فايننشال تايمز: كيف تهدد أزمة خاشقجي خطط بن سلمان الاقتصادية؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2162
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
 بعد أشهر قليلة من صعود الملك "سلمان" إلى العرش، ترأس الملك اجتماع مجلس الوزراء الذي كان من المفترض أن يكون له تأثير عميق على مستقبل المملكة العربية السعودية والطريقة التي ينظر بها كبار المصرفيين في العالم إلى المملكة المحافظة.
ومع ذلك، لم يحظَ القرار المتخذ داخل قصر اليمامة باهتمام كبير، سواء داخل البلاد أو خارجها.
فقد شهد الجزء السفلي من بيان يقترب من 1400 كلمة خبرا يقول إن صندوق الاستثمار العام سوف يقدم تقاريره إلى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، الذي تم إنشاؤه حديثا بدلا، من وزارة المالية، وأن يتولى رئيس ذلك المجلس الجديد، الأمير "محمد بن سلمان"، منصب رئيس "صندوق الاستثمار العام".
وكان الاجتماع، الذي عُقد في مارس/آذار 2015، مؤشرا مبكرا على طموحات ولي العهد، والقوة المالية التي سيحققها نجل "الملك المسن" المفضل قريبا.
وكان ذلك بمثابة بداية التحول الجذري للصندوق، من شركة قابضة شبه خاملة مملوكة للدولة، إلى ما يمكن القول بأنه أكثر الصناديق الاستثمارية السيادية نشاطا في العالم، والذي شبهه البعض بأنه "دولة موازية".
وفي الأعوام الـ3 منذ ذلك الحين، استثمر الصندوق عشرات المليارات من الدولارات في الداخل والخارج، في شركات تتراوح من "أوبر" إلى "ماجيك ليب"، وفي مشاريع مع "بلاكستون" و"سوفت بانك"، بينما استهدف مضاعفة أصوله إلى 600 مليار دولار بحلول عام 2020، وقد تحول عبر هذه العملية فعليا إلى أقوى قوة في أكبر اقتصاد في العالم العربي.
وكان الدافع وراء النشاط الهائل اختيار الأمير "محمد"، الزعيم الفعلي للبلاد، الصندوق كوسيلة لقيادة تحديث الاقتصاد المدمن على النفط.

فقدان البريق
لكن الفضيحة التي أثارها مقتل "جمال خاشقجي"، الصحفي السعودي المعارض، جعلت الصندوق، مثل راعيه، عرضة لخطر فقدان بريقه.
ووسط تقارير مروعة عن مقتل الصحفي، أصبح الصندوق مثالا صارخا على الضرر الاقتصادي المحتمل للمملكة، حيث تواجه الرياض أكبر أزمة دبلوماسية مع الغرب منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول على الولايات المتحدة عام 2001.
وخلال الأسبوع الماضي، كان الصندوق يسعى جاهدا لإنقاذ مؤتمر الاستثمار الرئيسي الذي تم افتتاحه في الرياض أمس الثلاثاء.
وفي العام الماضي، أكد الحدث على قوة الصندوق، مع تدفق كبار المسؤولين الماليين والمديرين التنفيذيين في العالم إلى تجمع يطلق عليه اسم "دافوس الصحراء"
. لكن في هذا العام تحول المؤتمر إلى أزمة كبيرة مع انسحاب عدد من وزراء التجارة والتنفيذيين الغربيين والشركات والرعاة بسبب قضية "خاشقجي".
ويقول أحد التنفيذيين الماليين في إحدى العمليات بالمملكة: "لا يمكن لأحد أن يتجاوز هذا الأمر، سيكون ولي العهد موصوما بهذا للأبد".
وهنا تتعرض قدرة الرياض على اجتذاب الاستثمار الأجنبي والمهارات والتكنولوجيا التي تحتاجها لبناء الاقتصاد الحديث للخطر، وكذلك تنتكس وعود "بن سلمان" بمعالجة الحاجة الملحة لتوفير فرص العمل للشباب الذين يعانون من ارتفاع معدلات البطالة.
وتقول "كارين يونج"، الخبيرة الخليجية في معهد "أمريكان إنتربرايز": "إنها نكسة كبيرة لاستراتيجية الصندوق للشراكات مع المستثمرين الأجانب والمشاريع المشتركة داخل المملكة".
وبعد أكثر من أسبوعين من الإنكار، اعترفت الرياض يوم السبت أن "خاشقجي" توفي داخل القنصلية الدبلوماسية، لكنها قال إن وفاته كانت نتيجة "شجار بالأيدي".
ويشكك المحللون والسياسيون الغربيون في هذه النسخة من الأحداث، ويعتقد الكثيرون أنه لم يكن من الممكن السماح باتخاذ أي إجراء ضد الصحفي دون علم "بن سلمان".
ولا تزال بعض المجموعات متعددة الجنسيات، بما في ذلك "ديلويت" و"إتش إس بي سي"، و"ماكينزي"، و"مجموعة بوسطن للاستشارات"، مدرجة كشركاء في المؤتمر، لكن "جو سايسر"، من "سيمنز"، أصبح يوم الإثنين أحدث رئيس تنفيذي ينسحب من هذا الحدث.
وحتى قبل أن يتم قتل "خاشقجي"، كانت مهمة إصلاح الاقتصاد المبني على أموال النفط، ويعتمد عليه، عملا شاقا، ولقد أصبح الآن أكثر صعوبة.
وقد ظل النمو راكدا في أكبر مُصدر للنفط في العالم منذ تراجع أسعار النفط الخام عام 2014، وقد خرجت المملكة من حالة الركود عام 2017 لكن معدلات البطالة ارتفعت إلى 12.9% في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، وفقا لبيانات حكومية، وهو أعلى مستوى على الإطلاق.
وفي بلد تقل أعمار ثلثي سكانه عن 29 عاما، فإن معدل بطالة بين الشباب يصل إلى 25%، هو رقم مفزع.
وفي ظل هذه الخلفية، وصل "بن سلمان" إلى الشباب السعوديين، وسحر الساسة الغربيين والمديرين التنفيذيين، من خلال وعدٍ بتحويل جذري للاقتصاد، وجعل المجتمع أكثر تسامحا.
وقبل عامين، أطلقت الرياض خطة وطنية للتحول تهدف إلى الحد من الدور المهيمن للدولة، وتطوير القطاع الخاص، بهدف خلق أكثر من 450 ألف وظيفة بحلول عام 2020.
وقد كسبت خطط الأمير، البالغ 33 عاما، الاستحسان، مع قليل من الأشخاص الذين لم يروا المملكة في حاجة ماسة إلى تغيير.
ويهدف الصندوق، الذي هو محور الخطة، للاستثمار في الأصول الدولية، وذلك جزئيا لاستخدام عضلاته المالية لجلب رؤوس الأموال والتكنولوجيا والمهارات الأجنبية إلى المملكة.
وكان الصندوق قد تم إنشاؤه عام 1971 لتمويل المشاريع المحلية، كما كان بمثابة "حارس" على حصص الحكومة في الشركات، بما في ذلك شركة "سابك" للمواد الكيماوية، والبنك التجاري الوطني، وشركة الاتصالات السعودية.
وعلى مدى عقود، لم يقدم الصندوق أكثر من القروض، لكن في عام 2008، دخل الصندوق عالم الاستثمار النشط مع إطلاق "سنابل"، وهو صندوق ثروة سيادي برأسمال مبدئي قدره 5 مليارات دولار فقط.
ومنذ أن أصبح تحت قيادة الأمير "محمد"، أنشأ الصندوق مجموعة من الشركات، التي تتراوح بين تحسين كفاءة الطاقة وإدارة النفايات، مرورا بالترفيه والدفاع والسياحة الدينية، حيث يعد بإنشاء صناعات جديدة بالكامل، و"أنظمة بيئية جديدة".
وبالتوازي مع ذلك، أعلن عن 6 مشاريع ضخمة، لكل منها أهداف جريئة تتمثل في إضافة مليارات الدولارات إلى الاقتصاد وخلق الآلاف من فرص العمل، وتشمل تلك المشروعات "نيوم"، التي تم وصفها بأنها منطقة استثمارية مستقبلية بقيمة 500 مليار دولار.

تحت الضغط
لكن بعيدا عن الصفقات والإعلانات اللافتة للنظر، كانت هناك إشارات متزايدة على أن برنامج الإصلاح الاقتصادي يعاني من الضغوط.
ويقول المحللون إن الطرح العام الأولي الذي طال انتظاره لشركة أرامكو السعودية، شركة النفط الوطنية، تم تجميده، ويبدو أن برنامج الخصخصة المحلي الأوسع قد توقف.
وبدلا من ذلك، يبدو أن الدولة، من خلال الصندوق، ترسخ هيمنتها على الاقتصاد، في حين أن العديد من الشركات في القطاع الخاص، والتي كانت تمثل في عام 2017 نسبة 48% من الناتج المحلي الإجمالي، تعاني من ضعف النمو، بسبب ارتفاع أسعار الوقود والكهرباء، والتعريفات الجديدة على العمال الأجانب.
وقد تفاقم المزاج القاتم بسبب حملة "بن سلمان" المزعومة لمكافحة الفساد، التي استهدف فيها العائلات التجارية الثرية.
وتم جمع نحو 300 من الأمراء والمسؤولين الحكوميين السابقين في فندق "ريتز كارلتون" في الرياض، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وقد تم الإفراج عن معظمهم، ولكن بعد تحويل النقود والأصول إلى الدولة فقط، بما في ذلك من مجموعات مثل "بن لادن" السعودية، أكبر مجموعة بناء في المملكة، ومجموعة إم بي سي، أكبر شركة إعلامية في المنطقة.
وإبان حملة القمع كتب "خاشقجي" قائلا: "هناك شائعات بأن الدولة ستضع بعض الشركات الخاصة تحت رعاية صندوق الاستثمار الحكومي، ما يزيد من تشابك مجتمع الأعمال والحكومة، وهو ما يمنع الاقتصاد السعودي من تحقيق كامل إمكاناته".
وكان "بن سلمان" قد أخبر "بلومبرغ" هذا الشهر أن الأصول المضبوطة ستديرها شركة "استدامة"، وهي شركة حكومية تشكلت في أعقاب عملية التطهير، وأنه تم تحويل الأموال إلى وزارة المالية.
وقال مصرفي إن تداعيات اعتقالات رجال الأعمال استمرت، مضيفا أن بعض الناس يبيعون السلع الفاخرة، من الساعات إلى الطائرات الخاصة، لتخفيض الأصول ونقل الأموال النقدية للخارج، ويضيف المصرفي: "الناس قلقون وخائفون".
لكن في ظل بيئة استبدادية على نحو متزايد، فإن أي نقاش حول خطط "بن سلمان"، ودور صندوق الاستثمار العام، يصبح خطيرا للغاية، ومحدودا.
وقد احتجزت السلطات الناشطين والأكاديميين والمدونين ورجال الدين، ويقبع "عصام الزامل"، الخبير الاقتصادي الذي انتقد الاكتتاب العام المزمع في شركة أرامكو السعودية، في السجن منذ أكثر من عام، وورد أنه متهم بالانتماء إلى منظمة إرهابية.
ويعكس تركيز القوة في صندوق الاستثمار العام رغبة "بن سلمان" في السيطرة على جميع مجالات المملكة، وينظر ولي العهد إلى القطاع الخاص التقليدي، الذي يعتمد الكثير منه على العقود الحكومية، على أنه "عائق لا يقدم قيمة، ويمتص الأموال فقط، ولا يأخذ أي مخاطرة"، كما يقول أحد الأشخاص المطلعين على الأمر.
ويرى "بن سلمان"، الذي يرأس اللجنة التنفيذية المكونة من خمسة أعضاء للصندوق، أنه من خلال رفع دور الصندوق، يمكنه تشكيل اتجاه التنمية الاقتصادية والنتائج، مثل مستويات العمالة السعودية في القطاع الخاص، حسبما يقول أحد كبار المصرفيين.
ومع ذلك، فهي استراتيجية محفوفة بالمخاطر، ومع كل صفقة جديدة، تبرز أسئلة حول شفافية الصندوق، وقدرته الإدارية.
وقد جمع الصندوق 11 مليار دولار في شكل قروض مجمعة في أغسطس/آب، وهي خطوة غير اعتيادية، حيث لا تقترض الصناديق الاستثمارية السيادية إلا مقابل استثمارات محددة.
وفي قلب التعديلات المفاجئة في المملكة، كان قرار شركة أرامكو الحصول على حصة 70% في "سابك"، الأمر الذي كان مدفوعا إلى حد كبير بالحاجة إلى جمع الأموال لتمويل إنفاق الصندوق.
ومن المتوقع أن يصل هذا الاتفاق، الذي يستخدمه المسؤولون لتبرير تأجيل خصخصة أرامكو، إلى صافي ربح يبلغ 70 مليار دولار للصندوق، عندما يحول الصندوق "سابك" إلى شركة النفط الحكومية العام المقبل.
وعلى الرغم من كل هذه الضجة، انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة من 7.45 مليار دولار في عام 2016 إلى 1.42 مليار دولار العام الماضي، وفقا لبيانات الأمم المتحدة.
ويقول المصرفي البارز: "كان الناس يتطلعون للاستثمار، ولكن الأمر ليس سهلا لأن لديك مخاطر قادمة من جميع الزوايا"، علاوة على ذلك، فإن الأزمة تهدد بزيادة التوتر في العائلة الحاكمة.
ويقول مصرفيون إن قضية "خاشقجي" قد لا تقوض قدرة الصندوق على الاستمرار في اقتناص الأصول الأجنبية، لكن التحدي سيكون في الاستثمار الداخلي.
ويقول أحد المصرفيين: "إنه أمر لا يمكن التنبؤ به أكثر من أي وقت مضى".

المصدر | فايننشال تايمز