كيف تتعامل أمريكا بواقعية مع السعودية؟
ناشيونال إنتريست – التقرير
كيف سيتعامل دونالد ترامب مع المملكة العربية السعودية؟
تدهورت العلاقات الأمريكية مع الرياض أثناء فترة تولي أوباما لرئاسة الولايات المتحدة، وتطلب الأمر الكثير من العمل من أجل إعادتها مرة أخرى بشكل طيب، ولكن السؤال الأهم والذي يجب أن تجيب عليه الإدارة الحالية هو “إلى أي مدى يريد ترامب إصلاح العلاقات مع المملكة؟”.
بالنسبة لأمريكا، فإن السعودية يجب أن تظل في دائرة الاهتمام من أجل الحفاظ على سعر منخفض أو على الأقل مستقر للنفط، وتلك هي أهم اهتمامات واشنطن بالمنطقة.
إذافة إلى ذلك، تعد الرياض زعيم المعسكر “المعتدل” أو على الأقل المؤيد نسبيا للغرب من الدول العربية، وتعارض الأنظمة المارقة، مثل إيران التي تراها الولايات المتحدة عدوا يسعى لبسط نفوذه، ويراها العرب راعية للإرهاب، لذلك تعتبر المملكة العربية السعودية شريكا متكاملا في مكافحة الإرهاب، كما تلعب دورا رئيسيا في مكافحة تمويل الإرهاب والإرباك اليومي لجهاديين تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة.
ولعل من الشائع قول إن البلدين يحتاجان لبعضهما البعض، وأن الضرورة ستبقيهما مقربين، ولكن المصالح المشتركة وإن كانت لا تزال حقيقية، فقد تضاءلت وعلى الرغم من أن الرئيس أوباما قام ببيع أسلحة للمملكة بما يفوق الـ100 مليار دولار، إلا أن الإعلام السعودي كثيرا ما صور إدارته على أنها غير موثوقة ومعادية. وأصبحت أسعار النفط نصف ما كانت عليه في عام 2014. وتحولت الثروة الصخرية والتكسيرية للولايات المتحدة إلى مصدر رئيسي للنفط، وبالتالي أصبحت منافسا للمملكة.
نقاط الخلاف
أعرب القادة السعوديون عن غضبهم من تخلي الولايات المتحدة عن نظام مبارك، ثم دعموا الانقلاب في مصر، على عكس السياسة الأمريكية، وعلى الرغم من أن الدبلوماسية شديدة التدقيق قد تكون أزالت شبح إيران النووي في الوقت الراهن، إلا أن السعوديين عارضوا الاتفاق، خوفا من نشأة علاقة أوثق بين واشنطن وطهران.
وأصبحت ليبيا وسوريا، اللتين كانتا مصدرا للتعدي الخارجي، غارقتين الآن في الصراع الذي بات يشكل تهديدا للمنطقة بأكملها.
ومعظم السعوديين يتفقون مع القيم الأمريكية فيما يتعلق بالمرأة والحريات الدينية والحريات الأساسية الأخرى التي تعتبر من أساسيات المجتمع الأمريكي، إلا أن إدارة أوباما انتقدت على فترات النظام السعودي فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
نقاط الاتفاق
واليوم، ما يحافظ على علاقة الدولتين معا هو مسألة مكافحة الإرهاب، حيث تلعب المملكة العربية السعودية دورا رئيسيا في تبادل المعلومات الاستخباراتية ومكافحة تمويل الإرهاب والمساعدة في العمليات العسكرية الأمريكية. وكتب عدد من مسؤولي مكافحة الإرهاب والأمن الوطني رسالة مفتوحة في الخريف، معلنين أنه “مع مرور الوقت، تطورت المملكة لتصبح واحدة من أهم وأقوى شركاء واشنطن الموثوق بهم في مكافحة الإرهاب، وذلك على الصعيد العالمي وداخل المنطقة أيضا”.
معضلة جاستا
ولكن حتى رؤية الدولتين لمكافحة الإرهاب أصبحت مضطربة، ففي عام 2016، ألغى الكونغرس حق النقض لأوباما، وقام باعتماد قانون العدالة ضد الإرهاب (جاستا)، والذي يحد من نطاق الحصانة السيادية فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، كما يسمح لضحايا أحداث 11 سبتمبر وغيرهم بمقاضاة السعودية على أي دعم مزعوم للإرهابيين. وقال السناتور تشاك شومر، وهو أحد مؤيدي قانون جاستا، إن السعوديين “قدموا دعما ماليا للعمليات ذات الصلة بالإرهاب”. وقام السيناتور كريس ميرفي، وهو ديمقراطي شمالي شرقي آخر، بتقديم انتقادا أوسع، قائلا:
“لقد تحولنا إلى الاتجاه الآخر بشكل كبير وسمحنا للسعوديين بخلق نسخة من الإسلام الذي أصبح اللبنات الأساسية للجماعات التي نقاتلها اليوم. ونحن ناشدناهم وطالبناهم بأن يتوقفوا، والأدلة تشير إلى أنهم لم يفعلوا ذلك”.
وفي حديث مسرب عام 2013، أعلنت هيلاري كلينتون أن “السعوديين قاموا بتصدير أيديولوجية أكثر تطرفا من أي مكان آخر على وجه الأرض وذلك على مدار السنوات الثلاثين الماضية”.
والحقيقة هي أن مكافحة الإرهاب مسألة معقدة وتتحدى التسميات المبسطة. وقد أحرزت المملكة العربية السعودية تقدما كبيرا في السنوات الخمسة عشر الماضية. ولكن لا يزال أمامنا طريق طويل لنقطعه، وقبل هجمات 11 سبتمبر الإرهابية في عام 2001، وفعليا يرى العض أنه حتى بدية القاعدة في مهاجمة المملكة مباشرة في مايو من عام 2003، كانت المملكة العربية السعودية غير متعاونة إلى حد كبير، وكانوا يرون أنها غالبا ما تكون جزءا من المشكلة أكثر من الحل.
ومنذ عام 2003، برز النظام السعودي كشريك حاسم في مكافحة الإرهاب، وساهم في العديد من النجاحات الهامة ضد تنظيم القاعدة. ومع ذلك، فإن تعقيد هذه الصورة السبب فيه هو مجموعة من الواعظين والمنظمات غير الحكومية، حيث يساهم بعضها في شرعنة النظام. ووفقا للحدث، ستدعم الرياض أو تتجاهل أو تتصدى لهم. ويرى البعض أن الدعم الحكومي لهم يساهم في خلق مناخ عام من التطرف، مما يزيد من صعوبة التصدي للتطرف العنيف. ويرون أنه نتيجة لذلك، لا تزال المملكة تصدر الخطاب المعادي للسامية والطائفية.
صداقة دون تبعية
ويجب على دونالد ترامب أن يدرك أن قدرة واشنطن على التأثير على المملكة محدودة، وذلك نظرا للحساسيات المحلية.
وفي النهاية، يجب أن يتذكر واضعو السياسات أن المملكة العربية السعودية شريك رئيسي، ولكن ليست صديقة، وأن واشنطن والرياض تشتركان في العديد من المصالح المشتركة، ولكنهما لا يتشاطران القيم قيم أو نظرة للعالم مشتركة.
جدير بالذكر أن السعودية دائما ما كانت دولة إسلامية محافظة، ولكن عندما أخذت المملكة شكلها الحديث في عام 1932 كانت طاقتها الدينية تتركز في البداية في الداخل.
وفي الستينات، سعى الملك فيصل بن عبد العزيز إلى تشكيل تحالفات على أساس الهوية الإسلامية المشتركة. وكان المقصد من الدين هو إحباط القومية العربية المتطرفة للرئيس المصري جمال عبد الناصر التي كانت تهدد شرعية الملكية في جميع أنحاء المنطقة.
وكانت الهوية تهدف إلى توحيد الدول ضد الشيوعية الدولية التي عارضها فيصل والقيادة السعودية بشدة، وكانت تهدف أيضا إلى دعم الاستقلال الفلسطيني. وقد لعبت السياسة الداخلية دورا أيضا، تولى فيصل العرش بعد أخيه سعود، وكان الدعم الذي تلقاه من المؤسسة الدينية أساسيا لضمان شرعيته.
وتحقيقا لهذه الغاية، أنشأ فيصل منظمة التعاون الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي، وتبنى مجموعة من القضايا الدينية في الخارج.
جدير بالذكر أن صعود أسعار النفط وقتها كانت بسبب الحرب العربية الإسرائيلية في عام 1973، والتي نجم عنها حظر نفطي وخفض الإنتاج، مما أدى إلى تمكن المملكة العربية السعودية من المساهمة بمبالغ هائلة في القضايا الإسلامية في جميع أنحاء العالم.
وفي العقود التي أعقبت تلك الأحداث، قم خلفاء الملك فيصل بدعم بناء المساجد والمراكز الإسلامية والمدارس “بالآلاف في جميع أنحاء العالم”. وتولى الملك فهد بن عبد العزيز السلطة رسميا في عام 1982.
ويقال أن العلماء السعوديين ساعدوا على إنشاء وإدارة 200 من الكليات الإسلامية و 210 من المراكز الإسلامية، و 1500 مسجدا و 2000 مدرسة للأطفال المسلمين في البلدان الغير مسلمة.
وقال ديفيد أوفهاوزر، المسؤول السابق بوزارة الخزانة، إن الرقم الإجمالي للإنفاق على هذه القضايا تقدر بحوالي “75 مليار دولار”.
وقد تم القيام بالكثير من هذا التعليم الديني خارج الدولة السعودية من قبل الجمعيات الخيرية المختلفة، والتي تقدم التعليم والرعاية الصحية وغيرها من الخدمات كجزء من مهمتها. وادعى تقرير برلماني أوروبي أن السعوديين أنفقوا 10 مليارات دولار لتعزيز الفكر السلفي، والإصدار المتجدد للإسلام، وذلك من خلال الجمعيات الخيرية مثل رابطة العالم الإسلامي ومنظمة الإغاثة الإسلامية الدولية ومؤسسة الحرمين والجمعية العالمية للشباب الإسلامي.
وأثار الأمريكيون بعض الأقاوييل بأن هذه الجمعيات الخيرية كانت على صلة ببعض المجموعات الإرهابية مثل القاعدة وأصبحت جزءا هاما من التنظيم، خاصة قبل 11 سبتمبر.
وكانت المملكة بطيئة في الاعتراف بتهديد الإرهاب وترددت في التعاون مع الولايات المتحدة. وبعد تفجير أبراج مدينة الخبر في عام 1996، والذي أسفر عن مقتل تسعة عشر جنديا أمريكيا متمركزا على أرض السعودية، لم تقم الرياض بمشاركة بعض المعلومات الحيوية مع المخابرات الأمريكية. والعديد من الأسباب متعلقة بالحركة الجهادية العالمية، مثل القتال في كشمير والشيشان، والتي تتمتع بشرعية واسعة داخل المملكة.
عداء بن لادن
ويبدو أن دعم المواطنين لهذه الصراعات لا يشكل تهديدا مباشرا للأمن السعودي. وكان وزير الداخلية في التسعينات، نايف بن عبد العزيز (والد ولي العهد الحالي) قد اعتبر أن شهرة بن لادن الإرهابية كانت نتاج دعاية أمريكية، وبعد أحداث 11 سبتمبر، قامت بإلقاء اللوم في الهجمات على “المؤامرة الصهيونية”.
ولكن الوضع تغير بعد فترة ليست طويلة، ففي فبراير من عام 2003، أرسل بن لادن رسالة تعلن بشكل أساسي حربه ضد آل سعود، وبدأت القاعدة في مهاجمة المملكة مباشرة، واستهدفت المغتربين وقوات الأمن على حد سواء.
القيصر محمد بن نايف
وبين عامي 2003 و2006، وصلت الخسائر في الأرواح إلى المئات. وقاد ولي العهد الحالي والقيصر المكافح للإرهاب منذ فترة طويلة، محمد بن نايف، الجملة ضد تنظيم القاعدة، مما أسفر في النهاية عن تدمير تنظيمهم في المملكة. ونتيجة لهذه الهجمات، تبنت المملكة العربية السعودية التعاون الاستخباراتي مع الولايات المتحدة وبدأت ترى أن تنظيم القاعدة يشكل تهديدا خطيرا. وكتبت لجنة 11 سبتمبر في عام 2004، أن “المملكة العربية السعودية أصبحت الآن مقاتلا شرسا مع تنظيم القاعدة”.
وفي عام 2008، وقعت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية اتفاقا ثنائيا بشأن التعاون التقني لمكافحة الإرهاب. وبموجب الاتفاق، تقدم واشنطن مستشارين بتمويل من الرياض للمساعدة في الإجراءات الأمنية. ويقوم الجيش الأمريكي بتدريب القوات السعودية.
ويمكن ملاحظة التحول في النهج السعودي وأهمية دور السعودية في مكافحة الإرهاب من خلال العديد من النجاحات التي تحققت ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. وكان من أبرز الأمثلة على الدور متزايد الأهمية الذي تلعبه المملكة العربية السعودية في مكافحة الإرهاب، هو إحباط مؤامرة للقاعدة لقصف طائرة شحن. ووفقا لصحيفة نيويورك تايمز، قام مسؤولو المخابرات السعوديون بتقديم معلومات سرية إلى نظرائهم الأمريكيين والأوروبيين، مما سمح لأفراد الأمن البريطانيين والإماراتيين باعتراض القنابل الخفية التي كانت بالفعل في طريقها للولايات المتحدة. وكانت تبادل المعلومات في اللحظة الأخيرة نتاج لعمليات الاستخبارات السعودية التي استمرت لفترة طويلة في التسلل إلى القاعدة في جزيرة العرب.
وربما كانت الاتصال السعودي حاسما، حيث أن المتفجرات المخبأة قد قامت بالفعل بإلغاء العديد من الفحوص الأمنية المتعددة قبل أن يبدأ الإنذار في المناسب في البحث العالمي المتعدد الأطراف والناجح. ووفقا لهيئة الإذاعة البريطانية، فبالإضافة إلى هذه القدرات الاستخباراتية البشرية داخل الأوساط الجهادية (التي لا تتطابق بسهولة مع المخابرات الغربية) فالمملكة العربية السعودية تلعب أيضا دورا محوريا في الحملة الأمريكية ضد القاعدة في جزيرة العرب.
ومؤخرا صعد نجم تنظيم الدولة بشكل مشابه لما حدث مع القاعدة، يشكل تهديدا أمنيا كبيرا على النظام السعودي. وقد أعلن تنظيم الدولة أن المملكة العربية السعودية عدوا له، حيث أن الدعاية الخاصة بها تقوم فيها بوضع علمها الأسود على صور مكة المكرمة. وقام إرهابيو تنظيم الدولة بمهاجمة المساجد الشيعية والمسؤولين الأمنيين في المملكة، وطالبوا المواطنين باغتيال كبار القادة السعوديين.
وعلى نطاق أوسع، يهدد تنظيم الدولة شرعية النظام، مدعيا أنه وحده هو من يجسد فكرة إقامة شرع الله. وقد وصفوا العائلة المالكة بـ “عبيد الصليبيين وحلفاء اليهود” وسخروا منهم لتخليهم عن المسلمين في جميع أنحاء العالم حسب زعمهم.
جدير بالذكر أن الرياض اتخذت خطوات لإعاقة تدفق تنظيم الدولة باتجاه السعوديين. وقد ألقت القبض على أكثر من 1600 من أنصار التنظيم المشتبه بهم، وقامت بإحباط عدة هجمات. وأعلن مسؤولو الخزانة الأمريكية أن السعوديين يراقبون مع الولايات المتحدة عملية وقف تمويل تنظيم الدولة، وقد كثفت المملكة من رصدها لوسائل الإعلام الاجتماعية. كما ندد كبار المسؤولين الدينيين الذين لهم علاقة وثيقة بالعائلة المالكة بتنظيم الدولة (والقاعدة). واعلنت المملكة أنها كانت تشكل تحالفا عسكريا “إسلاميا”، مقره المملكة العربية السعودية، ويهدف إلى مكافحة الإرهاب.
وقد أصبحت المملكة أكثر فاعلية في وقف تمويل الإرهابيين، وكان جزءا مهما من الحل يتمثل في تطوير النظام الضريبي، مما ساعد على معرفة ما يملكه المواطن ومراقبة أوجه الصرف.
ونتيجة لذلك، أصبح من الصعب جدا إرسال الأموال إلى الجماعات الإرهابية من المملكة العربية السعودية. وفي عام 2014، كانت الأموال التي توجه للمقاتلين في سوريا غالبا ما توجه عبر الكويت لتجنب التدابير السعودية المضادة.
إعادة تأهيل
وبدأت المملكة العربية السعودية أيضا برنامجا ممول تمويلا جيدا للإعادة تأهيل الإرهابي، والذي يتيح للمتطرفين السابقين الفرصة للاندماج مرة أخرى مع المجتمع. ويشارك الزعماء الدينيون في ردع المشاركين في الآراء المتطرفة. ويحصل المشاركون على وظيفة ودعم من الأسرة. ورغم ذلك، فبعض هؤلاء الذين اجتازوا البرنامج قد انتكسوا، بما في ذلك العديد من الأعضاء المهمين في القاعدة في بجزية العرب. ولكنها تعد خطوة في الاتجاه الصحيح.
يذكر أن طرف التقدم ترتبك بقضايا أوسع في السياسة السعودية أكثر من ارتباطها بالعمليات اليومية. وعلى الرغم من أن الرياض تعارض تنظيم الدولة، إلا أنها تجد أن النظام السوري، بعلاقاته الوثيقة مع إيران، يعد أكثر تهديدا. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها المملكة للحد من تدفق المقاتلين للخارج، يجد السعوديون أنه من السهل جدا الانضمام إلى صفوف تنظيم الدولة، حيث أنه يضم نسبة مقلقة من المقاتلين الأجانب.
والأهم من ذلك أن المملكة العربية السعودية تعد موطنا للعديد من الدعاة والمنظمات الدينية التي تتعارض مع الدور الأمريكي في الشرق الأوسط. ويدين بعض الدعاة السعوديين البارزين بانتظام المسلمين الشيعة، وهذا ما يراه البعض تأكيدا لصحة الحملة الطائفية لتنظيم الدولة. والوضع لا يعد قاتما بشكل كامل، حيث يحث العديد من كبار القادة الدينيين السعوديين على الامتناع عن التجنيد في النزاعات بالخارج، وذلك بدعوى أن المسلمين المحليين أو سلطات الدولة ينبغي أن يكونوا هم من يقوموا بالرد.
إن التنافس السعودي مع إيران يعد سببا في زيادة استقطاب المنطقة. ومن خلال تصوير إيران على أنها مصدر لجميع مشاكل المنطقة، فيرى البعض أن هناك بعض الدعاة في المملكة يشاركون في شرعنة أولئك الذين يقاتلونهم، بما في ذلك الجهاديون الذين تؤدي أوقالهم واعمالهم المعادية للشيعة إلى وفاة الآلاف. ولتعزيز موقفها، وصلت إيران إلى الميليشيات في أفغانستان والعراق وحزب الله اللبناني. ويبدو أن إيران والمملكة العربية السعودية محاصرتان، حيث تستخدم كل منهما وكلاء محليين لتقويض الأخرى، مما يؤدي إلى تصاعد الشكوك المشتركة وجنون العظمة على طول الطريق.
كما تعتبر المملكة العربية السعودية القاعدة عدوا مهلكا، إلا أن البعض يرى أن حملتها العسكرية في اليمن، بدعم كبير من دولة الإمارات العربية المتحدة، تمكنت بشكل كبير من تمكين المجموعة، ويرون أنه بسبب استهداف الحوثيين، الذين تعتبرهم الرياض بيدق الشطرنج بالنسبة لطهران، فقد منحت المملكة العربية السعودية تنظيم القاعدة في جزيرة العرب مساحة للتنفس.
ورغم ذلك فالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة أعدا ترتيب أولويات القاعدة في شبه الجزيرة العربية، مما أجبر تنظيم القاعدة على التراجع.
ويقال إنه عندما بدأت المملكة العربية السعودية حربها في اليمن، فعلت ذلك دون تنسيق أمني. وعلى الرغم من صد الحوثيين، فالرياض لم تنهِ هيمنتهم، وأسفرت الحرب عن مقتل الآلاف من المدنيين وإنفاق مليارات الدولارات في هذه العملية. وابعت المملكة الحرب على الرغم من انتقاد إدارة أوباما لقتل المدنيين، ولكن قواتها لا تزال تعتمد على واشنطن في الاستخبارات والخدمات اللوجستية.
جدير بالذكر أن السياسة السعودية لمكافحة الإرهاب تمثل مزيجا من الأيديولوجيا والسياسات الداخلية والبرغماتية الباردة. ومعظم السعوديين، بمن فيهم الكثيرون في الحكومة، مؤيدون بقوة للفكر السلفي، ويعتبرون غير المسلمين خصوم، ويعتبرون محاربة إسرائيل والهند، وفي بعض الأحيان الولايات المتحدة، لعبة عادلة. ونشر الإسلام “الصحيح” بحماسية تبشيرية يعد أمرا شائعا بشكل بارز.
وبالنسبة للأسرة المالكة، يختلط هذا الدعم المحلي العام بالاحتياج إلى الشرعية. والأسرة المالكة غير منتخبة، وتختلط سجلات الخدمة العامة وسجلات النمو الاقتصادي الخاصة بها. وقد أدى انهيار سعر النفط إلى الكشف عن نقاط ضعف مثيرة للقلق، والتي تتمثل في أن عجز الموازنة بالمملكة اليوم هو الأكبر في تاريخا. وعلى هذا النحو، تعتمد العائلة المالكة بشكل كبير على تحالفها مع المؤسسة الدينية لتنفيذ الشرعية الإسلامية والدفاع عن الدين بشكل عام.
وبالتالي، فرفض العمل التبشيري والتعليم الديني أمرا لا يمكن الدفاع عنه، حتى إن رفض العنف باسم الدين يمثل تحديا إذا كان السبب شائع، كما هو الحال بالنسبة للنضال المناهض للأسد في سوريا اليوم. واقترب الملك سلمان من المؤسسة الدينية منذ توليه السلطة في عام 2015. وقام بفصل الوزيرة الوحيدة بالحكومة وهو على اتصال بشكل منتظم مع كبار رجال الدين المحافظين.
ولكن العائلة المالكة تعد عملية أيضا. إنها تقدر علاقتها بالولايات المتحدة، وقد علمتها هجمات عام 2003 أن المشاكل البعيدة يمكن أن تجد طريقها لديارهم بشكل سريع وغير متوقع. ومن ثم فالممارسة المتكررة التي يتبعها المتطرفون المتحولون من أجل تحقيق أهداف أخرى، تعد أمرا محفوف بالمخاطر. والنظام حساس بشكل خاص لأي شيء قد يشكك في شرعيته، ولا يتردد في إسكات أو سجن رجال الدين الشيعيين إذا لزم الأمر.
ولتعقيد هذه التعميمات، فالمملكة الآن في خضم تغيير عميق. ويعتبر الملك سلمان هو الأخير في جيله، فجميع القادة السعوديين في المستقبل (والغالبية العظمى من السعوديين) قد نشأوا في بلد معروف بثروته الضخمة. وفي العامين الماضيين، كانت المملكة، التي فضلت بشكل تاريخي التصرف خلف الكواليس، قد رسمت بالفعل مسارا مستقبل وحازما بشكل متزايد. وقد قلب سلمان الأوضاع بخوضه الحرب في اليمن ضد المعارضة الأمريكية الأولية، وانتقد علينا إدارة أوباما بشأن الاتفاق النووي، وقام بتعزيز العمل في سوريا ولعب دورا أكثر نشاطا في المنطقة.
وفيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، فعلى الأقل كان تعيين محمد بن نايف وليا للعهد أمرا مبشرا، وذلك لأنه مؤيد للولايات المتحدة وعدو كبير لتنظيم القاعدة والجماعات الأخرى. ومع ذلك، فكان محمد بن سلمان، نائب ولي العهد من الناحية الفنية، ولكنه ابن الملك ووريثه المفضل الظاهر، والذي يدعو بوضوح للقيام بالعديد من التصويبات. ويبدو أنهم يحاولون تهميش الأمير محمد بن نايف.
وكذلك بدأت المملكة على الأقل في عملية إعادة هيكلة اقتصادية ضخمة. ولا يزال اقتصادها يعتمد على النفط، كما ان القطاع العام بها متضخم ويحتاج نظامها التعليمي إلى تدريس المزيد من المعرفة العملية، وقد استفاد السعوديون من الإعانات الحكومية الضخمة، التغييرات، وكل ذلك يمثل تحديا رهيبا. واقترح الملك الجديد ونجله مجموعة طموحة من الإصلاحات لفطام المملكة من النفط.
وتشمل التغييرات المحتملة تقليص الإعانات وبيع الأراضي العامة ورفع ضريبة القيمة المضافة. ولكن وتيرة الإصلاحات السعودية غالبا ما تكون هادئة. وبقدر ما تكون مشاكل التطرف في المملكة مدفوعة بالعل الاقتصادية والاجتماعية، فمن المرجح أن تحرز تقدما ضئيلا على المدى القريب، وقد تزداد الأمور سوءا.
ويقال أن الضغوط الأمريكية تحت إدارتي بوش وأوباما أدت إلى تقليل دعم النظام السعودي للتطرف وفي بعض الأحيان ساعدت على تحويل قدراته إلى مكافحة الإرهاب. وحتى وإن كان الدافع الرئيسي هو تغيير التهديد المتصور للمملكة نفسها، وبغض النظر عن النفوذ الأمريكي، فهذه نجاحات حقيقة تستحق التقدير.
كما أن التغيير في السياسة السعودية يعد هدف صعبا. ويجب على الرياض أن تتجاوز التعريف المحدود لمكافحة الإرهاب وتقوم بالبحث في دورها في تعزيز التطرف في الخارج عن طريق الطائفية وانتقاد غير المسلمين، والتطرق إلى القضايا السياسية الداخلية الأساسية التي تساعد على شرعنه النظام وبقائه. وفي أحسن الأحوال ستأتي الإصلاحات في هذه المجالات ببطء، ويجب على الولايات المتحدة أن تتوقع أن التراجع الذي يجب أن يواجهه النظام يمثل تحديا خطيرا للحكم بها.
يذكر أن الضغط الهادئ دائما هو الأكثر حذرا. والدائرة الصغيرة من صناع القرار في المملكة العربية السعودية ليسوا معتادين جيدا على الإحراج العام، ويؤمنون بقوة بقيمة العلاقات الشخصية الوثيقة. ولكي تكون الضغوط الأمريكية فعالة، يجب أن تشمل كبار المسؤولين، بما فيهم الرئيس. وإلا فسيتم تجاهلها ببساطة أو قد تثبت نتائج عكسية.
وفي النهاية، يجب أن تدرك إدارة ترامب أن المملكة العربية السعودية ذات أهمية حيوية للنضال من أجل دحر تنظيم الدولة والقاعدة والجماعات الجهادية الأخرى. ولكنها ليست صديقة، ولا ينبغي أيضا إغفال العلاقات التي تربطهم. ولكن لا يجب علىللإدارة الجديدة أن تنظر لواشنطن والرياض على أنهم متحالفين بشكل كامل، وذلك نظرا للاختلاف العميق في القيم.