استقالة «الحريري».. لبنان إلى أين؟
محمد عبدالله
بينما تخوض السعودية مواجهة عسكرية مباشرة في اليمن منذ مارس/آذار 2015 مع جماعة «الحوثيين»، المدعومة من إيران، باعتبارها تشكل تهديدا مباشرا للمملكة، يبدو أن الرياض تصعد المواجهة مع «حزب الله» اللبناني، المدعوم أيضا من إيران.
ففي خطوة مفاجئة، ومن قلب العاصمة السعودية الرياض، أعلن رئيس الحكومة اللبنانية «سعد الحريري»، السبت، استقالته متهما «حزب الله» بفرض أمر واقع بقوة السلاح على اللبنانيين والسوريين.
وذهب «الحريري»، إلى السعودية الجمعة في ثاني زيارة خلال أيام، والتقى ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان»، وجاء خطابه بعد تصعيد كلامي من السعودية ضد إيران و«حزب الله» على لسان وزير الدولة لشؤون الخليج العربي «ثامر السبهان»، الذي التقى «الحريري» قبل أيام في الرياض.
وبدا دقة تحليل صحيفة «الأخبار» المحسوبة على «حزب الله»، التي علقت، الأربعاء الماضي، على الدبلوماسية السعودية النشطة تجاه لبنان حاليا، قائلة: «يبدو أن هناك قرارا سعوديا للمواجهة مع حزب الله، كما يبدو أن الحريري سيعود من السعودية باتفاق مع السعوديين على وجهة المرحلة المقبلة»، فقد ظهرت ملامح اتفاق «الحريري» مع السعودية قبل أن يعود إلى لبنان، وإن كانت عودته إلى لبنان أصبحة محل شك، بحسب مراقبين.
ويطرح توقيت ومكان إعلان استقالة «الحريري» أسئلة كثيرة لخصها وزير العدل اللبناني «سليم جريصات» المحسوب على الرئيس اللبناني «ميشال عون» و«التيار الحر»، حينما قال إن «الاستقالة ملتبسة ومرتبكة ومشوهة في أربعة أمور: التوقيت والمكان والوسيلة والمضمون».
لكن الأكيد أن هذه الاستقالة تأتي في سياق المواجهة السعودية ضد إيران وحلفائها وعلى رأسهم «حزب الله»، فرسائل كثيرة كان قد تلقاها «الحريري» من السعوديين بوجوب إعادة التوازن وربط النزاع مع «حزب الله»، وعدم تسليمه أوراق البلد والخضوع له، ولكن الأمور وصلت على ما يبدو إلى مرحلة غير قابلة للتراجع، والدليل أن «الحريري» قدم استقالته من السعودية، وفي خطاب مسجل.
لذا فقد اعتبر مستشار وزير الخارجية الإيراني «حسين شيخ الإسلام» أن استقالة الحريري جاءت بترتيب من الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» وولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» من أجل توتير الوضع في لبنان والمنطقة.
وكان «الحريري» مصرا، خلال الفترة الماضية، على تطمين السياسيين في لبنان، بمقدرته على إقناع السعوديين بالحفاظ على التسوية، وبقاء الحكومة، لكن على ما يبدو أن ثمة أمورا كثيرة تغيرت.
وتمهد تلك الاستقالة إلى أزمة سياسية خطيرة سيعيشها لبنان، ليس معروف بعد مدتها، تتمثل في كيفية تشكيل الحكومة، ومن الذي سيشكلها وممن ستُشكل، فخطاب استقالة «الحريري» لا يوحي بأن تيار «المستقبل» سيكون مشاركا في أي حكومة تضم «حزب الله»، وإذا ما ضغط «حزب الله» لتشكيل حكومة كحكومة الرئيس «نجيب ميقاتي»، فهذا يعني أن لبنان سيكون أمام أزمة جديدة، تعاني من الاعتراف من قبل المجتمع العربي والدولي، وهذا ما قد يزيد الضغط السياسي والإقتصادي على البلد في ضوء العقوبات المفروضة على «حزب الله».
وحمل خطاب «الحريري» إشارات بهذا الخصوص حين قال «إن المشهد يشبه إلى حد بعيد مرحلة العام 2005، وما سبق اغتيال الرئيس رفيق الحريري»، فيما هناك من يشبه الوضع بفترة إصدار القرار 1559، وما حمله من تداعيات على الوضع اللبناني.
تصعيد عسكري
التخوف الأكبر من الأزمة السياسية التي تخلفها استقالة «الحريري»، يتجلى في مدى التصعيد العسكري السعودي والأمريكي ضد «حزب الله»، وخاصة مع ما أشار إليه أول تعليق رسمي على الاستقالة من قبل وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي «ثامر السبهان» حين قال إن «أيدي الغدر والعدوان يجب أن تبتر».
وتفيد معطيات بأن السعودية والولايات المتحدة قد توجهان ضربات إلى «حزب الله» في سوريا، لإضعاف قوته وتحجيم نفوذه، مع ما قد يتبع ذلك من استغلال إسرائيلي لما يحصل، والدخول على الخط من خلال شن حرب على لبنان.
هذا التخوف أعرب عنه مستشار رئيس البرلمان الإيراني «حسين أمير عبد اللهيان» حين قال إن «استقالة رئيس الوزراء اللبناني من السعودية خطوة متسرعة ستوجد فراغا سياسيا تخدم مصلحة الكيان الصهيوني».
فمن الملاحظ تصدر الحديث عن «حزب الله» للنقاشات السياسية والإعلامية على مستوى المنطقة والعالم، بعد الانكسارات الهامة التي وقعت لتنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا والعراق، وتحول الأنظار إلى «حزب الله» الذي وجد نفسه بالفعل على قائمة النقاشات العالمية الحكومية والاستخباراتية، التي كانت مشغولة حتى الأمس القريب، بخطر تمدد تنظيم «الدولة الإسلامية».
ويقول مراقبون إن دور «حزب الله» اللبناني المستقبلي في لبنان، سيكون على قائمة أولويات دول المنطقة في الفترة المقبلة، بعد أن تراجع الخطر الذي شكله تنظيم «الدولة الإسلامية» قبل انهياره.
ولعل هذا ما يفسر توقيت كشف وكالة المخابرات الأمريكية «سي أي إي»، عن آلاف الوثائق السرية التي صادرتها من منزل زعيم تنظيم القاعدة «أسامة بن لادن»، خلال مداهمة منزله وقتله في باكستان عام 2011، والتي تكشف عن تنسيق بين «حزب الله» وإيران من جهة وقيادات «تنظيم القاعدة» من جهة أخرى، بحسب الوثائق.
من جانها، اعتبرت «وكالة أنباء فارس» الإيرانية أن نشر وثائق انتقتها «سي آي ايه» حول «تنظيم القاعدة» جزء من مشروع «لممارسة الضغوط على ايران».
ويقول مراقبون إن الإفراج عن وثائق «بن لادن» في هذا التوقيت بالذات، ليس عفويا، وأن الكشف عن وجود علاقة بين «حزب الله» و«القاعدة» في الوثائق الأولى التي تم تحليلها من بين 470 ألف وثيقة مسربة، يعد مؤشرا على أن واشنطن تستهدف الضغط على الحزب، بالتزامن مع حملة لكبح نفوذ إيران في المنطقة.
الدور الإسرائيلي
وتزداد التخوفات من أن تكون الأزمة السياسية التي ستخلفها استقالة «الحريري» هي تمهيد لحرب يشنها الجيش الإسرائيلي على لبنان كما ذكر سابقا، فقد كشفت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، في 24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن الوسط السياسي الإسرائيلي مشغول، بموضوع الحرب المقبلة مع لبنان و«حزب الله»، كما أن (إسرائيل) تدرس سيناريوهات الحرب المختلفة والأسباب التي ستشعلها.
وبحسب المجلة الأمريكية، فإن الطبقة السياسية الإسرائيلية على أنواعها تؤكد أن تحريك ونقل «حزب الله» لترسانته وصواريخه الدقيقة والحديثة إلى الحدود الجنوبية المحاذية لـ(إسرائيل) ستكون الشرارة الأولى لبداية الحرب، والتي سترد (إسرائيل) من خلالها بقوة وبأشكال وتكتيكات تختلف عن حرب عام 2006.
وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى الرسالة التي أرسلتها (إسرائيل)، في أوائل سبتمبر/أيلول الماضي، إلى إيران من خلال شن ضربة لم يسبق لها مثيل من المجال الجوي اللبناني، على منشأة لإنتاج الأسلحة تديرها إيران في سوريا، والتي اختبرت فيها (إسرائيل) حدود القواعد الحالية.
ووفقا للمساعد الخاص لمدير «معهد دراسات الأمن القومي» في (إسرائيل) «آري هايستاين»، فإن هذه الهجمة حملت عدة رسائل أهمها: أولا، توسيع (إسرائيل) إجراءاتها ضد حيازة «حزب الله» للأسلحة لتشمل مرافق الإنتاج. وثانياً، أفادت الأنباء أن الضربات قد أطلقت من المجال الجوي اللبناني إلى سوريا، وكان هذا على الأرجح إشارة تحذيرية فيما يتعلق بمرافق إنتاج الأسلحة على الجانب اللبناني من الحدود. ثالثاً، أظهرت (إسرائيل) أنها ستواجه إيران حسب الضرورة. رابعاً، أبرز الهجوم حقيقة أن الدفاعات الجوية الروسية لن تحمي أنشطة «حزب الله» الإيراني التي تنتهك خطوط (إسرائيل) الحمراء.
فيبدو أن (إسرائيل) استنفذت أساليبها منخفضة المخاطر لوقف جهود «حزب الله» وإيران لإنتاج أسلحة متطورة في لبنان، وهي تواجه الآن خياراً: الردع أو الاستباق. ومن شأن الاعتماد على فكرة الردع غير الكاملة وغير المؤكدة أن ينطوي على مخاطر غير مقبولة من المرجح أن تزداد أضعافاً مضاعفة بمرور الزمن، بحسب الباحث الإسرائيلي.
وفي ذات السياق، قالت صحيفة «إسرائيل اليوم» الإسرائيلية، الأسبوع الماضي، إن «حزب الله» يستعد جديا الآن لسحب قواته من سوريا، مطلع العام المقبل خوفا من حصول مواجهة بين الحزب وبين الجيش الإسرائيلي في ظل وجود أغلبية قواته في سوريا.
وأوحت سلسلة مؤشرات برزت مؤخرا وكأن الحرب المقبلة باتت قريبة، منها قيام الجيش الإسرائيلي بمناورات حية ضخمة عند الحدود الشمالية مع لبنان وصل صداها إلى عمق مدينة صيدا في جنوب لبنان، بعد أن نفذت المقاتلات الإسرائيلية طلعات جوية على علو منخفض بشكل متكرر في مناطق نفوذ الحزب جنوب لبنان.
كما تجدر الإشارة إلى أن مؤتمر هرتسيليا الـ 16 الذي عقد في يونيو/ حزيران الماضي، قد شمل نقاشات مستفيضة حول حرب (إسرائيل) المقبلة مع «حزب الله»، فقد أصدر المؤتمر دراسة تلخيصية أكدت أنه بمرور 10 سنوات على العدوان على لبنان، والعام الخامس على الأزمة السورية يعيش حزب الله اليوم ذروة قوته العسكرية، ما يحتم على (إسرائيل) القيام بعملية واسعة النطاق بهدف تحجيم قدرات الحزب بشكل فعال.
ويعتبر مؤتمر هرتسيليا الذي يقام سنويًا في معهد الدراسات المتعددة المجالات (IDC) في مدينة هرتسيليا، والذي تقيمه مؤسسة الدبلوماسية والدراسات الإستراتيجية، أحد أهم المؤتمرات في (إسرائيل)، وأحد أهم الأماكن التي تحدد فيها السياسة الإسرائيلية والإستراتيجيات المختلفة، وبه أيضًا تقاس نجاعة السياسات السابقة والخطوات التي أخذت.
وإجمالا، فرغم حالة عدم اليقين التي خلفتها استقالة «الحريري» فثمة إجماع بين مكونات المشهد السياسي اللبناني والمراقبين على التوجس والتخوف من تداعيات هذه الاستقالة على المشهد السياسي والأمني في لبنان خلال المرحلة المقبلة.
المصدر | الخليج الجديد