«هآرتس»: السعودية تزاحم إيران على النفوذ في العراق
ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
بعد فشل جهودها العسكرية لمواجهة تقدم إيران في كل مكان تقريبا في الشرق الأوسط، تسعى المملكة العربية السعودية إلى دفع قوة ناعمة في العراق لمحاولة القضاء على النفوذ الإيراني. وتكتسب تكتيكاتها من الاستثمار والتجارة والدبلوماسية قوة دفع في بغداد بالفعل.
ومع انتصار ائتلافه في الانتخابات العراقية، التي أجريت في 12 مايو/أيار، من المتوقع أن يصبح رجل الدين الشيعي المتشدد، الذي تحول إلى قومي عراقي، «مقتدى الصدر»، رجل المملكة في الحكومة الجديدة. وهو ما سيحاول السعوديون استخدامه في مواجهة النفوذ الإيراني.
وفي منافستهما على التفوق الإقليمي، حصلت إيران على اليد العليا على السعودية في حروبها بالوكالة في سوريا واليمن. لكن في العراق، يبدو أن طهران خسرت في الوقت الحاضر، بعد هجوم الرياض الساحر لجذب قادة الشيعة، وإحباط محاولات إيران لتعزيز نفوذها على البلاد الممزقة.
وتدعم الولايات المتحدة التحركات السعودية؛ حيث تشاطر الرياض قلقها من تطلعات إيران الإقليمية، وتأمل أن يساعد الاستثمار من المملكة ودول الخليج الأخرى في تحقيق الاستقرار في العراق.
وفي العام الماضي، تحت قيادة «محمد بن سلمان»، صعدت الرياض من تعاونها مع العراق ذي الأغلبية الشيعية. وكانت الانتخابات، التي كان التوجه الجيوسياسي لبغداد أحد الاعتبارات الرئيسية بين المتنافسين الرئيسيين فيها، بمثابة دافع رئيسي لهذه المشاركة المتسارعة. وتقول الشائعات إن «بن سلمان» قد زار بنفسه بغداد قبل الانتخابات، وهو ما أثار قلقا في إيران وفي أوساط السياسيين العراقيين المدعومين من إيران.
ويفتح نجاح «الصدر» في الانتخابات الطريق لمزيد من المشاركة السعودية. وفاز ائتلافه «سائرون»، وهو مزيج غريب من المقاتلين الشيعة والشيوعيين والعلمانيين وجماعات المجتمع المدني، بـ 54 مقعدا في الاقتراع، وهو أعلى رقم، لكنه لا يزال أقل بكثير من الأغلبية.
ولم يترشح «الصدر» لمنصب رئاسة الوزراء، لكنه سيكون له رأي كبير في تشكيل الحكومة المقبلة وتعيين رئيس الوزراء المقبل. وقد يمكن «حيدر العبادي»، رئيس الوزراء الحالي، من الاحتفاظ بالسلطة.
وجاء التكتل الذي دعمته إيران، بقيادة زعيم الميليشيا الشيعية «هادي العامري»، في المرتبة الثانية بـ 47 مقعدا، وسيسعى إلى استخدام تلك المقاعد لمنع مثل هذه النتيجة، ولكن من غير الواضح مدى النفوذ الذي يتمتع به بالفعل.
وفي حين كان السعوديون يفضلون أن يحقق «العبادي» الموالي للغرب فوزا صريحا، (حصل ائتلافه على المركز الثالث بـ42 مقعدا)، فإن فوز «الصدر» في الانتخابات يعد نتيجة مواتية، على الرغم من عدم ثقته في أمريكا.
وبعد الاتصالات بين «بن سلمان» و«الصدر»، يبدو أن «الصدر» قد تنصل من طائفته. ورغم تورطه سلفا في إراقة الدماء بين الطوائف، إلا أنه تحول إلى معارض شرس للتدخل الإيراني في السياسة العراقية، وللسياسات الطائفية التي عمقها رئيس الوزراء السابق «نوري المالكي».
سياسة جديدة
وفي الأعوام التي أعقبت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، رأت الرياض على الأرجح أن العراق قضية خاسرة، حيث تركت الساحة لإيران لتوسع من نفوذها هناك. لكن في ظل «العبادي»، الذي حرص منذ توليه السلطة عام 2014 على المشاركة مع جيران بلاده، تحسنت العلاقات.
وأعادت السعودية والعراق العلاقات الدبلوماسية بينهما في أواخر عام 2015؛ حيث كان قد تم قطعها بعد غزو «صدام حسين» للكويت عام 1990، وخلال الأشهر الـ 12 الماضية بدأت استراتيجية بناء التحالفات في التبلور.
وزار «العبادي» الرياض عام 2017 مرتين، لكن رحلة «الصدر» في يوليو/تموز الماضي هي التي أكدت بالفعل رغبة ولي العهد في إرسال غصن الزيتون إلى المناطق الشيعية في العراق. وهناك، ينظر الكثيرون إلى السعودية باعتبارها راعية للتطرف السني خلال أعوام الاضطرابات الطائفية في العراق، كما يشعرون بالقلق من اضطهاد السعودية لأقليتها الشيعية.
ومع ذلك، ينظر القادة الشيعة العراقيون البراغماتيون المتشككون في نوايا طهران إلى التحركات السعودية باعتبارها ثقلا مهما ضد نفوذ جارتهم الشرقية، ومصدرا للاستثمار الضروري جدا لإعادة إعمار العراق في أعقاب هزيمة «الدولة الإسلامية».
وتعهدت الرياض مؤخرا بـ 1.5 مليار دولار لإعادة بناء البلدات والمدن السنية التي تم تدميرها في الصراع. وهي تهدف إلى الاستثمار في مجالات أخرى من الاقتصاد أيضا، فقد تستثمر في مصنع للبتروكيماويات في مدينة البصرة الجنوبية، مما يقلل من اعتماد العراق على المنتجات النفطية الإيرانية. وهناك أيضا خطط لاستثمارات كبيرة في تطوير الزراعة في محافظة الأنبار الغربية، والتي تقع على حدود المملكة.
وتحقق الكثير؛ حيث أعيد فتح المعابر الحدودية، وتم استئناف الرحلات الجوية، مع نحو 140 رحلة شهريا بين الرياض وبغداد. وتقوم البعثات التجارية السعودية باستكشاف الفرص التجارية، وسط تقارير عن منافسة شديدة بين السلع السعودية والإيرانية.
وفي الواقع، قال مسؤول إيراني، في أبريل/نيسان الماضي، إن بلاده تخسر وضعها في الأسواق العراقية، مشيرا إلى انخفاض الرسوم الجمركية على البضائع السعودية. وحددت الرياض هدفا بقيمة 6 مليارات دولار للتجارة مع العراق خلال الأعوام الـ 10 المقبلة.
وكان هناك أيضا المزيد من الأمور الرمزية، والمهمة أيضا.
وحضر شعراء سعوديون مؤخرا مهرجانا أدبيا في البصرة، وتم تنظيم مباراة استعراضية بين السعودية والعراق في المدينة، تزامنا مع افتتاح قنصلية الرياض. وفي أول لقاء لهم منذ عقود، خسر السعوديون 4-1، لكنهم حققوا انتصارا كبيرا في العلاقات العامة، حيث قام المشجعون العراقيون بملئ ملعب البصرة، الذي تبلغ طاقته 60 ألف متفرج. وتعهد الآن الملك «سلمان»، ببناء استاد يتسع لـ 100 ألف مقعد في بغداد.
تغذية القومية
وجزء من الاستراتيجية السعودية هو مناشدة الهوية العربية القوية للعراقيين، في محاولة لتجاوز الفجوة بين السنة والشيعة. ومن الواضح أن هذا النهج له تأثير كبير، لا سيما بين الشيعة الذين تتفوق لديهم النزعة القومية العراقية على أي دين. وقد توفي العديد من الشيعة العراقيين وهم يقاتلون من أجل بلدهم في الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينيات.
وتعتبر العراق مدينة لإيران بالكثير لدعمها في هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية». وبدون تدخلها، يمكن القول إن الصراع كان ليظل مستعرا، حيث كانت هناك حدود واضحة للموارد التي كانت الولايات المتحدة مستعدة للالتزام بها. ومن الناحية الاقتصادية، لا تزال العراق تعتمد بشكل كبير على السلع والمواد الإيرانية؛ حيث تعتبر إيران ثالث أكبر شريك تجاري للبلاد بعد تركيا والصين.
ومع ذلك، فإن العديد من الشيعة العراقيين يفضلون عدم استغلال إيران إسهامها في قمع التنظيم لتعميق مشاركتها في العراق. وهم يرون مشاركة السعودية المتنامية ليس فقط كموازنة للنفوذ الإيراني، وإنما فرصة لبلادهم للعب دور أكثر فاعلية في العالم العربي، وهو ما حرمته عقود من العزلة والصراع.
ومع بروز «الصدر» بصفته صانعا رئيسيا للسياسة في بلاده، يمكن للرياض توسيع نفوذها الاقتصادي والدبلوماسي على العراق، ربما من خلال الضغط على المساحة التي تحتلها إيران حاليا. لكن طهران ستقاوم بالتأكيد.
لذا يجب على السعودية أن تحرص على عدم الدفع بقوة.
وآخر شيء سيطلبه «الصدر» أو «العبادي»، أو غيره من قادة الشيعة الودودين مع الرياض، هو أن تتحول العراق إلى ساحة للصراع بين جيرانها، قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية هناك أسوة بما يحدث في سوريا واليمن.
المصدر | هآرتس