خاشقجي من دائرة الحكم السعودي الى الانتقاد العلني
دبي – (أ ف ب) – تحوّل الصحافي السعودي جمال خاشقجي الذي رجّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب مقتله، من مقرّب من دائرة الحكم في الرياض، الى أحد أبرز المنتقدين لسياساتها.
في آخر مقالاته المنشورة في صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، طالب خاشقجي، صاحب السيرة المهنية الطويلة المعقّدة والمتقلّبة، بحرية أكبر للإعلام العربي في منطقة الشرق الاوسط.
وكتب في المقال الذي نشرته الصحيفة بعد أسبوعين على اختفائه في اسطنبول أن “العالم العربي يواجه نسخته الخاصة من +الستار الحديدي+ المفروضة عليه ليس فقط من لاعبين خارجيين، ولكن أيضا عبر قوى داخلية تواقة للسلطة”.
وأضاف “علينا أن تخلق منصّة للأصوات العربية”.
وفقد أثر خاشقجي، وهو أحد الأصوات المنتقدة للسياسات السعودية منذ تسلم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان منصبه في حزيران/يونيو 2017، بعدما دخل قنصلية بلاده في اسطنبول في الثاني من تشرين الاول/اكتوبر للحصول على مستندات زواج.
وكان خاشقجي انتقل في 2017 للعيش في منفى اختياري في الولايات المتحدة خشية التعرض للاعتقال في السعودية التي شهدت حملات توقيف شملت كتّابا ورجال دين وحقوقيين وناشطات في حقوق المرأة وأمراء وسياسيين.
وأفادت تقارير صحافية في تركيا والولايات المتحدة بمقتل خاشقجي داخل القنصلية. واتهم مسؤولون أمنيون أتراك مسؤولين سعوديين بالوقوف وراء عملية قتله. ونفت الرياض أن تكون أمرت بقتله، وأكّدت أنها تجري تحقيقا. وكانت ذكرت أنه غادر مبنى القنصلية.
– بن لادن وجماعة الاخوان –
وينتمي خاشقجي الى عائلة سعودية مرموقة لها أصول تركية. وكان جدّه محمّد خاشقجي الطبيب الشخصي للملك الراحل عبد العزيز آل سعود، مؤسس المملكة. كما أن عمّه هو تاجر الأسلحة الراحل عدنان خاشقجي.
تخرّج خاشقجي من جامعة ولاية إنديانا الأميركية في العام 1982، وبدأ يعمل في صحف يومية بينها “سعودي غازيت” و”الشرق الاوسط”.
وأُرسل لتغطية أخبار النزاع في أفغانستان، وظهر في صورة وهو يحمل سلاحا رشاشا، مرتديا زيا أفغانيا. لم يقاتل خاشقجي في النزاع، لكنه أظهر تعاطفا مع قضية المجاهدين في الحرب في الثمانينات ضد الاتحاد السوفياتي والتي موّلها السعوديون ووكالة الاستخبارات المركزية الاميركية “سي آي إيه”.
وأجرى مقابلات مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في أفغانستان والسودان، ما تسبب له على الأرجح بوصفه
“صديق بن لادن” في بعض وسائل الإعلام السعودية والعربية والغربية. لكنه ما لبث أن ابتعد عن بن لادن في التسعينات بعدما أصبح هذا الأخير يدعو الى أعمال عنف في الغرب.
واعتُبر خاشقجي في مرحلة لاحقة صوتا للأسرة الحاكمة في السعودية، لكن السلطات اعتبرت أنه تقدميّ أكثر من اللزوم. فاضطر الى مغادرة منصبه كرئيس تحرير في صحيفة “الوطن” اليومية في العام 2003 بعد 54 يوما فقط من بدء عمله فيها.
– تقلبات –
ولد خاشقجي في المدينة المنورة في 13 تشرين الاول/اكتوبر 1958، وأمضى سنوات شبابه وهو يدرس الأفكار الإسلامية، معتنقا في الوقت ذاته أفكارا ليبرالية.
وأقام خاشقجي علاقات متقلبة مع السلطات السعودية، فتولّى مناصب استشارية في الرياض وواشنطن، بينها لصالح الامير تركي الفيصل الذي أدار الاستخبارات السعودية لأكثر من 20 عاما.
وعندما عيّن الأمير تركي الفيصل سفيرا في واشنطن في 2005، رافقه إلى الولايات المتحدة.
في سنة 2007، عاد خاشقجي الى صحيفة “الوطن” وأمضى فيها ثلاث سنوات قبل أن يضطّر مجددا للمغادرة بعدما اعتبرت السلطات أن أسلوبه التحريري “يتجاوز الحدود” المرسومة للنقاش في المجتمع السعودي، بحسب موقعه على الإنترنت.
وتقرّب خاشقجي من الملياردير الأمير الوليد بن طلال، وأطلقا معا في المنامة عام 2015 قناة “العرب” الاخبارية التي توقفت عن العمل بعد 24 ساعة فقط بعدما بثّت مقابلة مع شخصية معارضة.
– خوف وترهيب –
ترك خاشقجي السعودية في أيلول/سبتمبر 2017 بعد أشهر من تولي الامير محمد بن سلمان (33 عاما) منصب ولي العهد في أغنى دول المنطقة.
وفي حينه، منعته جريدة “الحياة” اليومية المملوكة من الأمير السعودي خالد بن سلطان آل سعود من الكتابة فيها، بعد أن دافع في مقال له عن جماعة الأخوان المسلمين.
وذكر أن السلطات منعته كذلك من استخدام حسابه الخاص في تويتر بعدما قال أن على المملكة أن تخشى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وغادر الصحافي في خضم موجة الاعتقالات التي شملت مثقفين ودعاة إسلاميين وأمراء بينهم الملياردير الوليد بن طلال الذي أوقف مع آخرين على خلفية تتهم تتعلق بالفساد، وفقا للسلطات.
وفي مقال كتبه في “واشنطن بوست” في أيلول/سبتمبر من العام الماضي، قال خاشقجي “عندما أتحدث عن الخوف والترهيب والاعتقالات وتشويه صورة المثقفين ورجال الدين الذين يتجرؤون على قول ما يفكرون فيه، ثم أقول لكم إنني من السعودية، فهل تُفاجأون؟”.
وتحتل السعودية المرتبة 169 على لائحة من 180 بلدا وضعتها منظمة “مراسلون بلا حدود” للتصنيف العالمي لحرية الصحافة.
وانتقد الصحافي الذي كان من المفترض أن يتزوج في تشرين الأول/اكتوبر الحالي من خطيبته التركية خديجة جنكيز، الحرب السعودية في اليمن حيث تقاتل المملكة المتمردين الحوثيين المدعومين من ايران.
وكان كتب في صحيفة “غارديان” البريطانية في آذار/مارس الماضي “يستحق ولي العهد الثناء على برنامجه الاصلاحي في الداخل. لكن في الوقت ذاته، لم يسمح (…) بأي نقاش في السعودية حول طبيعة التغييرات التي يجريها”.
وتابع “يبدو أنه ينقل البلاد من التطرف الديني التاريخي، الى تطرفه القائل +عليكم أن تقبلوا بإصلاحاتي+”.