نيويورك تايمز: الضحايا المنسيون للنظام السعودي

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2095
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ترجمة وتحرير خالد المطيري + الخليج الجديد
 استنكرت الكاتبة الأمريكية في صحيفة "نيويورك تايمز"، "كاثرين زويبيف"، عدم إبداء المجتمع الدولي اهتماما بآلاف المعارضين الذين يواجهون قمعا وتعذيبا في سجون المملكة، لا لشيء سوى لتعبيرهم عن وجهة نظرهم، ودعت بلادها والدول الغربية إلى مطالبة المملكة بإطلاق سراحهم.
وفي مقال لها بعنوان "الضحايا الآخرون للنظام السعودي"، استغربت "كاثرين" تركيز الاهتمام فقط على الكاتب السعودي "جمال خاشقجي" الذي قتل داخل قنصلية المملكة في مدينة إسطنبول التركية، أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قائلة: "الآلاف من السجناء السياسيين بالمملكة يجب أن يكونوا جزءا من اهتمام المجتمع الدولي أيضًا، حتى إذا لم يكتبوا أعمدة في الصحف الغربية الكبرى كخاشقجي، أو لم يكونوا ضيوفا على حفل عشاء فاخر في واشنطن ولندن".

وفيما يلي نص المقال:
في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، أمضيت أسبوعين في مدينة جدة السعودية. جاءت تلك الزيارة، آنذاك، بعد أقل من عامين على زيارتي الأخيرة للمملكة، وبعد 10 أشهر فقط من صعود الملك "سلمان بن عبدالعزيز" إلى العرش، لكن الحالة المزاجية للناشطين والمثقفين السعوديين كانت سوداوية بشكل كبير. وفي الليلة الأخيرة من تلك الزيارة، عرض صديقي "فهد الفهد"، وهو مستشار تسويق وناشط في مجال حقوق الإنسان، أن يأخذني في جولة توضح لي الأجواء الجديدة في المملكة.
توجهنا إلى مسجد الجفالي في مدينة جدة؛ حيث يتم تنفيذ أحكام القصاص أمامه علنا. وفي وقت سابق من ذلك العام، تم جلد "رائف بدوي"، وهو ناشط سعودي آخر، في هذا المكان بحضور مئات المتفرجين.
ثم توجهنا عبر الصحراء نحو قرية ذهبان؛ حيث كانت وزارة الداخلية تبني مجمعاً جديدا للسجون، قال "فهد" إنه يهدف إلى إيواء العدد المتزايد من السعوديين المدانين بموجب قوانين مكافحة الإرهاب في البلاد.
وأوضح "فهد" أن هذه القوانين في عهد الملك "سلمان" أصبحت تُستخدم بشكل متزايد لسجن المعارضين السلميين. وقال: "في كل مرة يرن فيها جرس الباب، أعتقد أن أحداً جاء لتوقيفي".
جرى افتتاح سجن ذهبان المركزي بعد بضعة أسابيع من زيارتنا، وتم نقل العديد من المعتقلين البارزين بالمملكة -بمن فيهم الناشط الحقوقي "رائف بدوي" ومحاميه السابق "وليد أبو الخير"- إلى هناك.
بعد 4 أشهر، جرى اعتقال "فهد"؛ حيث تم إيداعه في سجن ذهبان أيضاً. ويقضي الآن عقوبة بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة "التحريض على العداء ضد الدولة" عبر تغريدات على "تويتر". وتشمل عقوبته، أيضا، حظرا من السفر لمدة 10 سنوات تبدأ بعد إطلاق سراحه، فضلا عن المنع من الكتابة مدى الحياة.
لقد أدت جريمة قتل الصحفي "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية بإسطنبول، في 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى تكثيف المجتمع الدولي رقابته على أفعال ولي العهد السعودي القوي والحاكم الفعلي للمملكة "محمد بن سلمان".
لكن رغم الغضب المتواصل بشأن مصير "خاشقجي"، لم يتم توجيه سوى قدر ضئيل من الاهتمام إلى معاملة ولي العهد للمعارضين داخل المملكة، الذين يقبعون بأعداد قياسية داخل السجون.
فهناك أكثر من 2600 من المعارضين معتقلون في سجون المملكة، وبينهم علماء بارزون وكتاب ومحامون وناشطون في مجال حقوق المرأة، حسب حساب "معتقلي الرأي" على "تويتر". وأُدين معظمهم بموجب قوانين مكافحة الإرهاب في المملكة ، وحُكم عليهم بالسجن بسبب إدانتهم في اتهامات لا ترتبط بأعمال عنف مثل انتقاد "البلاط الملكي" و"الاستهزاء بعلماء الدين".
وقليل من هؤلاء المعتقلين معروف في العواصم الغربية مثلما كان "خاشقجي"، لكن قصصهم لا تقل أهمية.
لم تكن السعودية دائما هكذا. إذا نظرنا إليها من بعيد، قد يبدو الملوك السعوديون وكأنهم طابور طويل غير متمايز من الحكام المستبدين. لكن –في الواقع- اختلفت درجة التسامح مع المعارضة من ملك إلى آخر، وهذا كان يتوقف على مزاج الحاكم والضغوط التي يواجهها.
رغم أن العاهل السعودي السابق، الملك "عبدالله بن عبدالعزيز"، تعرض كثيرا إلى انتقادات من قبل المنظمات الحقوقية الغربية، إلا أن المحافظين السعوديين هاجموه لتشجيعه النقاش العام حول الإصلاح.
ففي عام 2003، وبينما كان لا يزال ولياً للعهد، بدأ "عبدالله" سلسلة من الاجتماعات التي جمعت ممثلين من مختلف أطياف وقطاعات المجتمع السعودي لدراسة الحلول المحتملة لمشاكل المملكة. وبعد أن أصبح ملكا في عام 2005، وفر لمئات الآلاف من الشباب السعوديين منحا للدراسة في جامعات أوروبا وأمريكا الشمالية. وبحلول عام 2010، كان السعوديون من بين أكثر مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي طموحًا في العالم؛ حيث أطلقوا عبر "تويتر" و"فيسبوك" حملات عدة للمطالبة بمنحهم حقوق وحريات أكبر، وخاصة للنساء.
لكن مشهد الزعماء العرب الذين استسلموا لثورات الربيع العربي، في 2011، أثار انزعاج الملك المسن ومستشاريه؛ مما جعلهم يتساءلون عما إذا كانوا قد ذهبوا بعيدا جدا في مسألة الإصلاح من عدمه. حاولت الحكومة السعودية شراء المعارضة؛ حيث أنفقت المليارات على بناء مساكن للمواطنين ورفع الرواتب. كما سجنت بعض أكثر الناشطين جرأة، ومنهم "محمد فهد القحطاني" و"عبدالله الحامد" و"محمد صالح البجادي"، وهم الأعضاء المؤسسون لـ"جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية"، الذين لم يستجبوا لمحاولات استمالتهم.
وبعد أن تولى الملك "سلمان" العرش في يناير/كانون الثاني 2015، تسارعت وتيرة الاعتقالات. وزادت عمليات الإعدام؛ حيث وصلت إلى مستويات غير مسبوقة خلال عقدين.
وإلى جانب هذه الحملة، حدث تحول متعمد في المجال العام للبلاد، بقيادة الأمير "محمد بن سلمان"، الذي أصبح مسؤولاً عن النفط والسياسة الاقتصادية والقوات المسلحة في غضون أشهر من تتويج والده. فقد تم تقليص مستوى النقاش العام حول الإصلاح الاجتماعي بشكل حاد. وبات الحوار الوطني يقتصر الآن حول التقدم في قطاعي التكنولوجيا وريادة الأعمال. وهذا التركيز الجديد أصاب العديد من المفكرين السعوديين بالتشاؤم.
وبعد إعلان ولي العهد عن خطته لتنويع الاقتصاد السعودي (رؤية 2030) في أبريل/نيسان 2016، باتت هناك عدوانية في التعامل مع أي انتقاد لما هو منصوص عليه في تلك الرؤية. وتصاعدت إجراءات القمع ضد الناشطين وباتت أكثر حدة.
والسعوديون الذين تعرضوا للاعتقال ليسوا فقط من اختلفوا مع الأمير "بن سلمان".
إذ كان الأمير يقود حملة لـ"مكافحة الفساد"، لكن في نفس الوقت كان يشرف على سجن كتّاب مثل "فهد"، الذي انتقد التكسب غير المشروع للأمراء.
وفي الوقت الذي سمحت فيه الحكومة للنساء بقيادة السيارة، تم سجن ناشطات طالبن بالحق في القيادة، مثل "لجين الهذلول" و"إيمان النفجان". والشهر الماضي، أفادت منظمة "العفو" الدولية بأن بعض هؤلاء الناشطين تعرضوا للتعذيب.
في الأشهر الثمانية عشر منذ أن أصبح الأمير "بن سلمان" وليا للعهد، أصبحت الرسالة الموجهة إلى الموجودين داخل المملكة واضحة وهي أن حاجة الأمير كبيرة جدا للسيطرة على ما يقال في المملكة؛ بحيث أنه لن يقمع بوحشية المعارضين والمنشقين فحسب، بل أيضًا اللذين يوافقون على ما يقوله هؤلاء المعارضين إذا كانت لديهم الجرأة أصلا للتعبير عن وجهات نظرهم في الأماكن العامة.
والرسالة كانت واضحة للخارج أيضا وهي: الأمير "بن سلمان" هو الأمل والمخلّص الوحيد للمملكة.
والرسالة الأخيرة، التي حاولت الحكومة السعودية تصديرها للخارج، تضررت كثيرا بمقتل "خاشقجي".
فقد أثار مقتل "خاشقجي"، وهو منتقد معتدل نسبياً للمملكة، انتقادات دولية للأمير "بن سلمان" وللحكومة السعودية غير المتسامحة مع أي نوع من المعارضة. لكن الآلاف من السجناء السياسيين يجب أن يكونوا جزءًا من اهتمام المجتمع الدولي أيضًا، حتى إذا لم يكتبوا أعمدة في الصحف الغربية الكبرى، كـ"خاشقجي" أو لم يكونوا ضيوفا على حفل عشاء فاخر في واشنطن ولندن.
إن حلفاء السعودية -ولا سيما الولايات المتحدة وخاصة الكونغرس- يجب أن يصروا على إطلاق سراح السجناء السياسيين في المملكة، طالما أن إدارة "ترامب" تبدو عازمة على منح الأمير "بن سلمان" الضوء الأخضر لقمع معارضيه. على القادة الغربيين الذين يرغبون في الانتقام من قتل "خاشقجي" أن يطالبوا بالحرية لزملاء الأخير في سجون المملكة.
قد لا يدرك الأمير "بن سلمان" ذلك، لكن هاجسه بالحفاظ على صورته كصوت وحيد للتقدم السعودي هو أمر يعرقل جهود الإصلاح الخاصة به. ومن خلال إطلاق سراح السجناء السياسيين وتخفيف القيود المفروضة على حرية التعبير، سيبرهن ولي العهد على نواياه الحسنة ويصمت بعض الدعوات لمعاقبة المملكة، وربما يزيد ذلك من فرصة في الداخل لتحقيق الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي يزعم أنه يطمح إليها.
إن صديقي "فهد" وزملائه المنشقين، مثل "خاشقجي"، هم سعوديون وطنيون لا يريدون شيئا سوى تكريس طاقاتهم ومواهبهم للنهوض ببلدهم.

المصدر | nytimes