حادث بينساكولا.. لماذا فشلت إصلاحات السعودية في تغيير نظرة المجتمع تجاه الغرب؟
في 8 ديسمبر/كانون الأول 2019، أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي بالولايات المتحدة أن فرقة العمل المشتركة المعنية بالإرهاب تفترض أن إطلاق النار في قاعدة "بينساكولا" كان عملا إرهابيا. وحدد مكتب التحقيقات الفيدرالي الانتقام كدافع محتمل بالنظر إلى أن مطلق النار، الملازم أول في سلاح الجو السعودي "محمد الشمراني"، كان قد تقدم بشكوى رسمية بعد أن قام أحد مدربيه بالاستهزاء منه وإهانته.
ومع ذلك، نظرا لأن "الفرقة" قد وجدت حسابا على "تويتر"، يُعتقد أنه مرتبط بـ"الشمراني"، كان ينتقد عليه الولايات المتحدة ودعمها لـ (إسرائيل)، فلا يمكن استبعاد الأيديولوجية من مجموعة الدوافع المحتملة التي ربما تكون قد دفعت "الشمراني" إلى العنف.
النظرة الأيديولوجية للغرب
يسري افتراض شائع بأن الأعمال العنيفة التي ارتكبها السعوديون قد تم ارتكابها من قبل أولئك الذين تأثروا بأيديولوجيات تنتمي إلى تنظيم القاعدة أو الحركات الدينية المحافظة مثل السلفية. وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن ارتكاب أعمال عنف من قبل السعوديين الذين قد لا يكونون مرتبطين ارتباطا مباشرا بتلك المنظمات أو الحركات الدينية، ولكن يميلون إلى الخطاب الإسلامي العنيف.
ويتأثر الخطاب الديني في المملكة العربية السعودية بشدة بالفكر السلفي "الوهابي". وذلك لأن الخطاب، الذي تنشره المؤسسات التي تقرها الدولة يؤسس لأعمال عمف موالية للدولة ومعادية للعمل السياسي التقليدي. ويرفض السلفيون الارتباط بالحركات والأحزاب السياسية، وينظرون إليها على أنها انقسامية ومفسدة أخلاقيا وتؤدي إلى التعصب.
ولم يكن السلفيون يسيطرون دائما على الخطاب الإسلامي في المملكة. وردا على الحركات القومية العربية الشعبية، رحبت دول الخليج، ولا سيما الكويت والسعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، بأعضاء جماعة الإخوان المسلمين، واعتبرت أفكارهم الإسلامية معارضة أيديولوجية قوية ووسيلة تأمين لممالك الخليج.
وشغل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين مهن الطبقة المتوسطة المؤثرة، كمهندسين ومعلمين وأساتذة جامعيين. بل إن البعض منهم لعب أدوارا استشارية للنخب السياسية.
ومن عام 1991 إلى عام 1992، وكرد فعل على الفتوى التي أقرتها الدولة وسمحت بوجود القوات الأمريكية على الأراضي السعودية خلال حرب الخليج الأولى، شكلت مجموعة من العلماء وأساتذة الجامعات ما أصبح حركة متنامية تعارض سياسة المملكة الخارجية. وضمت الحركة، التي أصبحت تُعرف باسم "الصحوة الإسلامية"، مزيجا من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وكذلك العلماء السلفيين التقليديين الذين كانوا يعارضون الفتوى ويدمجون بين وجهات نظرهم الدينية والنشاط السياسي.
وبحلول عام 1995، قضت المملكة على حركة "الصحوة" من خلال اعتقال الزعماء البارزين، وألقت باللوم كاملا على جماعة الإخوان المسلمين. ولم تميز هذه الحلقة فقط نفطة تحول في موقف المملكة من جماعة الإخوان المسلمين، بل عززت أيضا الأهمية السياسية لعلمائها السلفيين الموالين للدولة وأبرزت دورهم في الخطاب الديني.
ومع ذلك، تركت حقبة الصحوة أثرا عميقا على الخطاب الديني الشعبي، ونظرا لأن الحركة قامت بالأساس كرد فعل على التواجد الأمريكي، فإنه خطابها كان تجاه الغرب حمل الكثير من الريبة والتشكك. وقد اكتسب هذا النوع من الآراء السياسية والدينية شعبية كبيرة، ودفع العديد من السعوديين إلى الانخراط في الهيئات والمنظمات المعادية للغرب والولايات المتحدة في الشرق الأوسط أو دعمها أو تمويلها، حتى لو كانت تتبع نهجا عنيفا. ويعتقد أن "الشمراني" تأثير بهذا النوع من الخطاب الإسلامي المعادي للغرب الذي لا يزال يلقى رواجا كبيرا في السعودية.
القطعة المفقودة
وكما هو الحال في التسعينيات، تواصل السياسة السعودية لمكافحة الأفكار الإسلامية اليوم استخدام الدين كأداة للتوحيد السياسي من خلال الترويج فقط للعلماء الذين يستوفون معيارا واحدا مهما للغاية، وهو اعتناق مبدأ "عبادة الأمير"، أو الطاعة المطلقة لولي الأمر المسيطر. وبينما تساعد هذه العقيدة الأسرة الحاكمة على توطيد سلطتها، فإنها تعزز الإقصاء الديني في المملكة.
وحتى الإصلاحات الاجتماعية الليبرالية في المملكة، مثل السماح للنساء بالقيادة والسفر بشكل مستقل، أو الانفتاح على الترفيه والاستثمار الأجنبيين، فإنها أمور لا يعتقد أنعا ستغير نظرة السعوديين العاديين إلى الغرب. ويبقى هذا التفرد الراسخ الذي ينظر إلى النفوذ الأجنبي على أنه منحدر زلق يؤدي لأزمة أخلاقية رشاسخا في الوغي السعودي. ويتم النظر إلى التفوذ الغربي في المملكة بوصفه مؤامرة لتقويض الإسلام في أرض الحرمين الشريفين. لذا فإن الإصلاحات الاجتماعية الواسعة ستواجه معارضة شديدة في السعودية، وليس فقط من قبل المحافظين المتطرفين.
ووفقا للتقارير، يُزعم أن المسار الأيدلوجي للشمراني بدأ في أواخر عام 2015، بعد أن تابع شخصيات سلفية مؤثرة من الخليج مثل "إياد قنيبي"، و"عبد العزيز الطريفي"، و"حكيم المطيري"، و"إبراهيم السكران"، وغيرهم. وقد خلط هؤلاء الأيديولوجيون السلفيون بين وجهات النظر الدينية والنشاط السياسي.
وقد تم إلقاء القبض على "الطريفي" و"السكران" بسبب معارضتهم للحكومة. ولقد اكتسب هؤلاء العلماء، من بين آخرين، الكثير من المتابعين عبر احتلالهم للفضاء الخطابي الذي اجتذب فضول العديد من مسلمي الخليج.
وفي حين أن المملكة اعتقلت وقمعت أصوات المعارضة بين النخبة الدينية، فإنها عجزت عن الترويج لخطاب إسلامي شامل مقنع، مع أساس ديني قوي. وتحتاج المملكة إلى علماء دين مستقلين وغير موالين للدولة للتأسيس لخطاب لا ينظر إلى الغرب وغير المسلمين على أنهم أعداء يتآمرون باستمرار ضدهم.
واختفى مثل هؤلاء العلماء من المشهد الديني في المملكة، مع إعطاء أولوية للخطاب الموالي للسلطة. وبدون وجودهم، ستستمر الرواية الدينية السائدة في المملكة في خلق المزيد من المتبنين لأيديولوجيات العنف، سواء في الداخل أو الخارج.
المصدر | أوراسيا ريفيو