«الحرب» على كندا: عندما يصوّب ابن سلمان بـ«التوقيت الأميركي»

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2548
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

 كَمَن «أحضر بندقية إلى قتال بالسكاكين»، بدت السعودية في «الحرب» الدبلوماسية الأخيرة التي أعلنتها على كندا. حالة أثارت الكثير من الاستهجان بالنظر إلى أن الانتقادات الدولية لأوضاع حقوق الإنسان في المملكة ليست بجديدة، كما أنها ليست مقصورة على أوتاوا. حتى واشنطن، الحليف الأقرب للرياض، ليست مستثناةً من ذلك، وأحدث ما صدر عنها في هذا الإطار (قبيل إعلانها أخيراً أنها طلبت معلومات في شأن حملة الاعتقالات في السعودية) تقرير نُشر في نيسان/ أبريل الماضي هاجم الاعتقالات التعسفية للمحامين والحقوقيين والمعارضين في المملكة، وانتقد تقييد حرية التعبير وغيرها من الممارسات، مثل عمليات التعذيب والإعدامات. هذه الانتقادات تبنّاها أيضاً الاتحاد الأوروبي، الذي دعا السعودية إلى منح المحتجَزات الإجراءات القانونية الواجبة للدفاع عن أنفسهن، لا سيما أن المملكة من الدول الموقعة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة. ولكن لماذا جُنّ جنون ولي العهد، محمد بن سلمان، على كندا من دون سواها؟
رأى ابن سلمان في كندا فريسة سهلة الاصطياد، وذلك لأسباب عدة، أولها عدم وجود خسائر حقيقية لا يمكن تعويضها من جراء هذه المعركة. تعتبر الرياض أن باستطاعتها تحمّل كلفة توتر العلاقات الثنائية مع كندا، لا سيما أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ 4 مليارات دولار فقط في 2017، في حين بلغ حجم الاستثمارات الكندية في المملكة 0.6% من حجم الاستثمارات الأجنبية، وبالتالي ليس لتضرره أي تبعات اقتصادية خطيرة. أما السبب الثاني والأهم، فهو وجود مناخ عام مناسب لمثل هذا الموقف، في ظل عدم اهتمام إدارة دونالد ترامب بقضايا حقوق الإنسان من جهة، وتوتر العلاقات بين كندا والولايات المتحدة من جهة أخرى. هكذا، وجد الأمير الشاب الفرصة سانحة لـ«الاقتصاص» من أوتاوا، من دون تخوّف من موقف أميركي متشدد يقيّد تحركات بلاده، أو يعلن صراحةً الاصطفاف إلى جانب «الخصم الجديد»، الذي دخلت معه واشنطن أخيراً في حرب كلامية، وصلت حدّ وصف ترامب لرئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، في حزيران/ يونيو الماضي، عقب مغادرته قمة مجموعة السبع، بـ«الضعيف وغير الصادق»، وتوعّده إياها بأن انتقاداته لسياسة الولايات المتحدة ستكلّف بلاده «ثمناً باهظاً».
وكانت مجموعة السبع فشلت في ردم هوة النزاع التجاري بين الرئيس الأميركي وحلفائه، وانتهت بخلاف بين ترامب وترودو على خلفية فرض واشنطن رسوماً تجارية اعتبرتها كندا «إهانة». وفي أعقاب القمة التاريخية، قال المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض، لاري كودلو، إنه «لا شك في أن ترودو طعننا في الظهر»، متهماً الأخير بخداع الرئيس الأميركي عبر إدلائه ببيانات بخصوص سياسة الولايات المتحدة التجارية أظهرت ترامب «ضعيفاً» عشية قمته التاريخية مع زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون. وفي ظل الخلاف المتصاعد مع كندا، تذهب بعض التوقعات إلى القول إن واشنطن ستستخدم الأزمة بين الرياض وأوتاوا كورقة ضغط على الحكومة الكندية، تساهم في تحضير الأرضية لمعركة تجارية مرتقبة ضد البلد الجار.

رسالة ابن سلمان: الأمر لي
«لتعلم كندا وغيرها من الدول أن المملكة أحرص على أبنائها من غيرها». شدّد بيان الخارجية السعودية، ليؤكد ما قدّره مراقبون من أن وراء افتعال الخلاف رسالة أراد ابن سلمان توجيهها إلى الداخل والخارج على حد سواء، ومفادها: الأمر لي. على المستوى الداخلي، الرسالة واضحة لجميع المعارضين والناشطين الحقوقيين: لن ينقذكم أحد، ولا سلطة للغرب بعد اليوم. بكل صراحة، لم يعد الرأي العام العالمي يؤثر فينا. أما خارجياً، فاستغلت الرياض التغريدة الكندية، التي كانت لتمرّ مرور الكرام كسابقاتها لولا رد الفعل السعودي المبالغ فيه، لتحذّر دول العالم من مغبة التدخل في شؤونها الداخلية، مُعلِنة صراحةً: مَن ينتقد سجلنا الملطخ في مجال حقوق الإنسان سيدفع الثمن. في هذا الإطار، انتقدت الأحزاب اليسارية في الدول الغربية، لا سيما في الولايات المتحدة وألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، مواقف بلادها الرسمية «الضعيفة» في الأزمة الأخيرة مع كندا، مُعتبرةً أنها رضخت لسياسة «التهديد والتهويل» التي يتبنّاها ولي العهد السعودي.
سياسة سبق أن لوّحت بها السعودية لدول أخرى، مثلما حصل العام الماضي عندما حذّرت المملكة الدول التي تصوّت لمصلحة قرار بإنشاء لجنة دولية للتحقيق في انتهاكات «التحالف» الذي تقوده في اليمن، من عواقب سياسية واقتصادية. وفي عام 2016، اعترف الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بان كي مون، بأن السعودية مارست عليه ضغوطاً لعدم إدراج «التحالف» على اللائحة السوداء للدول التي تنتهك حقوق الأطفال. وعلى المستوى الأوروبي، استدعت السعودية، عام 2015، سفيرها في السويد بعد انتقاد وزيرة الخارجية السويدية، مارغوت وولستروم، النظام السعودي، ومطالبتها إياها بالإفراج عن معتقلي الرأي. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، عادت الرياض مرة أخرى لاستدعاء سفيرها في ألمانيا على خلفية قيام وزير الخارجية الألماني حينها، زيغمار غابرييل، بانتقاد سياسات ابن سلمان الداخلية والخارجية.