معهد واشنطن: دول الخليج تُواجِه تحدّيات داخليّةٍ وخارجيّةٍ تُهدد استقرارها
وعلى ترامب الإقرار بأنّ القضيّة الفلسطينيّة لا تُشكّل عائقًا أمام تطوير العلاقات مع إسرائيل
الناصرة-“رأي اليوم”- من زهير أندراوس:
على الإدارة الأمريكيّة الجديدة بقيادة ترامب الإقرار بأنّ غياب اتفاق سلامٍ كاملٍ بين إسرائيل وفلسطين، رغم كونه لا يزال عائقًا، لم يَعُد يشكّل عقبة لا يمكن تخطيها أمام العلاقات التي تتطوّر بين إسرائيل ودول الخليج، هذه النتيجة التي توصّل إليها معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في دراسةٍ جديدةٍ حول سبل توثيق العلاقات بين هذه الدول وبين الدولة العبريّة، مُعتبرًا أنّ التمدّد الإيرانيّ في الشرق الأوسط، يُشكّل تهديدًا إستراتيجيًا على الطرفين: إسرائيل ودول الخليج.
مُضافًا إلى ذلك، رأت الدراسة أنّ الأسر الحاكمة في الخليج صمدت في العديد من الفترات الصعبة خلال نصف القرن الماضي، إلّا أنّ المناخ الحاليّ يمثّل تحديًا بشكلٍ خاصٍّ، وسيشكّل اختبارًا لقوة ومرونة الأنظمة الملكية والعلاقات بين الولايات المتحدة ودول الخليج. وساقت الدراسة قائلةً إنّه من شأن المزيج المؤلف من التهديدات التي تطرحها إيران وحلفاؤها ومن الجماعات المسلحة السنّية، وانحدار أسعار النفط، والميزانيات الحكومية، وتنامي أعداد الشباب الذين يتمتعون بقدرةٍ غيرُ مسبوقةٍ على النفاذ إلى أدوات التواصل القوية، أنْ يشكل ضغوطًا على دول الخليج من جميع الجهات، بكلماتٍ أخرى، تؤكّد الدراسة على أنّ المزيج بين التهديدات الخارجيّة والداخليّة التي تُواجهها دول الخليج في هذه المرحلة بالذات تُحتّم على واشنطن وتل أبيب استغلالها لإحكام السيطرة الأمريكيّة على هذه الدول، ومن الجهة الثانية إدخال إسرائيل إلى الملعب الخليجيّ بشكلٍ علنيٍّ.
وبرأي الدراسة، تَعتبر الرياض أنّ دعم طهران للمسلحين الشيعة في المنطقة وتهديداتها بالسيطرة على طرق التجارة البحريّة مصدر التحدي الأكبر الذي تواجهه، وستُرحّب بأيّ جهود تعاونية للتصدي لهذه التوجهات. ويجب، أضافت، أنْ يستهدف التعاون الجهود التي تدعمها إيران لزعزعة استقرار دول الخليج نفسها، لا سيما البحرين والسعودية، اللتين تُعتبران مسرحًا تقليديًا لحملات إثارة الاضطرابات التي تشنها إيران، وأنْ يضم مساعدة موسعة من القطاع الخاص في مجال الدفاع الإلكترونيّ. كما يجب التركيز، أوضحت الدراسة، على دعم السعودية في إطار دفاعها عن حدودها الجنوبيّة من هجمات الحوثيين والضغط من أجل إيجاد حلول سياسية للحربين الكارثيتين في اليمن وسوريّة، لافتةً إلى أنّ الإدارة الأمريكيّة تسير على المسار الصحيح من خلال اعتبارها بأنّ خطر تطوير إيران للأسلحة النووية يشكل جزءً من المشكلة الإيرانية وليس كلها.
بالإضافة إلى ذلك، شدّدّت الدراسة على أنّ دول الخليج تَعتبر أنّ “داعش” يشكل خطرًا وجوديًا، لكن التعاون العسكري لهذه الدول في الحملة ضد تنظيم “داعش” كان محدودًا بسبب قلقها من إقدام الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه على ملء الفراغ الذي يتركه انسحاب “داعش” من الأراضي، ومن تخصيص الموارد العسكرية لهذه الدول لدرء التهديدات الأقرب إليها، مثل اليمن. وأشارت الدراسة أيضًا إلى أنّ العمليات الموسّعة بالتعاون مع شركاء الولايات المتحدة الخليجيين للتصدّي لجهود إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، بما فيها دعم النظام للأسد والحوثيين، قد تؤثّر على حسابات السعوديين فيما يتعلق بسوريّة.
ورأت الدراسة أنّ مجالات مثل مكافحة الفكر الإرهابي وإنهاء تدفق الدعم المالي للجماعات الإرهابية من الخليج تتطلب إجراء مناقشات مستمرة مع شركاء واشنطن، لكن لدى معظم الحكومات الخليجيّة تحالفات مع جماعات محافظة للغاية داخل بلدانها، وأحيانًا خارجها، الأمر الذي يعقّد إطلاق مثل هذه الحملات الواسعة لمكافحة الإرهاب.
وما يُمثّل مبعث قلق أكبر بالنسبة للرياض، أوضحت الدراسة، هو نزعة ترامب الشعبية ورغبته الواضحة في إدراك وجهات نظر الناخبين التي غالبًا ما تكون غير منمّقة، ومن الإنصاف القول إنّ نظرة العديد من الأمريكيين العاديين تجاه السعودية قبيحة: فغالبًا ما يُعتبر السعوديون قاطعي رؤوس وكارهين للنساء ولا يختلفون كثيراً عن مناصري “داعش” الذين يهددون المملكة بقدر ما يشكّلون خطراً على الكثير من دول الشرق الأوسط وحتى أوروبا.
ووفقًا للدراسة، فإنّه على الرغم من أنّ هناك علاقات شبه سريّة تجمع على الأرجح بين الإمارات العربية المتحدّة وإسرائيل، وهي أفضل من تلك التي يُحتمل أنّها تجمع السعودية مع الدولة العبريّة، إلّا أنّ المواقف تتغير بشكلٍ سريعٍ في المملكة، كما يظهر من العدد المتزايد من الاتصالات والتبادلات الرفيعة المستوى.
وخلُصت الدراسة إلى القول إنّه في حين أنّ الشك المتبادل حول إيران هو لا محالة العامل المحرك الرئيسيّ وراء هذه الخطوات، من شأن إدارة ترامب أنْ تشجع على نحوٍ أكبرٍ تطوير العلاقات بين حلفاء أمريكا، وأنْ تُقرّ أنّ غياب اتفاق سلامٍ كاملٍ بين إسرائيل وفلسطين، رغم كونه لا يزال عائقًا، لم يَعُد يشكّل عقبةً لا يمكن تخطيها أمام هذه العلاقات، بحسب تعبيرها.