مدينة المستقبل بلا مستقبل.. هل يكتب كورونا شهادة وفاة نيوم؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2121
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

"شهيد نيوم".. اسم أطلقه ناشطون سعوديون عبر وسائل التواصل الاجتماعي على "عبدالرحيم الحويطي" الذي قُتل قبل أسبوعين على يد السلطات السعودية لاحتجاجه على خطط ترحيل قبيلته (الحويطات) من أراضيها في محافظة تبوك بغرض إنشاء مدينة نيوم، التي تمثل أحد المشاريع العملاقة في رؤية ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" الاستراتيجية المعروفة باسم "رؤية 2030".
الوصف والتفاعل الواسع معه عبر وسائل التواصل نقلا أزمة قرية "الخريبة"، التي تقع ضمن المراحل الأولى لنيوم، من نطاق المحلية إلى أبعاد أعمق في الجغرافيا والتاريخ، وقدما مؤشرا على حالة متصاعدة من الاستياء الاجتماعي قد تؤثر على مستقبل رؤية "بن سلمان" برمتها، خاصة في ظل استمرار تفشي فيروس كورونا وانهيار أسعار النفط.
ولا يعد "الحويطي" أول ضحايا سياسات التهجير السعودية لإفساح الطريق أمام مشروعات تصفها وسائل الدعاية الموالية للمملكة بـ"القومية"، وهي مشروعات غالبا ما يرفضها المهجرون من منازلهم رغم وعود التعويضات المجزية من الحكومة، حسبما يؤكد الباحث السعودي المقيم في الولايات المتحدة "عبدالله العودة" والخبيرة بشؤون الشرق الأوسط الأمريكية "ساره ليا ويتسون"، في مقال مشترك، نشر موقع "فورين بوليسي".
ووفقا للمجلة الأمريكية، فإن أبناء قبيلة الحويطات رفضوا التعويضات التي عرضتها الحكومة مقابل التهجير وتشريد القبيلة، وذلك في اجتماع لزعماء الحكومة مع ممثل حكومي في يناير/كانون الثاني الماضي.
وفي 12 إبريل/نيسان، أي قبل يوم من مقتله، نشر "الحويطي" فيديو على قناته بيوتيوب أصر فيه على أنه، كما آخرون من أبناء القبيلة، يريدون البقاء في أراضيهم التاريخية التي تريد الحكومة السيطرة عليها.
لكن الشرطة اعتقلت كل من رفض التوقيع على تعهد بالرحيل واحتجزت آخرين رفضوا ترك "أرض آبائهم وأجدادهم"، رغم وعود الحكومة بتقديم تعويضات ومساعدة الذين تشردوا، ومعظمهم يعمل في وظائف حكومية أو يملك محلات صغيرة وفنادق، وفقا لما أوردته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية.


تهجير قسري
تسكن قبيلة الحويطات قرى وبلدات في محافظة تبوك منذ مئات السنين، بما في ذلك عاصمة القبيلة التاريخية (الخريبة)، وتخطط السلطات السعودية لإخلاء وترحيل نحو 20 ألفا منهم لإفساح المجال أمام بناء مدينة نيوم.
وعلى مدى الأشهر الثلاثة الماضية، اندلعت احتجاجات متتالية في المنطقة رفضا لسياسات التهجير، ولكن الشرطة واجتها بحملة اعتقالات، حيث تعاملت السلطات مع أبناء الحويطات كـ"أشياء" يمكن التخلص منها ليحل محلها مستوطنون عالميون، حسب تعبير "العودة" و"ويتسون"، بدلاً من التشاور معهم والسعي لدمجهم في مخطط نيوم.
ووفق المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، فإن شركات دولية تورطت في عملية الإخلاء القسري لسكان المنطقة، من أبرزها مجموعة بوسطن الاستشارية في الولايات المتحدة.
غير أن الأمر لم يقتصر على الخريبة، بل إن مناطق أخرى من السعودية واجه سكانها مصير التهجير ذاته، خدمة لمشاريع أخرى في إطار رؤية "بن سلمان"، ومنها العوامية بمحافظة القطيف، ذات الأغلبية الشيعية، التي تستهدف السلطات فيها نزع ملكية مئات العقارات بحجة توسعة الطريق بوسط المدينة.
وتتهم منظمات حقوقية السطات السعودية بالسعي إلى إدخال تغييرات جغرافية وديموجرافية قسرية في البلدة، التي شهدت احتجاجات ضد السلطات السعودية تزامنا مع تظاهرات الربيع العربي عام 2011.
ومنذ عام 2017، عملت السلطات السعودية على هدم حي المسورة في العوامية، حيث انتزعت السلطات أكثر من 488 ملكية عقارية من أصحابها، تحت ذريعة وجود "مطلوبين" داخل الحي الأثري الذي كان يعود عمره إلى ما يزيد على 400 عام.
وفي 12 فبراير/شباط الماضي، اتجهت آليات الهدم وبمؤازرة سيارات تابعة للشرطة وعناصر الأمن، نحو مدينة صفوى، وأجهزت على المحال التجارية التابعة لذوي الدخل المحدود، وبدأت بتدمير المحال أمام أنظار أصحابها.


دبي الجديدة
يعود تاريخ مشروع نيوم إلى عام 2017، حين أعلن ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" نيته إنشاء مدينة تقنية متطورة تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار، ويسكنها المصطافون العالميون والشركات الناشئة بمساحة 10.230 ميلا مربعا -أي 33 ضعف مساحة مدينة نيويورك- وبعدد روبوتات أكبر من البشر، مع تقنيات التعرف على الوجه والمراقبة الجماعية للقضاء على الجريمة، وطائرات بدون طيار تعمل كسيارات للأجرة، ومنتجع فاخر على شاطئ البحر، ومجمعات ترفيهية.
ومع نهاية خطة البناء التي تمتد لخمس سنوات، من المفترض أن تصبح نيوم "دولة مصغرة" لها قوانينها الخاصة، حيث اختار "بن سلمان" هذه البقعة فيما يبدو كي تصبح "دبي الجديدة" على أطراف المملكة، حيث يتحرر الجميع من القيود المحافظة ويستهلكون المشروبات الكحولية المحرمة في بلاد مهبط الإسلام، بحسب تعبير الكاتب "بنيامين بارت" في مقال نشره في صحيفة "لوموند" الفرنسية.
ورغم إعلان مكتب الإعلام في "نيوم" أن المشروع يسير حسب المخطط "ويتم الانتقال من التخطيط الاستراتيجي إلى العمل الحقيقي"، إلا أن جدول أعمال المشروع يبدو متأخرا بشكل واضح، وجاءت حادثة مقتل "الحويطي" وتزامنها مع أزمتي كورونا والنفط لتضيف المزيد من الغموض حول مستقبله.
ولا يبدو أن السلطات السعودية تملك رؤية لدمج أبناء الحويطات الرافضين للتهجير في المشروع العملاق، إذ ترى فيهم بدوا يعيقون عملية التحديث، وتهديدا لما يمثله المشروع من "تطبيع" مستقبلي مع دولة الاحتلال الصهيوني، وهو أحد أهداف المشروع التي أشار إليها المعارض السعودي المقيم في لندن "سعد الفقيه"، عبر تويتر، قائلا إن أولوية "بن سلمان" الكبرى هي تجهيز السعودية لـ"الاستعمار الصهيوني والمراقص والفجور" في إشارة إلى قرب نيوم من حدود (إسرائيل)، وإلى أن شركات التكنولوجيا في تل أبيب تأمل في أن التقارب الحالي بين (إسرائيل) والسعودية سيمكنها من الحصول على حصة من هذه الكعكة الشهية للغاية، حسب تعبيره.

شكوك حول المستقبل
غير أن مقتل "الحويطي" خصم من رصيد "نيوم" الشعبي، خاصة بعدما تمكن قبل قتله من توثيق تواجد قوات الأمن السعودية حول منزله، قائلاً إنّ أي مواطن لا يسلم بيته لهم تأتيه قوات المباحث والطوارئ للتصرف معه بالقوة.
وفاقم من حالة "التعاطف" مع "الحويطي"، أن توقيت تنفيذ أوامر التهجير لم يراع الظروف السيئة التي تمر بها المملكة في الوقت الراهن، حيث يتم تهجير الناس من منازلهم في خضم وباء أصاب الآلاف في المملكة وأودى بحياة أكثر من مائة شخص.
ولذا يشكك "العودة" و"واتسون" أن مشروع نيوم سيكون قائلا للتطبيق في هذه الظروف، وأشاروا إلى أن النتيجة الوحيدة حتى الآن لمشروع نيوم هي تدمير مجتمع تاريخي ومقتل سعودي باستخدام وسائل لا علاقة لها بمفاهيم الحداثة التي تعبر عنها "نيوم".
الاستنتاج ذاته يتوقعه "بارت" في مقاله بالصحيفة الفرنسية، إذ يؤكد أنه سيتعين على "بن سلمان" على الأرجح خفض الإنفاق العام، وربما تعليق أو إبطاء بعض مشاريعه الرئيسية مع انخفاض أسعار النفط والركود العالمي في الأفق، حسب تقديره، مشيرا إلى أنه "ليس هناك ما يضمن أن مدينة المستقبل سيكون لها أي مستقبل".

المصدر | الخليج الجديد