رغم هزائمه الخارجية.. هل ترتفع شعبية ابن سلمان في الداخل السعودي؟
حين بدأت الصحافية السعودية «أ. م.» حديثها مع «ساسة بوست»، اشترطت ألا نذكر اسمها، وبدا أنّ الحوار لن يخلو من الانتقادات اللاذعة لوليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، إلا أنها التقطت أطراف الحوار بلغة عربية فصيحة، وخرجت عن سياق طلبها قائلة: «هناك حربٌ إعلامية شرسة ضد المملكة، وهذه الحرب زادت من ولاء الشعب ومحبته لحكومته؛ الاقتصاد لم يتأثر بدرجة كبيرة بسبب أزمة حصار قطر، وهذا هو الشي المفاجئ؛ كما أن الاهتمامات السياسية تأتي دائمًا في آخر سُلم اهتمامات المواطن، طالما أنّ السياسة بعيدة عن لقمة عيشه، فهو لا يهتم، ورغم ارتفاع معدل البطالة، إلا أن المشاريع والشركات الناشئة انتشرت بشكل كبير، خاصةً آخر سنة
وبمجرد أن سألناها عن التغيرات التي تشهدها المملكة، صارت «أ. م.» أكثر أريحية في حوارها الذي خرج توًا عن سياق الفُصحى الرصينة: «أنت ما تتخيل هيئة الترفيه وقرار القيادة وش سوا في البلد، مش ممكن، حتى أنا صرت أكثر جرأة من قبل؛ لأول مرة أحس إن القانون في صفي، أدري كلامي مو حلو، ولكن، هل تعرف جُملة: (على حدّ سواء) -أطلقها الملك لتمكين المرأة من القيادة- وش سوت بالشعب؟ البنات طلّعوا الجملة على تيشيرتات داوموا فيها، وعلى العبايات، حتى أنها صارت سلاسل».
صمتت لحظة قبل أن تستطرد بحماس: «لو يصير فيه انتخابات أنا متأكدة إنه بيحقق نجاح خيالي بسبب النساء، المعارضات قبل المؤيدات».
«رفاهية التغيير».. كيف خدمت «الديموغرافيا» الأميرَ الشاب؟
آخر مسحٍ سكاني رسمي صادر عن الهيئة العامة للإحصاء، كشف أن عدد سكان المملكة أواخر عام 2017، بلغ 32 مليونًا ونصف، يبلغ عدد من هم دون 30 عامًا نحو 22 مليونًا بنسبة 73% من السكان، أي أنّ ثلاثة أرباع المجتمع السعودي يمرّ حاليًا بمرحلة عنفوان الشباب، وهو بذلك أكثر قابلية للتغيير على مستوى الأفكار الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
وبينما تشتهر السعودية بأنها من أكبر مستوردي السلاح عالميًّا، تحتل في الخفاء المركز الثالث بعد الهند والصين في عدد الطلّاب الذين يدرسون في الخارج، إذ يبلغ عدد المبتعثين بحسب ما كشفه وزير التعليم السعودي نحو 118 ألفًا،تُمثل النساء 30% منهم، وتستثمر فيهم المملكة لرفع كفاءة التعليم على أرضها بعد عودتهم، لكنّ الضريبة التي تحملها النظام السياسي في سبيل بناء دولة حديثة كانت قاسية، فبينما قاتلت العائلة الحاكمة سنوات طويلة إلى جانب السلطة الدينية التقليدية للحفاظ على الموروثات الدينية والسياسية والثقافية السائدة، ظهر جيل أكثر انفتاحًا على العالم بعد ثورة الاتصالات، ووجود الأقمار الصناعية، والإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، ورغم أنها تُعتبر الساحات الوحيدة الأكثر صخبًا للمعارضة، إلا أنّ النظام لم يجرؤ حتى الآن على التفكير أو الإعلان عن حظرها.
وبينما كانت السعودية تخشى تقدّم ثورات الربيع العربي عام 2011، داخل أراضيها، بسبب ارتفاع معدلات البطالة التي تبلغ حاليا 12.8%، إضافة إلى ارتفاع معدلات الفقر والتفاوت الطبقي التي بلغت بحسب إحصاءاتغير رسمية 25%، كانت هناك مؤشرات أكثر خطورة من الثورة نفسها، فبحسب دراسةلمعهد جالوب قبل ثلاثة أعوام بلغت نسبة الإلحاد ما بين 5- 9% داخل المجتمع. صحيح أن هنالك الكثير ليقال عن منهجية هذا البحث، ومدى دقّة هذه النسب، وظروف إعداد الدراسة في بلد مغلق كالسعودية، إلا أنه لا يمكن إنكار وجود ظاهرة الإلحاد فيه، وهو ما يعكس تفكيرًا مختلفًا عند قطاعات معتبرة من السعوديين، تحوّل فعليًّا إلى مشروع «لا ديني» وُجد له أتباع كثيرون في البيت السُّني الكبير
كل تلك التغييرات تزامنت مع صراع الأمير الشاب مع الأمير الخمسيني محمد بن نايف، على ولاية العهد، وبالرغم من أن الأخير كان يمثل قبل عزله امتدادًا حقيقيًّا للدولة السعودية الثالثة التي أسسها الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، والد الملك الحالي؛ من جهة التمسك بالأفكار القديمة، إضافة للعُمر التقليدي للوصول إلى العرش ما بين الستين والسبعين، إلا أن الأمير محمد بن سلمان صاحب الثلاثة والثلاثين عامًا، كسر كل التقاليد؛ فهو خريج جامعة تقليدية داخل المملكة على عكس معظم الأمراء السعوديين والعرب الذين درسوا في الخارج، كما أنه لم يتقلد منصبًا حساسًا في الدولة منذ تخرجه وحتى بداية تصعيده في الحكم؛ لأنه بحسب ما كشفه هو بنفسه بعد ذلك، كان من «المغضوب عليهم» داخل القصر؛ فالملك الراحل عبد الله رأى فيه «شخصية مُخرّبة ومتعطشة للسلطة»، لذا منعه من دخول وزارة الدفاع، كما أبعده عن أي مناصب مهمة طيلة عهده.
تبدو مسيرة الشاب المتحمس الذي يصفه بعض المقربين منه بأنه عديم الخبرة، وغير عالم ببواطن السياسة، إضافة إلى إخفاقاته في الملفات الخارجية الأخيرة هي صفات استثنائية بامتياز صنعت منه كاريزما شعبية لم تُخطئ أهدافها؛ فانعدام الخبرة رغم أنه سبّب شقوقًا في صفوف العائلة المالكة بسبب استحواذه على معظم المناصب رغم صغر سنه، إلا أنه وجدها فرصة استثنائية للتحرر من كافة الأجندات البيروقراطية التي مثّلت مظهرًا ثقيلًا لحُكم المملكة، فأقال أمراء واعتقل آخرين بتهم فساد، ثم أعلن أنه لا يُمثل الجيل القديم قائلًا: «جيلي يفكر بطريقة مختلفة، وأحلامنا تختلف، لذا فالرؤية الوطنية للمملكة لن تتحق سوى من خلال الشباب السعودي الحالم بالتغيير».
يُعلّق شابٌ سعودي لـ«ساسة بوست»: «أهم ما يميز محمد بن سلمان، هو أنه نجح في إظهار نفسه في قالب الشاب القوي، صاحب المشروع الثوري الذي سيتجاوز القصور الفارهة، إلى مرحلة تجديد الأفكار». مضيفًا: «ونحن نندفع وراءه لهذا السبب»، لذا بمجرد إعلان تغييرات اجتماعية في المملكة، كان ذلك كفيلًا بارتفاع شعبية الأمير الذي كان يُعبر عن نفسه قبل أن يُصبح وليًا للعهد عن طريق المؤسسات الخيرية
المرأة.. حين تُصفّق المعارضات لولي العهد
النساء لا يتعيّن عليهن ارتداء غطاء الرأس الأسود.
*ولي العهد السعودي محمد بن سلمان
منذ تأسست الدولة السعودية الأولى عام 1744 على يد محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود اللذين توحّدا للانفصال عن الخلافة العثمانية ونشر دعوتهم الإصلاحية السلفية، وهي تتبنى المذهب الوهابي الذي بات يُعرف بأنه التفسير الأكثر تشددًا في الإسلام؛ ونتيجة تلك القواعد الصارمة؛ كانت المرأة في السعودية تتعرّض للتضييق في عدّة قضايا، والتي لا تتم إلا بعد موافقة ولي أمرها، أو ما يُعرف باسم «وصاية الرجل»؛ وأبرزها الشروع في الزواج، وطلب استخراج جواز سفر، والسفر إلى الخارج، إضافة إلى فتح حساب في البنك، أو بدء مشروعات أعمال معينة، وحتى إجراء بعض العمليات الجراحية، كما أنها لا يمكنها مغادرة السجن بعد انقضاء فترة عقوبتها إلا بإذن من يعولها، كما تفرض عليها المملكة ارتداء الملابس الواسعة.
وبينما كانت المذاهب الإسلامية تُجدّد نفسها، كانت الفتاوى السعودية أكثر صرامة ضد المسائل الدينية التي صارت من الأعراف التي لا يجوز الاقتراب منها، لكنّ الأمير الشاب يبدو أنه لم يكن في حاجة إلى فتوى لإحداث تغييرات جذرية، فأصدر الملك قرارًا تاريخيًّا بالسماح للنساء بقيادة السيارات دون حاجة إلى سائق، وهو القرار الذي سيدخل حيز التنفيذ في يونيو (حزيران) القادم.
يقول «ع. م.» صحافي سعودي لـ«ساسة بوست»: «القرار له بُعدان: أحدهما سياسي بتلميع ولي العهد الذي زادت شعبيته بالفعل، والآخر اقتصادي، بشأن رغبة المملكة في الاستغناء عن جزء من العمالة الهندية التي كانت تعمل كسائقين للنساء، ضمن خطّة توفير النفقات»، ومُضيفًا: «رغم قرار الملك، إلا أن المرأة لا تستطيع القيادة إلا بإذن زوجها».
المفاجأت لم تنتهِ عقب ذلك القرار، فسلسلة الإصلاحات الواسعة شملت السماح للنساء لأول مرة في تاريخ المملكة بالدخول إلى ملاعب كرة القدم السعودية، وحتى الآن مسموح لهن بحضور المباريات في ثلاث مدن رئيسية هي: الرياض، وجدة، والدمام. وقد نظّمت السعودية أول بطولة إسكواش للنساء قبل أيام، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، استضافت مدينة جدة -التي تشتهر بأنها أكثر المدن انفتاحًا في السعودية- بطولة الجامعات لكرة السلة للنساء التي حضرها نحو 3 آلاف امرأة، وبالرغم من أنه سمح للإناث بممارسة الرياضة داخل المدارس، إلا أن اللافت للنظر أنّ المؤسسة الدينية في السعودية لم تتعرّض للمجموعة النسائية التي سمّت نفسها «Bliss Run»، والتي قامت بإطلاق حصص أسبوعية لممارسة رياضة الجري في شوارع جدة، وبعد أشهر من الحصص المنتظمة، تشكل أوّل ماراثون نسائي في السعودية شاركت فيه نحو 1500 فتاة وسيدة
المثير أنّ ولي العهد أعلن خلال مقابلته الأخيرة مع قناة «سي بي إس الأمريكية» أنّ النساء لا يتعيّن عليهنّ ارتداء غطاء الرأس الأسود، كما كشف أنّه يتم العمل على قانون مساواة راتب المرأة بالرجل، وأوضح أن المملكة تعمل على مبادرات من أجل المساواة بين الرجل والمرأة في الراتب والوظائف، ومن بين تلك القوانين التي لا تزال في مجلس الشورى السعودي، مشروع قانون يمكّن السعوديات من الحصول على جواز سفر من دون موافقة ولي الأمر.
كل تلك القرارات الجريئة يُمكن أن نلمس صداها بسهولة، فامرأة مثل منال الشريف، أحد أبرز الوجوه النسائية في المملكة التي تحدّت السلطة مرات كثيرة، من أجل المطالبة بتحرير المرأة السعودية، علّقت على قرارات الأمير الشاب قائلة: «لدينا أمل بأن يكون مع القيادة الجديدة تغيير سياسي حقيقي؛ لأنه لا يمكن الدفع نحو تغيير اقتصادي بدون تغيير سياسي حقيقي يدعم التغيير الاقتصادي»، وهو انتصار تاريخي للأمير الشاب بأن تمتدحه إحدى أقوى رموز المعارضة النسائية التي يبدو أنها في طريقها إلى زوال في عهد الملك الجديد. وتُمثل المرأة نسبة 49.4% من السكان، ويعوّل النظام الجديد عليهنّ في زيادة تمثيلهنّ في الوظائف بعد عملية إحلال واسعة إثر تقليص العمالة الوافدة.
الليبرالية السمحة.. مذهب ابن سلمان الذي يسع الجميع إلا منتقديه
التغييرات التي أحدثها ولي العهد السعودي في مجتمع يتّسم بتركيبة مذهبية معقدة، جعلت الكثيرين يصفون الأمير الشاب بأنه يندفع بقوة نحو الهاوية، لا سيما أن «الرأي الديني» لا زال يحتفظ بهيبته وسطوته في البيت السني الكبير؛فالسلطة الدينية في السعودية لا تقتصر على هيئة كبار العلماء فقط، أو رأسها المفتي عبدالعزيز آل شيخ، المعروف عنهم التشدد بالرأي في المسائل الفقهية، والتأييد المُطلق للحاكم، فالمملكة تتعايش فيها منذ سنوات عدّة تيارات أبرزها: التيار السلفي المدخلي، والسلفية الجامية، والسلفية السُّروية، والإخوان المسلمون، والعصرانيون، والسلفية الجهادية، والصوفية، والشيعة، وكل فصيل شكّل معادلة مختلفة وتجربة فريدة للتحالف بين الدين والسياسة.
وبينما يتحدث ابن سلمان عن الإصلاح الديني قائلًا: «لن نضيع 30 سنة من حياتنا بالتعامل مع أفكار مدمرة»، يبدو الاتهام الأكبر موّجهًا بقوة صوب تشدّد الأفكار والمعتقدات التي خلّفها الفكر الوهابي الذي قامت عليه المملكة، فالتيار السلفي الحاكم يمتلك رصيدًا كبيرًا من الفتاوى المتناقضة بدءًا بتحريم مشاركة المرأة في الانتخابات، وقيادتها للسيارات، نهاية بتحليلها استنادًا لفتوى المفتى العام الذي بايع وأيّد وتراجع، تحت شعار: «خادم الحرمين يتوّخى مصلحة العباد في ضوء ما تقرره الشريعة».
وبالرغم أن فتاوى الشيخين الراحلين عبد العزيز بن باز، وابن عثيمين كانت تجد صداها داخل المجتمع السعودي قديمًا رغم تشددها، إلا أن فتاوى مثل تحريم الرسم وركوب الدراجات واستخدام اللا سلكي، اصطدمت بالثورة التكنولوجية التي خلقت مطلبًا شعبيًّا للإصلاح الديني.
لذا، حين أدرك الملك القادم أن شريحة كبيرة من شعبه تطالب بتغيرات دينية واسعة، والتحرر الفكري والاجتماعي تجاه بعض الموروثات القديمة،خاصةً الشريحة التي تلقت تعليمها في الخارج، قام هو بنفسه بأخذ زمام المبادرة، باعتباره مُصلحًا اجتماعيًّا؛ فأصدر عدة قررات أبرزها: السماح للمرأة بالقيادة، وافتتاح دور السينما، وإقامة الحفلات الغنائية، واستضافة أسبوع الموضة العربي؛ بل إن هيئة الترفيه السعودية أعلنت إنشاء دار أوبرا، في الوقت الذي شنّ فيه مفتي السعودية هجومًا كبيرًا على العلماء الذين غيّروا مواقفهم تجاه الغناء وسماع الموسيقى، فلا زالت الموسيقى حتى الآن أحد المحرمات التي لم يتراجع عنها التيار الديني المسيطر.
كما أنه عطّل صلاحيات الشرطة الدينية التي تُعرف باسم «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، فلم يعد بمقدورها القبض على الأفراد، أو مطاردتهم، أو طلب هويتهم الشخصية، أو التحفظ عليهم، وإنما اقتصر دورهم بموجب القانون الجديد على إبلاغ الشرطة بالاشتباه فقط، وهو قرار لا يقل أهمية عن قرار قيادة المرأة؛ ولأن محمد بن سلمان من أكثر المعاديين لتيار الإسلام السياسي، خاصةً الإخوان المسلمين، فإن انتقاصه من صلاحيات التيار السلفي واجهه بنفس قوة هجومه على التيار الإصلاحي، وأبرزهم تيار الإخوان المسلمين، لذا فلم يغفل ابن سلمان عن اعتقال العلماء والإصلاحيين من التيارات الأخرى الذين طالبوا في السابق بإصلاحات سياسية، وأبرزهم: الشيخ سلمان العودة، وعوض القرني، وعلي العمري، ومحمد موسى الشريف، وعبد العزيز الطريفي
ولا يبدو أن هؤلاء الدعاة سيخرجون قريبًا، خاصةً أن تجربة ولي العهد لا زالت في طورها، فتحوّل المملكة ظاهريًّا إلى مملكة ليبرالية، على الأقل اجتماعيًّا، يقابله بعض الترحيب من الليبرليين، لكنه قد يواجه مقاومة قد تقود إلى التطرف الفكري الذي يخشاه ابن سلمان، ولعل ما حدث في الثمانينات من بزوغ «تيار الصحوة» الذي اجتذب عددًا كبيرًا من الشباب وواجه المملكة واصطدم مع السلطة الدينية والسياسية بسبب فتوى ابن باز الذي أجاز فيها الاستعانة بالكفار –يقصد الولايات المتحدة– من أجل تحرير الكويت، عقب اندلاع حرب الخليج الثانية عام 1990، ذكرى لا زالت مُخيفة لولي العهد الذي يخوض في رؤيته الإصلاحية بوتيرة لم تعتدها المملكة بتركيبتها المعقدة.
يقول «ع. أ.» دكتور مصري مقيم في المملكة، وأستاذ في الشريعة الإسلامية لـ«ساسة بوست»: «واهمٌ من يعتقد أنّ ولي العهد سيتخلى عن لقب خادم الحرمين الشرفين، فالتيار السلفي هو عماد الحُكم في المملكة؛ لذا فالأمير الليبرالي الذي يكره الإسلاميين، ينتهج واجهة سلفية للدولة ضد إيران، ومشروعًا إصلاحيًّا أمام الشباب بديلًا عن التيارات المعارضة التي اعتقل قادتها، واتجاهًا ليبراليًّا حقيقيًّا؛ لإرضاء الولايات المتحدة، والاقتداء بالإمارات التي تدعمه في مشروعه
سلمان العزم».. انتصارات صغيرة طغت على أخطائه الكبرى!
في عام 2003، كانت السعودية تواجه أصعب أزماتها؛ المملكة لا تزال تواجه تهم الإرهاب بعد عامين من أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، والمعارضة الداخلية شكّلت حِراكًا سياسيًّا دعا لإصلاحات واسعة، سرعان ما تحولت إلى مظاهرات جريئة في شوارع الرياض أزعجت الملك فهد بن عبد العزيز. على جانب آخر، فإنّ الحروب لم تنتهِ بعد؛ القوات الأمريكية تقرر غزو العراق، لكنها تصطدم بقرار المملكة بأنها لا تستطيع منح قواعدها لقصف بغداد، لتقرر واشنطن سحب قواتها من قاعدة الأمير سلطان إلى قاعدة العديد القطرية.
في أغسطس (آب) من العام نفسه، قرر الأمير القطري آنذاك حمد بن خليفة إعفاء ابنه الأكبر من ولاية العهد لصالح نجله الرابع تميم بن حمد -23 عامًا- الشاب الذي تولى 13 منصبًا قبل أن يكون وليًا للعهد؛ وفي تلك الأثناء كان الأمير السعودي محمد بن سلمان -18 عامًا- قد أنهى للتو دراسته الثانوية.
لكن ولي العهد الذي فاز في صراعه مع الأمير محمد بن نايف، ولا زال يحظى بدعم الآلة الإعلامية التي سيطر على معظمها، فشل حتى الآن في هزيمه أمير قطر الذي يحاصره منذ يونيو الماضي، وبالرغم أنه ليس خريج مدرسة «ساندهيرست» العسكرية التي تخرّج فيها أمراء الخليج، إلا أنه قرّر أن يتولى وزارة الدفاع السعودية، ويقود حربًا على اليمن لم تنتهِ حتى الآن، ثم إنه تسبب في أزمة دبلوماسية تاريخية بين السُّنة في لبنان والمملكة، كما أنه حتى الآن لم يحصد انتصارًا واحدًا على إيران، رغم أنه يمثّل «الشقيقة الكبرى» في المنطقة
الشاب الذي شغل عدّة مناصب قيادية في المملكة، يُحاول أن يظهر بصورة الزعيم الوطني الذي سيُغيّر تاريخ المملكة؛ فالاتفاقية التي تنازلت مصر بموجبها عن جزيرتي تيران وصنافير كان ولي العهد هو الموّقع عليها عن الطرف السعودي، وهو نصرٌ صغير يصنع منه شعبية تُضاف إلى الأموال التي حصل عليها بعد توقيف الأمراء ورجال الأعمال بتهم فساد وغسيل أموال وتقديم رشى، وهو الأمر الذي لاقى دعمًا وترحيبًا من المجتمع السعودي الذي كان يرغب في إنهاء سطوة الأمراء ونفوذهم باعتبارهم فوق القانون، ولا يجوز محاسبتهم.
أيضًا المشروع الذي أطلقه لا زال يجذب عقول الكثيرين، «رؤية 2030»، التي تهدف إلى إنهاء اعتماد المملكة على النفط وخصخصة الاقتصاد السعودي، إذ يُظهره بأنه المُجدد الذي سيُغيّر تاريخ المملكة، ورغم أنّ مشروعه لا زال يواجه تحديات، إلا أنّ فقاعة الترويج وتلميع الأمير الشاب لم تهتز رغم انخفاض أسعار برميل النفط عن السعر الذي توقعته المملكة.
الشاب المندفع لا زال يحلم بمشاريع طموحة، فهو يرغب في وجود صناعة عسكرية سعودية وطنية، فأعلن إنشاء شركة قابضة للصناعات الحكومية العسكرية، ليس هذا فقط؛ فطموحه تجاوز المدى، حين قرر أن يستبدل رسائل التهديد التي يوجهها إلى إيران بتصريحه: «إذا طورت إيران قنبلة نووية، فستفعل المملكة العربية السعودية الشيء نفسه في أسرع وقت»، قبل أن تُعلن الحكومة منح عقودٍ لبناء أولى محطاتها النووية نهاية العام الحالي، وكل أحلامه ومشاريعه يُتبعها دائمًا بالجملة السحريّة: «ستوفّر عشرات الآلاف من فرص العمل».
وتقترن شعبية الأمير التي لا تشهد انحدارًا في الداخل، بمدى ارتفاع أو انخفاض نسبة البطالة التي تصل حاليًا إلى 12.8%، وتعتبر التحدي الأكبر داخليًّا الذي يتحكم في شعبيته، لكنها حتى الآن لا زالت في ازدياد، فالأمير الصغير استطاع حتى الآن أن يخطف الأضواء خارجيًّا وداخليًّا قبل أن يحصل على لقب «الملك محمد بن سلمان».