فورين بوليسي: هل يكتب اليمن شهادة وفاة التحالف السعودي الإماراتي؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2009
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

 في 7 أغسطس/آب، اندلع القتال في عاصمة اليمن الفعلية، مدينة "عدن" الساحلية. وكان المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو تحالف من قوات الميليشيات الانفصالية التي دعمتها ودربتها الإمارات هو من حرض وأثار المعركة ضد حكومة الرئيس "عبد ربه منصور هادي" المعترف بها دوليا والمدعومة من السعودية.
ويسلط النزاع الضوء على التوترات طويلة الأمد بين الأهداف الإماراتية والمصالح السعودية في اليمن. وكشف هذا بدوره عن شقاق أوسع بين مقاربات السياسة الإقليمية لهذين الشريكين الرئيسيين للولايات المتحدة في مجال الأمن، والذي قد يجر واشنطن إلى نزاع إقليمي آخر، ويعقد موقف إدارة "دونالد ترامب" بشأن إيران.

خلافات متزايدة
وفي الوقت الذي حاول فيه القادة السعوديون والإماراتيون التقليل من شأن هذا الصدع، يوضح القتال الأخير في عدن أن المقاربات السعودية والإماراتية للصراع اليمني اختلفت كثيرا عما كانت عليه في بداية تدخل التحالف في الحرب الأهلية في اليمن في مارس/آذار 2015. وتعد الأولوية الأولى للسعودية تأمين حدودها الجنوبية ضد الحوثيين، الذين تلقوا الدعم من إيران، المنافس الإقليمي للمملكة. لذلك ركزت الرياض جهودها على محاربة الحوثيين في الشمال، ودعمت حكومة "هادي" باعتبارها الكيان الوحيد الذي يستحق الاعتراف الدولي.
وعلى النقيض من ذلك، سعت الإمارات إلى تعزيز دورها في الصراع لتوسيع نطاق وصولها العسكري والاقتصادي إلى القرن الأفريقي ومضيق باب المندب، وهو رابط حيوي على طريق التجارة العالمية. وفي حين ينظر كل من القادة السعوديين والإماراتيين إلى إيران كتهديد خطير، إلا أن الإمارات تظل أكثر عرضة للضرر في أي مواجهة بسبب قربها الجغرافي وعلاقاتها التجارية الكبيرة مع الجمهورية الإسلامية. وشجع هذا الواقع نهجا إماراتيا أكثر واقعية تجاه إيران؛ فبينما تنضم الإمارات إلى السعودية في إدانة النفوذ الإيراني والنشاط العسكري في المنطقة، فإنها تحافظ على علاقات دبلوماسية بشكل أو بآخر مع إيران.
وتؤكد المواجهة بين القوات المدعومة من السعودية والإمارات في عدن على الجهود التي بذلتها أبوظبي في الآونة الأخيرة لتنأى بنفسها عن سياسة الرياض الإقليمية. ويشعر القادة الإماراتيون بالقلق من أن التوترات المتصاعدة مع إيران المجاورة قد تخرج عن نطاق السيطرة وتسبب أضرارا جسيمة للنموذج الاقتصادي الذي تقوم عليه دولة أبوظبي، والذي يسعى إلى التنويع بعيدا عن الاعتماد على النفط، عن طريق تطوير قطاعات أخرى مثل السياحة والصناعة المالية.
إضافة إلى ذلك، يبدو أن القادة الإماراتيين سئموا من الحصول على جزء من اللوم على نطاق واسع في كل مرة يقع فيها ضحايا من المدنيين في اليمن، فضلا عن الاتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان، والأزمة الإنسانية المدمرة في هذا البلد. وفي حين تم اتهام الميليشيات التي ترعاها الإمارات بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، أدت الحملة الجوية العشوائية التي تقودها السعودية إلى وقوع معظم الإصابات في صفوف المدنيين في اليمن.
وتحملت الإمارات المسؤولية بالكامل عن جنوب اليمن، ونشرت قواتها هناك لتوفير التدريب والدعم للميليشيات الجنوبية المحلية، والقيام بعمليات مكافحة الإرهاب ضد "القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، وتقديم مساعدات التنمية الاقتصادية إلى المنطقة. وكان "المجلس الانتقالي الجنوبي" شريكا طبيعيا في هذه العمليات.

خطوط الصدع
أدت هذه التباينات إلى توتر خطوط الصدع التي أهملتها اتفاقية توحيد البلاد التي تم التفاوض عليها على عجل عام 1990، التي ضمت شمال وجنوب اليمن معا. وكان البلدان كيانين سياسيين منفصلين لعدة قرون. وكان الاتحاد السوفييتي مصدرا مهما للمساعدات الخارجية لجنوب اليمن، أو "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" حتى أواخر الثمانينيات. وشجع الانهيار المفاجيء للسوفييت الاندماج اليمني ربيع 1990، لكن عملية التوحيد تركت الكثير من الجنوبيين مع مظالم لم تتم معالجتها حول التمثيل في الحكومة المركزية الجديدة وتوزيع موارد الدولة.
واستمرت هذه المظالم الجنوبية خلال حرب أهلية انفصالية عام 1994، وما تلاها من صعود للحركة الجنوبية الشعبية، المعروفة باسم "الحراك الجنوبي" عام 2007. وتحرك "المجلس الانتقالي الجنوبي"، الذي انبثق من الحراك الجنوبي لرد هجوم الحوثيين عام 2015. وفي حين لا يتبنى الحوثيون موقفا معينا تجاه الجنوب، يكمن قلق المجلس الانتقالي إلى حد كبير في من سيعتلي سدة الحكم شمال البلاد. ويستمر الدعم الشعبي على نطاق واسع للانفصال في الجنوب حتى يومنا هذا، كما اتضح من المظاهرة الحاشدة التي خرجت الأسبوع الماضي لدعم استيلاء المجلس الانتقالي على عدن.
كانت المعارضة المشتركة من الحكومة السعودية وحكومة "هادي" للحوثيين قد جعلتهما شركاء بالاسم، لكنها دائما كانت علاقة غريبة. والآن، مع التدريب والدعم الإماراتيين، أصبحت القوات التابعة للمجلس الانتقالي أكثر تنظيما وقدرة، فضلا عن اكتسابها للتسليح الثقيل، مع استمرار النزاع حول استقلال الجنوب. وفي حين كان القادة السعوديون يعرفون أن أهداف قيادة المجلس تتعارض مع حكومة "هادي" -الذي أكده القتال الذي اندلع بين المجلس وحكومة "هادي" في عدن في يناير/كانون الثاني 2018- يبدو أن المملكة كانت مستعدة لتجاهل ذلك لمصلحة جمع الحلفاء في معركتها ضد الحوثيين.
ولا يزال السعوديون والإماراتيون يدركون أنهم شركاء في اليمن وجميع أنحاء المنطقة. لكن الآن، بعد أكثر من 4 أعوام من القتال، أدت استراتيجياتهما المتباينة على الأرض في اليمن إلى تعقيد الجهود المبذولة للحفاظ على معارضة موحدة ضد الحوثيين، خاصة مع بدء الإمارات الانسحاب عسكريا من جانب واحد من اليمن، في اعتراف ظاهر بأن الحرب في هذا البلد لا يمكن كسبها عسكريا، وأن تلك الحرب ألحقت أضرارا بسمعتها الدولية أكثر مما كانت مستعدة لتحمله. وفي إشارة أيضا إلى حقيقة أن مهمتها المتمثلة في تأمين الموانئ والنفوذ السياسي في الجنوب اكتملت بشكل أساسي.
وبينما يشير الانسحاب الإماراتي، الذي بدأ هذا الصيف، إلى أن الإمارات تحاول أن تخرج نفسها من اليمن، إلا أنه ليس من الواضح كيف ستسير استراتيجية السعودية من دون شريك التحالف الحيوي. وفي الواقع، لا يبدو أن القيادة السعودية نفسها تعرف ذلك بشكل مؤكد. وحتى الآن، انتقد القادة السعوديون تصرفات المجلس الانتقالي في عدن، بينما يضاعفون من استراتيجيتهم العسكرية لهزيمة الحوثيين، لكن ليس من الواضح كيف يمكنهم تحقيق هذا الهدف دون الدعم الإماراتي.
وتعكس التعليقات حول الأمر في وسائل الإعلام السعودية حالة عدم اليقين هذه؛ حيث تؤكد شخصيات إعلامية مثل "عبد الرحمن الراشد"، المقرب من الزعماء السعوديين الحاليين، على أن الجنوبيين اليمنيين يجب أن يتمتعوا بالحق في تأكيد استقلالهم في يوم من الأيام، لكن ليس الآن. وقد تدخلت السعودية في اليمن منذ فترة طويلة، بما في ذلك لدعم الانفصاليين في حرب عام 1994. لكن منذ عام 2015، ركزت الحكومة السعودية على هزيمة الحوثيين وتوحيد البلاد في ظل حكومة "هادي".
وعلى نطاق أوسع، تشكل الاستراتيجيات السعودية والإماراتية المتباينة عقبة رئيسية أمام التفاوض على تسوية سياسية دائمة في اليمن. وأدت الخلافات حول هيكل الدولة المستقبلية إلى عرقلة عملية الانتقال السياسي خلال حقبة ما بعد الربيع العربي الذي أدى إلى استقالة الرئيس "علي عبدالله صالح". وفشلت عملية الحوار الوطني بعد أن رفض كل من الحوثيين والجنوبيين نتائجها؛ الأمر الذي فتح بدوره الباب أمام الحوثيين للسيطرة على العاصمة صنعاء عام 2014. وبالتالي، ستحتاج التسوية السياسية اليوم إلى معالجة هذه المظالم الإقليمية، بالإضافة إلى تسوية النزاع بين حكومة "هادي" والحوثيين.

الحقائق الجديدة
ويظهر القتال في عدن أيضا أن إنهاء حرب التحالف في اليمن قد لا يكفي وحده لحل النزاع. فقد تم تقسيم اليمن إلى بلدين لفترة أطول بكثير مما كان متحدا. وحتى لو أدت المناقشات التي جرت في جدة مع قيادة المجلس الانتقالي إلى تعديل وزاري في اليمن، لتشمل الحكومة بعض شخصيات المجلس، فسيكون ذلك مجرد حل سطحي ومؤقت لهذه المشكلة الهيكلية. وقبل الانسحاب، ستحتاج الإمارات والسعودية إلى استخدام نفوذهما للضغط على وكلائهما المحليين للدخول في التفاوض والالتزام بتسوية سياسية.
وفي إطار الممارسة العملية، من المرجح أن تعني التسوية السياسية على الأقل قدرا من الحكم الذاتي للجنوب، إن لم يكن انفصال الجنوب تماما على المدى الطويل. وسوف تحتاج الحكومة المركزية إلى أن تكون حكومة توافقية تقسم السلطة بحيث تضم الحوثيين والفصائل التي يدعمها التحالف الذي تقوده السعودية. ولم يكن الائتلاف قادرا على هزيمة الحوثيين عسكريا على مدار عدة أعوام من القتال. ومع انسحاب الإمارات، أصبح خيار النصر العسكري الصريح بعيدا عن المتناول.
لذلك، يجب على قادة السعودية الاعتراف بأنه يجب أن يشكل الحوثيون جزءا من الحكومة المركزية في اليمن. وحتى الآن، رفضت الرياض الاعتراف بهذه الحقيقة، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الحرب في اليمن يتم النظر إليها كورقة اعتماد للإدارة السياسية لولي العهد "محمد بن سلمان"، وقد يتم اعتبار الانسحاب خسارة يتحملها ولي العهد شخصيا، في الوقت الذي يحاول فيه حشد الدعم السياسي محليا.
كما يجب أن يتم تطوير محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة، لتشمل كذلك ممثلين عن المجلس الانتقالي. وقد انسحبت القوات التابعة للمجلس اسميا من بعض المنشآت الحكومية في عدن في 17 أغسطس/آب، لكنها لا تزال تسيطر فعليا على المدينة و"زنجبار"، عاصمة محافظة "أبين" المجاورة. وبينما سيحضر المجلس القمة التي ترعاها السعودية، من غير المرجح أن ينسحب من مواقعه، على الأقل ليس من دون الفوز بتنازلات سياسية كبيرة من الرياض. وفي إطار الممارسة العملية، قد يعني هذا أن يعلن المجلس رسميا عن ولائه للحكومة المركزية، في مقابل دعم التحالف لجنوب يتمتع بالحكم الذاتي كجزء من تسوية شاملة.
وتعبر حقيقة أن ولي العهد الإماراتي "محمد بن زايد" زار مكة للقاء العاهل السعودي " الملك سلمان بن عبدالعزيز" وولي العهد "بن سلمان"، بسرعة كبيرة بعد أزمة عدن، عن مدى أهمية اليمن بالنسبة للعلاقة السعودية الإماراتية. وسيكون استمرار الصراع في اليمن مصدرا مستمرا للتوتر بين الرياض وأبوظبي، كما أنه سيضغط على مجالات الشراكة السعودية الإماراتية الأخرى في المنطقة، بما في ذلك النزاع الدبلوماسي مع قطر، ودعم الحلفاء الإقليميين مثل قادة الجيش في السودان.
وسيكون لانهيار الاستراتيجية الإقليمية الإماراتية السعودية انعكاسات كبيرة على الولايات المتحدة؛ لأن العلاقة السعودية الإماراتية هي أساس الاستراتيجية الإقليمية لإدارة "ترامب". وسيكون قرار الإمارات بإعادة تحديد موقعها في بعض القضايا الإقليمية لتجنب حرب مكلفة مع إيران عاملا سيعقد بشكل كبير استراتيجية إيران لدى إدارة "ترامب".
وأصبح هذا واضحا في الجهود التي تبذلها الإمارات لتهدئة التوترات مع إيران بشأن أزمة الناقلات. ففي يوليو/تموز، أرسلت الإمارات وفدا إلى طهران لمناقشة الأمن البحري في الخليج. وبينما حاولت وسائل الإعلام الإماراتية التقليل من أهمية هذه الاجتماعات، فإنها تكشف عن مخاوف إماراتية من أن تأتي حملة "أقصى ضغط" الأمريكية ضد إيران بنتائج عكسية مما قد يؤدي إلى نزاع مع طهران يكون له آثار مدمرة على أبوظبي نفسها.
وفي الواقع، أظهرت حملة إيران لزيادة الضغط في الخليج في الأيام الأخيرة بوضوح أن الإمارات ستكون هدفا في متناول اليد إذا اندلع الصراع. وكشريك أمني لأمريكا يضم منشآت من المحتمل أن تستخدمها الولايات المتحدة في الحرب مع إيران، بما في ذلك قاعدة "الظفرة" الجوية، وميناء "جبل علي"، ستكون الإمارات عرضة للهجمات الإلكترونية الإيرانية، والهجمات المسلحة التي يشنها وكلاء إيران الإقليميون، إضافة إلى إغلاق "مضيق هرمز"، والتهديدات الأخرى التي ستتعرض لها طرق الشحن الدولية.
وفي حين يصف المسؤولون الأمريكيون الجيش الإماراتي بأنه "إسبرطة الصغيرة"، لقدراته العسكرية الكبيرة، فسيضع الصراع مع إيران المجاورة القوات الإماراتية البرية القابلة للنشر، التي يقل عددها عن 20 ألفا، تحت ضغط كبير. علاوة على ذلك، ستدمر الحرب سمعة الإمارات باعتبارها واحة من الاستقرار في منطقة تمزقها النزاعات، ربما بشكل لا يمكن إصلاحه. ويعتمد النموذج الاقتصادي لدولة الإمارات على قدرتها على جذب الأعمال والاستثمار الأجنبي والسياحة. وسيتسبب الصراع مع إيران في أضرار كبيرة لعلاقات أبوظبي التجارية مع طهران.
ومع ذلك، لن يأتي الاختبار الحقيقي للعلاقة السعودية الإماراتية قبل أن يتم انتخاب رئيس أمريكي جديد في عام 2020 أو عام 2024. وفي حين دعمت قيادة السعودية إدارة "ترامب" تماما، وأهملت بقية الأطراف في واشنطن وتجاهلت غضبها بخصوص مقتل الصحفي "جمال خاشقجي" والإصابات في صفوف المدنيين جراء الحملة الجوية التي تقودها السعودية في اليمن، يشعر القادة الإماراتيون بقلق أكبر من أن تصبح العلاقات الإماراتية الأمريكية قضية حزبية في الولايات المتحدة.
ونحن نتساءل كما تساءل الأكاديمي الإماراتي "عبد الخالق عبد الله" مؤخرا، بصراحة: "هل تريدون حقا وضع كل البيض في سلة ترامب؟". حسنا، قد تتغير طبيعة العلاقة السعودية الإماراتية بطريقة أكثر جوهرية إذا أثبتت أبوظبي أنها أكثر مهارة من الرياض في نقل ولائها إلى إدارة أمريكية جديدة، وإذا أصبحت الإمارات مفضلة أكثر من السعودية في الولايات المتحدة.

المصدر | ألكسندر ستارك - فورين بوليسي