الرياض تتجاوز «الحرج»: نحن من سيحقّق «الحلم» الإسرائيلي

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1881
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

الجزيرة العربية الحدث إبراهيم بنوت
إسرائيل نفسها تبدو متفاجئة بحجم الاندفاع السعودي نحن «إشهار الحب» بينهما (أ ف ب )
 لم يعد ثمة حاجة إلى الإنكار أو الترقيع أو التلميع. وليّ عهد السعودية قالها صراحة: لا مشكلة لدينا مع إسرائيل. مقولة ليست أكثر من تتويج لمسار «تطبيعي» بدأ يُختطّ منذ أشهر، ليوصل إلى ما تتطلع إليه إدارة دونالد ترامب من وراء جهود «عميلها»: طمس القضية الفلسطينية، وتكريس الإسرائيلي «شريكاً طبيعياً» في المنطقة. هذه الغاية التي يجتهد ابن سلمان في الوصول إليها بسرعة وتلهف يبدوان مفاجئين لتل أبيب نفسها، يظهر أن خروجها إلى العلن سيكون مفيداً لأطراف كثيرين، في مقدمهم الفلسطينيون
وجدت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ضالّتها، ليكون «عميلاً» توكَل إليه مهمة إحداث التغييرات المرتجاة في المنطقة. تلك هي خلاصة المقال المطوّل للصحافي الأميركي المخضرم، ديكستر فيلكنز، والذي نشرته مجلة «ذا نيويوركر» أمس بعنوان «أمير سعودي يسعى إلى إعادة صنع الشرق الأوسط». خلاصة تبدو بالغة الدقة في التعبير عن حقيقة الدور المطلوب من ابن سلمان، خصوصاً في ما يتصل بالقضية الفلسطينية والصراع العربي - الإسرائيلي. كان الأمير الشاب شديد الصراحة في إجابته أسئلة مجلة «ذي أتلانتيك» بشأن ذلك الصراع: «أعتقد أن الفلسطينيين والإسرائيليين لهم الحق في أن يكون لهم أرض خاصة بهم. لكن علينا التوصل إلى اتفاق سلام لضمان الاستقرار للجميع، ولإقامة علاقات طبيعية».
حاول الملك السعودي، بعد ساعات، تورية «فضيحة» نجله التي وُصفت في وكالات الأنباء العالمية بـ«النادرة» و«الاستثنائية». أعاد الرجل، في اتصال هاتفي مساء الإثنين مع ترامب، ترداد المواقف المكرورة «تجاه القضية الفلسطينية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في قيام دولته المستقلة، وعاصمتها القدس»، مشدداً على «ضرورة تحريك مسار عملية السلام في الشرق الأوسط ضمن جهود دولية». لكن مواقف سلمان لم تفارق عملياً كلمة ولي عهده، سوى في أنها ألبست الرغبة «التطبيعية» لبوساً من الكلام الإنشائي الفارغ الذي اعتادته الرياض منذ عقود. زد على ذلك أن إناء الملك لا ينضح إلا بما في إناء ولده «المدلّل»، بحسب ما يوحي به تقرير «ذا نيويوركر» الذي كشف أنه لدى زيارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، إلى السعودية في نيسان/ أبريل 2016، لاحظ مستشارو أوباما خلال اللقاءات المغلقة أن سلمان لا يتفوه بشيء إلا بعد النظر في جهاز «آيباد» كان بحوزته، ليكتشفوا لاحقاً أن محمد هو الذي كان يكتب له ما يقوله. ومحمدٌ اليوم مصمّم على إيصال قطار التطبيع إلى منتهاه «السعيد».

حاول الملك السعودي بعد ساعات تورية «فضيحة» نجله
قبل أيام، تحدث رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غادي أيزنكوت، عن «تعاون خفي» مع السعودية، قائلاً «(إنني) لا أصفه حلفاً، (إنما) توجد مصالح متطابقة. والمصلحة المشتركة لإسرائيل والسعودية هي ضد التهديد الإيراني». لم تعلّق السلطات السعودية على تصريح أيزنكوت، إنما أطلّ وجهها «التطبيعي» الأبرز، الجنرال المتقاعد أنور عشقي، من على منبر «هيئة الإذاعة البريطانية»، ليجمّل الخبر الذي نشرته «معاريف» الإسرائيلية بالقول إن التقاطع بشأن «التهديد الإيراني» لا يعني التطابق أو التحالف، وإن الجانب الأميركي هو الذي نَقَل وجهة النظر السعودية إلى تل أبيب. كان في ظن رئيس «مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الشرق الأوسط» أن في استطاعته إيهام الرأي العام بأن ثمة فارقاً حقيقياً بين الأمرين، وأن الإلحاح على عدم وجود اتصالات مباشرة كفيل بنفي الحقائق «التطبيعية» التي ما فتئت تتراكم على نحو غير مسبوق منذ أشهر. لكن في ظل اندفاع ابن سلمان إلى المجاهرة بموقفه، الذي كان أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه يفضّل «بقاءه في السرّ حالياً»، يبدو أن عشقي وغيره من «أسود التطبيع» سينزاح عن كتفهم همّ التضامن مع الفلسطينيين وقضيتهم عقب كل دعوة إلى التقارب مع إسرائيل.
إسرائيل نفسها تبدو متفاجئة بحجم الاندفاع السعودي نحن «إشهار الحب» بينهما. «عندما سمعت ما قاله المندوب السعودي في مؤتمر رؤساء الأركان في واشنطن وجدت أنه مطابق تماماً لما أفكر به» ذلك ما أدلى به أيزنكوت، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، في حواره الشهير مع صحيفة «إيلاف» الإلكترونية السعودية، قبل أن يذهب إلى أبعد مما تقدم في حديثه في الشأن نفسه إلى صحيفة «إسرائيل اليوم»، عندما قال: «(إنني) لو كنت أخذت معي رئيس شعبة العمليات، اللواء نيتسان ألون، لكان ألقى الخطاب نفسه ضد تهديد إيران وحزب الله». هذه الغبطة ظهرت واضحة أمس في تغطية الإعلام الإسرائيلي لأحدث تصريحات ولي العهد السعودي، الذي كان التقى خلال زيارته إلى الولايات المتحدة زعماء يهوداً، من بينهم رئيس لجنة الشؤون العامة الأميركية - الإسرائيلية (أيباك). هكذا إذاً، تتوالى الأنباء السارة على تل أبيب، التي لمّا تصحُ بعد من «سكرتها» بقرار السعودية فتح أجوائها أمام الطائرات الهندية المتجهة إلى إسرائيل.
قرار رأى نتنياهو، على حق، أن «دلالته واضحة للجميع»، موضحاً أن «(فتح الأجواء بين السعودية وإسرائيل) عملية طويلة يتم معظمها خلف الكواليس، ومن المفضل أن تبقى كذلك حالياً»، متوجّهاً بالشكر إلى رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، مئير بن شابات، على «المساعدة التي قدمها» في هذا الإطار، في تلميح إلى دور رئيس يلعبه بن شابات في تقصير المسافة بين الرياض وتل أبيب. وهي مهمّة يبدو أن أحدث نتائجها ستتمثل في السماح للطائرات الإسرائيلية بعبور الأجواء السعودية أسوةً بنظيرتها الهندية، في ظلّ حديث نتنياهو عن أن «التبعات بعيدة المدى (للخطوة السعودية) ستتضح لاحقاً»، مقروناً بمطالبة تل أبيب، منذ اللحظة الأولى لإعلان نيودلهي عزمها تسيير رحلات مباشرة إلى إسرائيل عبر السعودية، بمعاملتها بالمثل.
بالنتيجة، تسير ترتيبات التطبيع السعودي - الإسرائيلي على قدم وساق، استناداً إلى «الكثير من المصالح المشتركة»، والتي ستتعزز «إن كان ثمة سلام»، على حد تعبير ابن سلمان. تعبير يعيد إلى الأذهان المعادلة التي أرساها الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العامة السعودي، تركي الفيصل، أواسط عام 2016، في تنظيره للتقارب مع إسرائيل بقوله إنه «بالعقول العربية والمال اليهودي، يمكننا المضي قدماً بصورة جيدة في مختلف المجالات العلمية والتكنولوجية». تتضح تلك المعادلة بالتأمل في مشروع «نيوم» الذي أطلقه ولي العهد السعودي في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، والذي يبدو جلّياً أنه سيشكلّ «حصان طروادة» للإسرائيلي لتكريس نفسه «شريكاً طبيعياً» في المنطقة، بتواطؤ من حلفاء السعودية، وفي مقدمهم النظام المصري، الذي كانت له مساهمته في «نيوم» عبر تنازله عن مساحة 1000 كيلومتر من جنوب سيناء.
يقول ابن سلمان، في حواره مع «أتلانتيك»، إن «إسرائيل تملك اقتصاداً كبيراً مقارنة بحجمها، وهذا الإقتصاد متنام»، راسِماً في مخيلة المتابع صورة لـ«الملك غير المنصب» وهو «يبشّر» بتحقق خطة/ نبوءة الرئيس الإسرائيلي الأسبق، شمعون بيريز، المعروفة باسم «ريفييرا البحر الأحمر»، على يديه. المشروع الذي أورد بيريز تفاصيله في كتابه «الشرق الأوسط الكبير»، المنشور عام 1993 حين كان وزيراً للخارجية، يقوم على «ربط إسرائيل وفلسطين والأردن في اتحاد سياسي اقتصادي على غرار هولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ»، فضلاً عن «خلق سوق اقتصادية في المنطقة على غرار السوق الأوروبية المشتركة، وخلق تحالف عسكري على غرار حلف الناتو، وإنشاء سكة حديدية من الدار البيضاء إلى الإسكندرية ومنها إلى تركيا عبر تل أبيب واللاذقية، وإنشاء شبكة كهربائية لا ترتبط بالحدود، وإنشاء منطقة حرة بين السعودية ومصر والأردن وإسرائيل».
هذه الرؤية تتقاطع مع ما يتضمنّه مخطط مشروع «نيوم» الذي رصد له ابن سلمان 500 مليار دولار واعتبره لـ«الحالمين فقط». إذ إنه يقتضي إنشاء «منطقة خاصة مستثناة من أنظمة وقوانين الدولة الاعتيادية، كالضرائب والجمارك وقوانين العمل والقيود القانونية الأخرى على الأعمال التجارية». واللافت أن المنطقة المزمعة إقامتها، والتي تشمل أراضي داخل الحدود المصرية والأردنية على البحر الأحمر وخليج العقبة، سيكون من أبرز ميزاتها قربها من «الأسواق ومسارات التجارة العالمية»، فضلاً عن أنها تتطلب إنشاء جسر بري بين السعودية ومصر (جسر الملك سلمان)، يمر في جزيرتَي تيران وصنافير. والجدير ذكره هنا أن حكومة نتنياهو بدأت الإجراءات العملية لتدشين خط سكة حديدية بين السعودية وإسرائيل، يبدأ من مدينة بيسان المحتلة، وينطلق منها إلى الأردن، ومن ثم إلى السعودية والعراق، وفقاً لما كشفته صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية أوائل العام الجاري.
في خلاصة المعطيات، «#التطبيع_تم_ بنجاح» على حد تعبير مغردين عرب عبّروا عن سخطهم على تصريحات ابن سلمان الأخيرة تحت هذا الوسم وغيره. إلا أنه، وفي الوقت الذي كانت فيه وسائل الإعلام تتداول تلك التصريحات، التي لاحظ محاوِر ولي العهد السعودي أنها لا تتضمن أي «كلمة سيئة» حول إسرائيل، كان شهيد جديد يسقط على الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل، لينضم إلى 16 شهيداً قضوا في فعاليات «يوم الأرض» التي تمتدّ لستة أسابيع. مشهدية تختصر حقيقة العقبات التي تعترض مشروع «الملك القادم»، والذي يبدو مفيداً أنه خرج إلى العلن، ليزيح عن كاهل كثيرين عبء مواقف «تبيعها» الرياض للفلسطينيين في دائرة الضوء، وتمارس نقيضها خلف الستار.