«ستراتفور»: مغامرات السعودية الاقتصادية في آسيا

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1950
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
تفخر آسيا بكونها أكثر اقتصاديات العالم ديناميكية. وقد استمرّت أسواق المنطقة بالنموّ خلال الأعوام القليلة الماضية في الوقت الذي شهدت فيه أسواق الاتّحاد الأوروبي وأمريكا الشمالية جمودًا. وعلى طول الطريق، جذبت أنظار دول مجلس التعاون الخليجي الغنية، والتي تبحث عن الفرص الاستثمارية الجديدة وأسواق جديدة لشراء صادراتها من الطاقة. وقد توّسعت، بشكلٍ سريع، العلاقات الاقتصادية بين أعضاء المجلس وعديد الدول في شرق وجنوب شرق آسيا خلال العقد الماضي.
وبين عامي 2007 و2012 على سبيل المثال، قفزت صادرات السعودية إلى الصين من 17 مليار دولار إلى أكثر من 55 مليار دولار. وعلى الرغم من تراجع هذا الرقم منذ ذلك الحين، بجانب انخفاض أسعار النفط، ستستمر العلاقات التجارية والاستثمارية السعودية مع آسيا في الزيادة خلال الأعوام القادمة.
وبالنظر إلى أهمية المنطقة لدول الخليج، فمن الصّعب أن نتفاجأ أنّ شرق وجنوب شرق آسيا هي الوجهة لأول رحلة لملكٍ سعودي خارج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ عام 2015. وخلال مسار رحلته التي تستغرق شهرًا، والتي انطلقت في 26 فبراير/شباط مع محطّة توقّف لأربعة أيّام في ماليزيا، سيزور الملك «سلمان» 6 دول آسيوية. لكنّ المحطّات الأربعة الأولى في رحلته هي الأهم. وتعكس محطّات الملك في ماليزيا وإندونيسيا والصين واليابان العلاقات الاقتصادية العميقة لبلاده في المنطقة ودور المنطقة في خطط المملكة المستقبلية. وخلال الزيارة، سيحاول الملك «سلمان» اقتناص الفرص الاستثمارية والتي لن تسهّل فقط استمرار النمو المستمر للاقتصاد الآسيوي، لكنّها أيضًا ستساعد الرياض على تنفيذ تدابير الإصلاح الحاسمة في الداخل.

تحليل
لا تملك السعودية العديد من الخيارات سوى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع آسيا. ومع ارتفاع سنّ السكّان وصعود الحمائية التجارية في الولايات المتّحدة وأوروبا، يتباطأ النمو الاقتصادي هناك ما يجعل مركزي القوّة الاقتصادية يتراجعان للتركيز على الداخل. وتعاني السعودية، في نفس الوقت، من الضّغط المالي والاجتماعي المتصاعد لإعادة تنظيم الاقتصاد الذي يعتمد على الطاقة. حتّى أنّ أسعار النفط المنخفضة قد تجبر المملكة على بيع 5% من جوهرة تاج اقتصادها، عملاقة النفط، شركة أرامكو السعودية. وتأمل السعودية أنّ تدرّ الصفقة 100 مليار دولار ستستخدمها في إنشاء صندوق ثروة سيادي، وهي وسيلة لجمع الاحتياطات من خلال الاستثمارات عالية المخاطرة والتي يحتمل أن تكون أكثر ربحية. ومن أجل هذه الغاية، تتطلّع الرياض إلى المستثمرين المحتملين والفرص الاستثمارية على حدٍّ سواء، ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ هي المناسبة تمامًا لكليهما. وبهذا لا يكون من قبيل المصادفة أنّ رحلة «سلمان» تمثّل فقط الزيارة الثانية لماليزيا والأولى لإندونيسيا من ملكٍ سعودي منذ عام 1970.

علاقة متطوّرة مع جنوب شرق آسيا
وترتبط علاقات السعودية مع ماليزيا وأندونيسيا تاريخيًا بالانتماءات الثقافية والدينية بين الثلاث دول ذات الأغلبية السنّية. وتستمر هذه القضايا بلا شك في التأثير على علاقات السعودية مع دول جنوب شرق آسيا. وعلى سبيل المثال، أملت كلٌ من ماليزيا وإندونيسيا في زيادة الرياض لمخصّصاتها من تأشيرات الدخول إلى موسم الحجّ في أعقاب زيارة «سلمان». (كانت السعودية قد قلّصت حصّة إندونيسيا، الدولة ذات أكبر عددٍ من السكّان المسلمين، بنسبة 20%). لكن بالنّسبة للرياض، يظلّ الاقتصاد هو عنوان اللعبة خلال الوقت الذي يمضيه «سلمان» في تلك البلاد.
وكانت ماليزيا وإندونيسيا طويلًا مركزين لتصدير الطاقة، الأمر الذي جعلهما منافستين للسعودية وغير مرغوب بهما للشراكة الاقتصادية. ومع تحوّل البلدان إلى اقتصادات أكثر توازنًا، ظهرت الدولتان كاثنتين من أهمّ الدول المصنّعة والمراكز المالية والاقتصادية في جنوب شرق آسيا. وقد اكتسبت ماليزيا، على وجه الخصوص، سمعتها كواحدة من أكبر الأسواق العالمية في التمويل الإسلامي. وأصبحت السعودية تتعمّق في تعاونها مع ماليزيا باطّراد في هذا القطاع، وعلى الأرجح ستعمل على بناء علاقة مشابهة مع إندونيسيا حيث قطاع التمويل الإسلامي في جاكرتا الآخذ بالازدهار.
وفي الوقت نفسه على الرغم من ذلك، سيكون قطاع الطاقة هو التركيز الأهم للاستثمار السعودي في البلدين. وخلال محطّة «سلمان» في ماليزيا، وقّعت أرامكو السعودية صفقة استثمارية بقيمة 7 مليار دولار مع شركة بتروناس النفطية المملوكة للدولة لاستخراج النفط وإنشاء مجمع للكيماويات في جوهور. ومن المتوقّع كذلك أن توقّع الشركة السعودية اتّفاقًا بقيمة 6 مليار دولار مع الشركة الإندونيسية المملوكة للدولة، برتامينا، من أجل مصفاة سيلاكاب، خلال زيارة الملك «سلمان» التي تستغرق 9 أيام في البلاد، والتي بدأت 1 مارس/آذار. وتحاول أرامكو السعودية الاستثمار في سلسلة من المصافي التي تملأ أهمّ أسواق المملكة الآسيوية، وكذلك بناء المصافي هناك لسدّ الفجوة والمضي قدمًا نحو المنتجات المكررة عالية القيمة.

السعي نحو المستثمرين في شرق آسيا
في حين يتركّز اهتمام الرياض في إندونيسيا وماليزيا على الاستثمار الخارجي، فإنّ السعودية في رحلة بحثٍ عن المستثمرين بنفس قدر بحثها عن الفرص الاستثمارية في شرق آسيا. ومثلما كان الأمر في المحطّتين الأولى والثانية للملك «سلمان» في رحلته الآسيوية، سيكون قطاع الطاقة هو الموضوع الحاضر أكثر في النقاش خلال زيارتي «سلمان» للصين واليابان.
والصين هي أكبر شريك تجاري للمملكة وأكبر وجهة لصادرات النفط السعودي. إضافةً إلى ذلك، فهي موطن العديد من مشاريع الطاقة الاستثمارية التي تستثمر بها المملكة. وعلى الرغم من تكتّم الرياض وطوكيو وبكين حول نوعية الاتّفاقات التي قد توضع لها اللمسات الأخيرة خلال رحلة «سلمان»، فعلى الأرجح سيتمّ التوقيع على مجموعة من اتّفاقيات الطاقة، بما في ذلك عقود التوريد واستثمارات التكرير والبتروكيماويات.
وتوفّر الصين واليابان أيضًا فرصًا للرياض للقيام باستثمارات استراتيجية في قطاع التكنولوجيا الفائقة، وهو واحد من الأولويات الرئيسية لولي ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان». وقد أغلقت السعودية بالفعل صفقة لتمويل صندوق سوفت بنك للتكنولوجيا بقيمة 45 مليار دولار، والذي يبلغ في الأساس 100 مليار دولار. لم يتم التمويل بعد، لكنّ الرئيس التنفيذي لسوفت بنك، ماسايوشي سون، يخطّط لإنهائه قريبًا. وتأمل السعودية أنّ المساهمة، أول مشروع رئيسي لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، ستمكّنها من جني فوائد استثمارات الصندوق المتنوعة في قطاعات الطاقة حول العالم.
لكن ربما تكون القضية الأكثر أهمية خلال النقاشات خلال الأيام التي سيقضيها «سلمان» في شرق آسيا هي عملية بيع 5% من شركة أرامكو السعودية. وكانت المملكة تبحث مؤخّرًا عن أسواق الأوراق المالية حول العالم والتي قد تدرج بها أسهم أول اكتتاب عام. وقد ركّز البحث مؤخّرًا على أسواق نيويورك ولندن وتورنتو، بدلًا من الأسواق في آسيا. لكن لا تزال المملكة تتفاوض مع بنوك الصين لتوفير طريقة للمستثمرين في الصين للدخول في الاكتتاب العام بغض النظر عن عمّا إذا كانت الأسهم ستدرج مباشرةً في بورصة رئيسية في البلاد. وعلى الرغم من أنّ مثل تلك الخطوة ستكون غير تقليدية نظرًا للضّوابط المعتادة التي تضعها بكين على تدفّق رؤوس الأموال إلى الأسهم، فإنّ حكومة الصين لديها اهتمام بأن تتمكّن بعض مؤسّساتها المالية من المشاركة في الاكتتاب. وبعد كلّ شيء، فإنّ أرامكو السعودية هي أكبر مورّد للنفط الخام ولاعب رئيسي في قطاع التكرير بالصين.
وأيًا كانت الصّفقات التي ستنتج عن رحلة الملك السعودي لآسيا، تعكس الرحلة الدور المتنامي للمنطقة في الاقتصاد السعودي، وبالتالي، استراتيجيتها السياسية. وبنهاية جولته في ماليزيا وإندونيسيا والصين واليابان، بلا شك، سيكون «سلمان» مستعدًّا للمحطّة التالية من الرحلة، والتي تشمل عطلة طويلة في جزر المالديف.
المصدر | ستراتفور