«البترودولار» يتآكل.. ما الذي يعنيه ذلك للرياض وواشنطن وبكين؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2701
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
 يتآكل موقف «البترودولار» يوما بعد يوم. وهذا ليس لأنه من الممكن الآن، اعتبارا من 26 مارس/آذار، شراء عقود النفط مقابل «اليوان» في بورصة شانغهاي الدولية للطاقة فحسب، ولكن السبب هو أن الولايات المتحدة لم تعد تشتري نفطا بالقدر الذي اعتادت عليه في السابق.
ومنذ عام 2012، كان إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة يزداد بفضل التقدم التكنولوجي في التكسير الهيدروليكي والحفر الأفقي وقد ساعد ذلك الولايات المتحدة في تخفيض اعتمادها على واردات النفط، ودفعها لتصبح مصدرا للنفط، وبذلك كان على البلدان التي تعتمد على مبيعات النفط البحث عن عملاء جدد. وتعد الصين هي الزبون الجديد الواعد، وقد تجاوزت العام الماضي الولايات المتحدة كأكبر مستورد للنفط في العالم. وتود الصين، على نحو مفهوم، دفع ثمن النفط باليوان بدلا من الدولار، ولا يمكن للأطراف الساعية لإرضائها - مثل السعودية - أن يكون لديهم رفاهية الاختيار. ولكن من الخطأ أن نستنتج أن انخفاض سعر «البترودولار» ينذر أيضا بتراجع وضع الدولار كعملة احتياطية في العالم.

تأثير الذروة
ولفهم العواقب المترتبة على تراجع «البترودولار»، من الضروري أن نتذكر أن الدافع لإنشاء نظام «البترودولار» لم يكن اقتصاديا تماما؛ بل كان أيضا أمرا استراتيجيا. وكان الشرق الأوسط واحدا من المجالات الرئيسية للمنافسة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة أثناء الحرب الباردة. وقد أرادت الولايات المتحدة التأكد من أنها ستتمكن دائما من الوصول إلى النفط الذي تنتجه دول «أوبك»، والذي كان يمثل آنذاك أكثر من نصف إجمالي إنتاج النفط في العالم. وللقيام بذلك، قدمت واشنطن للسعودية وغيرها من منتجي النفط في الخليج السلاح والحماية. وفي المقابل، وافقوا على قبول الدولار حصرا لمبيعات النفط واستثمار عائداته في سندات الخزانة الأمريكية. واستفاد الاقتصاد على الجانبين، لكن التحديات الاستراتيجية في الحرب الباردة كانت بنفس الأهمية، إن لم تكن أكثر أهمية.
لكن كل هذا تغير منذ ذلك الحين. ولا تنتج «أوبك» الآن سوى 40٪ فقط من نفط العالم، وقد ولت الأيام التي كان بإمكانها فيها تحريك أسعار النفط العالمية. وتعتبر الولايات المتحدة أحد الأسباب الرئيسية في ذلك، فلقد تجاوزت المملكة العربية السعودية في كل من احتياطي النفط القابل للاستخراج، وإجمالي إنتاج الهيدروكربونات، ووضع إنتاج الصخر الزيتي الأمريكي سقفا على سعر النفط. وبالإضافة إلى ذلك، أصبحت الولايات المتحدة مصدرا كبيرا للنفط، حيث زادت الصادرات بـ 20% في الأعوام الأربعة الماضية، مما يعني أن الولايات المتحدة قد تحولت من المستهلك الرئيسي للنفط السعودي إلى المنافس الأول عمليا بين عشية وضحاها. وفي عام 1977، استوردت الولايات المتحدة 1.38 مليون برميل من النفط يوميا من المملكة. وفي عام 2012، لم يكن هذا الرقم قد تغير كثيرا، حيث كل أقل بقليل عند 1.37 مليون برميل في اليوم. ومنذ ذلك الحين، انخفضت واردات الولايات المتحدة من النفط من السعودية بنسبة 30%، لتصل إلى 949 ألف برميل يوميا.
كما تراجعت أهمية المملكة الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة. ولم تعد مشاركة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تتعلق بجمع الحلفاء لمعارضة الموالين للسوفييت. لكن ما تحتاج إليه الولايات المتحدة أكثر من أي شيء في الشرق الأوسط هو شركاء أقوياء بما يكفي لإدارة فوضى المنطقة، دون اللجوء إلى واشنطن للمساعدة في كل مرة يقوم فيها الحوثيون بإطلاق صاروخ أو يقوم الإيرانيون بتطوير لاعب جديد بالوكالة. كما أن الولايات المتحدة لم تنس استخدام المملكة العربية السعودية للوكلاء الإسلاميين المتطرفين ومشاركة السعوديين في انتشار الأيديولوجيات الإسلامية المتطرفة، التي لعبت دورا رئيسيا في تشكيل مجموعات مثل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية. وتواجه الولايات المتحدة، التي كانت تحاول تخليص نفسها من حروبها في العالم الإسلامي منذ 17 عاما، الآن عدوانية في إيران وتركيا، ولا تساعدها حليفتها السعودية في ذلك بحال.
وفي الوقت الذي تقوم فيه الولايات المتحدة بفطم نفسها عن النفط الأجنبي، يزيد اعتماد الصين عليه. ولا يمر هذا دون فوائد محددة تحصل عليها بكين. وتعد الولايات المتحدة مثالا رئيسيا على نفوذ مستهلكي الطاقة على المنتجين، خاصة في سوق متخم بالعرض. ولكن على عكس الولايات المتحدة، لا تتمتع الصين بميزة القدرة على الوصول إلى محيطات العالم كما تشاء. وأيضا على عكس الولايات المتحدة، لا يمكن أن تقدم الصين لدولة مثل السعودية الكثير في مجال الأمن أو الحماية. وحتى مع زيادة استخدام «اليوان»، ستظل البلدان تقدر قيمة الدولار فوق جميع العملات، لأسباب لا علاقة لها بالعملة التي تستخدمها الصين لتسديد مدفوعات النفط.

تحديد حجم الثقة
وقد تم إعلان الدولار كعملة احتياطية عالمية في مؤتمر «بريتون وودز» لعام 1944. وصحيح أن صعود البترودولار قد ساعد الدولار على الحفاظ على هذا المركز في السبعينيات من القرن الماضي، بعد أن اتخذ الرئيس «ريتشارد نيكسون» خطوات أدت إلى إخراج الولايات المتحدة من ربط العملة بالذهب، ولكن لمجرد أن هناك علاقة مباشرة بين النفط ووضع الدولار كعملة احتياطية عالمية، لا يعني ذلك أن نظام البترودولار لا يزال هو أساس هذا الارتباط.
لكن لا يعني هذا أيضا أن تآكل نظام البترودولار سيكون بلا عواقب. وتعتبر كمية الدولارات في الخارج مهمة، وبما أن الولايات المتحدة سوف تشتري كميات أقل من النفط، سيكون هناك دولارات أقل في الخارج. لكن الدولار سيحتفظ بمركزه كعملة احتياط عالمية، طالما أنه ينظر إليه على أنه العملة الأكثر أمانا والأكثر موثوقية، وليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن الثقة العالمية بالدولار سوف تتضاءل ببساطة لأن الولايات المتحدة تشتري نفط أجنبي أقل.
وقد يكون من الصعب قياس الثقة، لكن التفضيل العالمي للدولار ليس مجرد افتراضات. وتظهر أحدث بيانات صندوق النقد الدولي أنه في الربع الثالث من عام 2017، تم الاحتفاظ بنسبة 54٪ من احتياطيات العملات الأجنبية الرسمية بالدولار الأمريكي. وكان ذلك بزيادة بنسبة 13٪ عن العام السابق، وهو ما يعني أن الموقف الأمريكي ليس مهيمنا فقط، بل يتحسن. وبالمقارنة، كشف بنك التسويات الدولية، الذي ينتج مسحا لدوران العملات الأجنبية كل 3 أعوام، في أحدث إصدار له في ديسمبر/كانون الأول عام 2016 أن اليوان تم استخدامه في 4٪ من معاملات الصرف الأجنبي في عام 2016، وهو بالكاد أكثر من البيزو المكسيكي، في حين تم استخدام الدولار الأمريكي في 88% من معاملات الصرف الأجنبي.
ويمكن للصين بالتأكيد دفع الدول بقوة لاستخدام اليوان لزيادة استخدامه العالمي. لكن القدرة على إجبار دول مثل السعودية أو فنزويلا على استخدام «اليوان» تختلف اختلافا كبيرا عن اختيار البلدان استخدام «اليوان» لأنه أفضل البدائل.
وللتنافس على وضع احتياطي العملة العالمي، لا تحتاج الصين إلى سوق العقود الآجلة للنفط، بل تحتاج إلى إثبات أنها تستطيع تنفيذ سياسة نقدية شفافة، والامتناع عن التلاعب بشكل روتيني بقيمة «اليوان» ورفع ضوابط رأس المال. وما تستطيع الصين فعله مع هذا التحرك هو العمل على زيادة استخدام اليوان في العالم. ومن المفارقات، فكلما تفعل الصين ذلك، ستصبح أكثر اعتمادا على الشرق الأوسط وعلى طرق التجارة البحرية للوصول إلى هناك، تماما كما أصبحت الولايات المتحدة أقل اعتمادا على ذلك. وسيزيد ذلك من حاجة الصين إلى تطوير قدرات الطاقة، وقد يجعلها ذلك تتعارض مع النظام العالمي السائد. وفي غضون ذلك، طالما أن السعوديين والمضاربين هم الوحيدون الذين يأخذون اليوان، فإن وضع الدولار كعملة احتياطية عالمية يجب أن يظل آمنا.

المصدر | جاكوب شابيرو - جيوبوليتيكال فيوتشرز