانت تلك طائرة مسيرة تركية، ولكن ليست نفس تلك التي استخدمت في أذربيجان.
في العام الماضي، وقعت الحكومة السعودية صفقة مع شركة محلية لتزويدها بطائرات بدون طيار مسلحة بعد أن حصلت على إذن بنقل التكنولوجيا الخاصة بتصنيع تلك الطائرات من شركة الدفاع التركية "فيستل كارايل".
وبالفعل، استلمت السعودية 6 طائرات من هذا النوع.
تنفي تركيا وجود أي شيء رسمي بشأن عملية نقل التكنولوجيا.
وقال مصدر تركي مطلع على صناعة الدفاع إن "فيستل" لم تطلب إذنًا حكوميًا لإجراء مثل هذا النقل التكنولوجي إلى الرياض.
ومع ذلك، أثارت الحادثة دهشة الكثيرين.
وذكرت مجلة "جينز" للشؤون الدفاعية إن "كارايل" لم يُعرف عنها من قبل تقديم خدمات للجيش السعودي. 
على أية حال، لا تزال المقاطعة السعودية للبضائع التركية مستمرة.

إصلاح العلاقات مع مصر
قللت القاهرة من شأن سلسلة التصريحات التي صدرت الأسبوع الماضي من وزير الخارجية التركي، "مولود جاويش أوغلو"، وكبير مستشاري الرئيس التركي، "إبراهيم قالن"، والرئيس نفسه حول فتح صفحة جديدة مع مصر.
وأكد وزير الخارجية المصري "سامح شكري" على الاتصالات مع "جاويش أوغلو"، ولكنه أكد أن تركيا يجب أن "تنسجم مع مبادئ مصر" قبل أن تعود العلاقات إلى طبيعتها.
ونشر رئيس تحرير جريدة "الوطن" المصرية 10 شروط قبل عودة العلاقات.
ولكن تأثير هذه الشروط على أنقرة سيكون نفس تأثير المطالب الـ 13 التي فرضتها دول الحصار على قطر.
وقد بدأ التفاؤل في أنقرة عندما أعلنت مصر عن سعيها للقيام بالتنقيب عن النفط والغاز في شرقي المتوسط والإقرار بالإحداثيات التي حددتها أنقرة للجرف القاري التابع لها.
وقال وزير الخارجية اليوناني، "نيكوس ديندياس"، أنه تم "تعديل" تلك الإحداثيات بعد رحلة إلى القاهرة.
وقد التقى كبار المسؤولين في المخابرات التركية بنظرائهم المصريين عدة مرات.
وبصرف النظر عن ليبيا، تقدم تركيا المساعدة للمصريين في نزاعهم مع إثيوبيا حول سد النهضة، بينما تفعل الإمارات العكس من خلال تقديم المساعدة لرئيس الوزراء الإثيوبي "أبي أحمد".
وقد أجرى "محمد دحلان"، المقيم في أبوظبي، زيارة معلنة إلى أديس أبابا. ولكن ما لم يُعلن عنه هو أن سيده ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" ذهب معه، بحسب مصدر مطلع.
وبالرغم من ذلك، لا تزال مصر مترددة في التجاوب مع مبادرة التقارب التركية، وقال مسؤول مصري لموقع "ميدل إيست آي": "تريد مصر من أنقرة أن تتخذ على الأقل خطوة رمزية بشأن وجود الإخوان المسلمين في تركيا".
وإذا كان هذا هو المطلوب، فلن يتحقق شيء. فليس لدى الإخوان المسلمين وجود مادي في تركيا على شكل مكتب إقليمي. لذلك لا يوجد شيء لإغلاقه. 
أما تعقب أعضاء الجالية المصرية الكبيرة في إسطنبول بشكل فردي فسوف يعني تسليم المطلوبين، وهذا أمر لن تقدم عليه تركيا.
كما أنه لا وجود حتى الآن لضغوط تركية ملموسة على وسائل إعلام المعارضة المصرية في إسطنبول.
ومعروف أن القاهرة تود بالذات إسكات قناة "الشرق" الفضائية ووقف بثها. 
وقد قال مالكها "أيمن نور"، السياسي المصري المعارض، لموقع "ميدل إيست آي": "ليس لدى السلطات التركية ما تقدمه أو تنسحب منه عندما يتعلق الأمر بقناة الشرق لأننا لا نحصل على تمويل من تركيا أو قطر".
وفضلا عن ذلك. فإن القيام بأي من هذه الإجراءات سوف يعني تغيرا استراتيجيا ليس فقط في السياسة الخارجية بل وأيضا في السياسة المحلية.
فمع أن تركيا جمهورية علمانية إلا أن "أردوغان" أقرب ما يكون إلى زعيم ذي توجهات إسلامية. 
ولا تعتبر أي من هذه التوترات، بين أعضاء المحور الذي حارب الديمقراطية، أمرا نهائيا. فمن المرجح أن هذه المبادرات يتم استخدامها كورقة مساومة مع بعضهم البعض.
لكن المحور نفسه يضعف والدروس التي يجب أن يتعلمها الجميع أصبحت واضحة.
عندما تقوم العلاقات الخارجية على اتفاقيات سرية بين حكام، كل منهم لديه سبب وجيه للخوف من شعبه، فإن هذه الاتفاقات تظل هشة.
ولكن عندما تكون العلاقات قائمة على المصالح الإستراتيجية للشعوب، فإنها تكون أكثر ديمومة. وكلما كانت المصالح الوطنية مبنية على مصالح الشعوب وليس الحكام، فإن الاستقرار يكون قريبا.
وحتى هذه اللحظة، فإن ما نشهده هو حضن دافئ في يوم، وطعن في الظهر في اليوم التالي.

المصدر | ديفيد هيرست/ ميدل إيست آي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد